اتجاهات الرأي العام الأمريكي إزاء سياسات ترامب 2025

شبكة أخبار الإمارات ENN

منذ بدء ولايته الثانية في 20 يناير 2025، يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة من الانقسام الحاد داخل الرأي العام، تعكس امتداداً لحالة الاستقطاب التي ميّزت تجربته السياسية منذ 2016. ففي المخيّلة الاجتماعية للأمريكيين، ينظر إليه أنصاره باعتباره قائداً يفي بوعوده ويعزز مكانة البلاد، في حين يرى معارضوه أنه عامل انقسام يعمّق الخلافات الداخلية ويثير الجدل حول سياساته. وتكشف استطلاعات الرأي عن استمرار هذا التباين في المواقف.

مؤشرات متباينة:

تعكس نتائج استطلاع الرأي مشهداً متعدد الأبعاد حول أداء الرئيس دونالد ترامب في مُستهل ولايته الثانية، حيث تتباين المؤشرات وتكشف عن توافق في بعض الملفات وانقسام في ملفات أخرى. ويتمثل ذلك فيما يلي:

1- تزايد الثقة مقابل استمرار الاستقطاب الحزبي: تشير نتائج استطلاع “سي بي إس/يوجوف” الذي أُجري في الفترة من 5 إلى 7 فبراير 2025، إلى ارتفاع مستوى الثقة في قدرة ترامب على الوفاء بوعوده؛ إذ أكد 70% من المشاركين بالاستطلاع أنه يلتزم بتعهداته الانتخابية، مقابل 30% فقط معارضين لهذا الرأي. ويُلاحظ أن هذه النسبة شهدت زيادة ملحوظة مقارنةً بولايته الأولى في إبريل 2017، حين بلغت نسبة الدعم 46% فقط. تُفسر هذه الزيادة بالإجراءات السريعة التي اتخذها ترامب منذ بداية ولايته الثانية، إضافةً إلى الصورة الإيجابية التي يرسمها المشاركون بالاستطلاع عنه، حيث وصفه 69% بأنه قوي، و63% بأنه نشيط، وكذا 58% بأنه فعال. هذا التصاعُد في الثقة يشير إلى قدرة الإدارة على كسب تأييد قاعدة معينة من الأمريكيين عبر الالتزام بالوعود الانتخابية.

وفي هذا السياق، ووفقاً لاستطلاع “غالوب Gallup” الذي أُجري في الفترة من 21 إلى 27 يناير 2025، بدأ ترامب ولايته الثانية بالتوقيع على عدد قياسي من الأوامر التنفيذية التي استهدفت مجموعة واسعة من السياسات، بما في ذلك الهجرة، الدفاع والجيش، السياسة الخارجية، البيئة، وكفاءة الحكومة. وقد أُجري الاستطلاع قبل إعلان إدارته وقف تريليونات الدولارات من المنح والقروض والمساعدات الفدرالية، وهي الخطوة التي تم تعليقها مؤقتاً بحكم قضائي قبل أن يتراجع ترامب عنها لاحقاً. ونتيجة لهذه الإجراءات، انقسم المشاركون بشأن سرعة استجابته للتحديات الكبرى، حيث يرى 40% أن وتيرته “مناسبة”، بينما يعتقد 37% أنه يتحرك “بسرعة زائدة”، و14% فقط يعتبرون أنه “لا يتحرك بالسرعة الكافية”. وبينما يرى 83% من الجمهوريين أن وتيرة ترامب مناسبة، يعتقد 61% من الديمقراطيين أنه يتحرك بسرعة زائدة، في حين جاءت آراء المستقلين متقاربة مع المتوسط الوطني، دون انحياز واضح لأي من الطرفين. وعلى الرغم من أن ترامب قد وقع عدداً من الأوامر التنفيذية يفوق ما وقّعه في أول 100 يوم من ولايته الأولى؛ فإن نسبة المشاركين الذين يعتقدون أنه يتحرك بسرعة زائدة كانت أعلى في 2017 (47%).

تُظهر البيانات المستمدة من استطلاع غالوب أيضاً، أن ترامب بدأ ولايته الثانية بمعدل موافقة بلغ 47%، وهو أقل من معظم الرؤساء المنتخبين منذ عام 1953، بينما بلغت نسبة عدم الموافقة 48%، وهي الأعلى مقارنة بأي رئيس أمريكي آخر في بداية فترته. تعكس هذه النسب استمرار الانقسام الحاد في الرأي العام الأمريكي بشأن ترامب؛ مما يشير إلى أنه، كما في ولايته الأولى، لم يحظَ بما يسمى فترة “شهر العسل” التقليدية التي يتمتع بها معظم الرؤساء الجدد. ويدعم ذلك التحليل القائل إن ترامب يواجه تحديات كبيرة في توحيد الأمريكيين خلفه، على الرغم من الحماس الذي أبداه أنصاره خلال الحملة الانتخابية في 2024.

ويعكس هذا الاستطلاع استمرار الاستقطاب الحزبي المتواصل في تقييم ترامب، حيث أظهر 91% من الجمهوريين أنهم يوافقون على أدائه، مقابل 6% فقط من الديمقراطيين و46% من المستقلين. وعلى الرغم من أن بداية ولاية ترامب الأولى شهدت أيضاً استقطاباً حاداً (90% من الجمهوريين مقابل 14% من الديمقراطيين، بفارق 76 نقطة)؛ فإن هذا التفاوت ظل أقل مما هو عليه الآن. وللمقارنة، تراوحت الفجوات الحزبية في تقييم الرؤساء الأمريكيين المنتخبين سابقاً بين 24 و56 نقطة، ما يؤكد أن عصر ترامب يمثل حالة غير مسبوقة من الانقسام السياسي العميق في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، “كشف استطلاع مركز بيو للأبحاث” الذي نُشِرَ في 7 فبراير 2025، (تم إجراؤه في 27 يناير – 2 فبراير 2025) عن فجوة حزبية واضحة في تقييم أداء ترامب، حيث أعرب 84% من الجمهوريين والمستقلين المائلين للجمهوريين عن رضاهم عن أدائه، مقابل 10% فقط من الديمقراطيين والمستقلين المائلين للديمقراطيين.

كما أظهر الاستطلاع أن 92% من الجمهوريين يرون أن لديه أهدافاً واضحة لقيادة البلاد، بينما يوافق على ذلك 55% فقط من الديمقراطيين. لكن الخلاف لا يقتصر فقط على تقييم أدائه الحالي، بل يمتد كذلك إلى التوقعات بشأن مدى نجاحه في تنفيذ أجندته؛ إذ يعتقد 54% من الجمهوريين أنه سينجح في تحقيق معظم أو جميع وعوده، بينما يتوقع 39% أنه سيتمكن من تنفيذ بعضها فقط. في المقابل، يُظهر الديمقراطيون تشككاً واضحاً، حيث يرى 23% فقط أن ترامب سينجز معظم أو كل أجندته، فيما يرى 53% أنه سيتمكن من تحقيق بعض وعوده، ويعتقد 24% أنه لن ينجز سوى القليل أو لن يحقق شيئاً على الإطلاق.

2- الانقسام حول السياسات الاقتصادية: على صعيد الملف الاقتصادي، يظهر استطلاع “سي بي إس/يوجوف” انقساماً واضحاً في تقييم أداء ترامب. ففيما يرى 66% من المشاركين أن الرئيس لم يركز بشكل كافٍ على مواجهة التضخم، يعتقد 31% فقط أنه يولي هذا الملف الاهتمام اللازم. ويُعد هذا التحدي محورياً نظراً لأهمية التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة كأحد أكبر المخاوف التي تؤثر في المزاج العام للمواطنين. كما أن السياسات التجارية الحمائية التي اتبعها ترامب – مثل فرض رسوم جمركية على شركاء تجاريين رئيسيين (كالصين وكندا والمكسيك) – أثارت أيضاً جدلاً؛ إذ دعم 56% فرض رسوم على الصين، بينما تراجعت نسبة التأييد إلى 44% للرسوم المفروضة على المكسيك، و40% على أوروبا، و38% على كندا. ويعكس هذا التباين اختلاف وجهات النظر حول تأثير السياسات التجارية في الاقتصاد الوطني.

3- دعم نسبي لسياسات الهجرة والأمن: على النقيض من الملف الاقتصادي، برزت سياسات ترامب في مجالي الهجرة والأمن كنقطة قوة في تقييم المشاركين. فقد أظهر الاستطلاع أن 59% من المشاركين يؤيدون برنامجه لترحيل المهاجرين غير الشرعيين، مقابل 41% معارضين. كما تلقى مشروعه لنشر قوات أمريكية على الحدود مع المكسيك دعماً بنسبة 64%؛ مما يؤكد أن قضية الهجرة تظل محور اهتمام كبير لدى المشاركين وتُعد أحد الدعائم الأساسية لقاعدة الدعم الانتخابية التي اعتمد عليها ترامب في حملاته السابقة، خاصة بين البيض.

4- انقسامات بشأن السياسة الخارجية: يتجلى الانقسام في الملف الدولي من خلال تقييم المشاركين لطريقة تعامل ترامب مع الصراعات الخارجية. فقد أيد 54% من المشاركين طريقة تعامله مع الصراع بين إسرائيل وحماس، فيما رفضها 46%. في حين كان الدعم لفكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد الحرب ضعيفاً؛ إذ اعتبرها 13% فقط “فكرة جيدة”، في مقابل 47% وصفوها بأنها “فكرة سيئة”، فيما ظل 40% دون تحيّز واضح. وتعكس هذه النتائج حذر المشاركين من التدخل المباشر في الأزمات الخارجية؛ مما قد يؤثر في نهج الإدارة الأمريكية في المستقبل فيما يتعلق بالملفات الدولية الحساسة.

5- انقسام حول دور وزارة الكفاءة الحكومية: يُثير دور وزارة الكفاءة الحكومية، بقيادة إيلون ماسك، انقساماً واضحاً بين الأمريكيين بشأن تأثيرها في الإنفاق الفدرالي. فوفقاً لاستطلاع “سي بي إس/يوجوف”، أيد 51% من المشاركين تدخل الوزارة في ضبط النفقات، حيث رأى 23% أن نفوذها يجب أن يكون “كبيراً”، بينما يعتقد 28% أن تأثيرها يجب أن يكون “إلى حد ما”. في المقابل، رفض 31% أي تدخل لها في هذه الجوانب؛ مما يعكس استمرار الجدل حول فعاليتها وأهدافها. وعلى مستوى الانتماء الحزبي، ظهر تباين ملحوظ؛ إذ دعم 30% فقط من الديمقراطيين تدخل الوزارة، بينما رفض 49% أي تأثير لها. في المقابل، حظيت الوزارة بدعم 74% من الجمهوريين؛ مما يعكس تباين المواقف الحزبية تجاه تقليص دور الحكومة الفدرالية. ولقد تصاعد الجدل بعد إعلان الوزارة إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مطلع فبراير 2025، وهي مؤسسة تأسست بقرار تشريعي عام 1961؛ ما يجعل حلها يتطلب موافقة الكونغرس. وفي محاولة لتعزيز شرعيتها، تطرح الوزارة مبادرات للشفافية، لكن استمرار الجدل حول صلاحياتها يبقي مصير قراراتها، مثل إغلاق الوكالة، خاضعاً للمواجهات القانونية والسياسية.

ارتدادات محتملة:

تكشف المؤشرات المتباينة في بداية ولاية ترامب الثانية عن مجموعة من الارتدادات المحتملة التي قد تؤثر في مسار السنوات المقبلة، خاصة في ظل استمرار الانقسام الحزبي والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الإدارة. ويتضح ذلك فيما يلي:

1- تعقيد المشهد التشريعي: برغم أن 70% من المشاركين في استطلاع “سي بي إس/ يوجوف” يرون أن ترامب يفي بوعوده الانتخابية، فإن ترجمة هذا الرقم إلى تفويض سياسي واسع تظل موضع تساؤل، خاصة أن القدرة على تمرير التشريعات تعتمد على موازين القوى داخل الكونغرس، وليس فقط على نسب التأييد الشعبي. فالتحديات الاقتصادية والسياسة الخارجية، التي تتسم بانقسام واضح في التوجهات، قد تجعل من الصعب تحقيق توافق تشريعي واسع؛ مما يدفع ترامب إما إلى تقديم تنازلات في بعض الملفات أو إلى اللجوء بشكل متزايد إلى الأوامر التنفيذية؛ ومع ذلك، فإن نظام الضوابط والتوازنات في الولايات المتحدة قد يحد من قدرة الرئيس على تنفيذ سياساته بشكل منفرد، حيث يمنح الكونغرس سلطة إلغاء بعض الأوامر التنفيذية من خلال التشريع، كما تمتلك المحاكم الفدرالية صلاحية تعليقها أو إلغائها إذا اعتُبرت غير دستورية.

ويشير سجل إدارته في ولايته الأولى إلى أن استخدام الأوامر التنفيذية كان وسيلة مفضلة لتجاوز الجمود التشريعي، كما حدث في قضايا مثل الهجرة وحقوق الأفراد وتمويل المشروعات الفدرالية، إلا أن العديد من هذه الأوامر واجهت طعوناً قانونية؛ ما يعكس الدور الحاسم الذي يؤديه النظام المؤسسي في ضبط السلطة التنفيذية. هذا الأمر قد يتكرر بشكل واسع خلال ولايته الثانية، خاصة في ظل استمرار المعارضة الديمقراطية وسعي المؤسسات التشريعية والقضائية للحد من نفوذه.

2- تقلبات في شعبية ترامب: يشكل الوضع الاقتصادي، ولاسيما ملفا التضخم وفرص العمل، اختباراً رئيسياً لشعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فبينما قد تُعزز بعض السياسات، مثل فرض الرسوم الجمركية على الصين، صورة الرئيس كمدافع عن الاقتصاد الوطني، فإن التداعيات المحتملة لهذه الإجراءات تثير تساؤلات جوهرية حول مدى استدامة هذا التأييد؛ إذ تشير التجارب إلى أن فرض الرسوم على الواردات غالباً ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع؛ مما ينعكس على القوة الشرائية للأسر الأمريكية ويدفع الشركات إلى رفع الأسعار، ما يسهم في زيادة الضغوط التضخمية.

ولفهم تأثير هذه السياسات، يمكن العودة إلى تجربة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في 2018-2019، عندما فرضت واشنطن تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات صينية بقيمة 34 مليار دولار في يوليو 2018، وردت بكين بإجراءات مماثلة. أدى هذا التصعيد إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، حيث أشار تقرير أممي في نوفمبر 2019 إلى أضرار لحقت بالاقتصادين الأمريكي والصيني، شملت انخفاض الصادرات وارتفاع تكاليف الإنتاج. كما بلغ العجز التجاري الأمريكي في مايو 2018 نحو 68,4 مليار دولار، واستمر عند مستويات تتجاوز 500 مليار دولار منذ 2003، ما دفع إدارة ترامب لمحاولة تقليصه عبر الرسوم الجمركية، رغم أن النتائج لم تكن بالمستوى المأمول. ورغم دعم 73% لبرنامج خلق الوظائف في أول 100 يوم من ولايته الأولى، مقارنة بـ77% لبرنامج أوباما، لم يكن ذلك كافياً للحفاظ على زخم التأييد الشعبي في ظل غياب تحسن ملموس في المعيشة. وإذا لم تحقق السياسات الاقتصادية الحالية نتائج واضحة، فقد يتكرر تراجع شعبيته؛ مما قد يؤثر في انتخابات 2026 النصفية، ويعيد تشكيل المشهد السياسي قبل انتخابات 2028.

3- تزايد الجدل حول وزارة الكفاءة الحكومية: لا تزال وزارة الكفاءة الحكومية بقيادة إيلون ماسك موضع جدل واسع، خاصة في ظل سعيها لإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تدير ميزانية سنوية تبلغ 42,8 مليار دولار، ما يمثل 1% من إجمالي الميزانية الفدرالية، وتقدم مساعدات لأكثر من 130 دولة. وبينما تروج الوزارة لهذه الخطوة باعتبارها جزءاً من جهود إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي؛ فإنها تثير تساؤلات حول التداعيات القانونية والسياسية، ليس فقط على مستوى الداخل الأمريكي، ولكن أيضاً على مستوى التزامات الولايات المتحدة الخارجية.

وتشير التقارير إلى أن الوزارة تمكنت من تحقيق وفورات تقدر بمليارات الدولارات من خلال إجراءات تشمل إيقاف التوظيفات غير الضرورية، وإلغاء مبادرات التنوع والشمول، وإعادة تقييم المدفوعات الخارجية. ورغم هذه الأرقام؛ فإن غياب التفاصيل الدقيقة حول آليات تحقيق هذه الوفورات يجعل من الصعب التحقق من مدى فعاليتها، خاصة في ظل تساؤلات حول تأثير هذه التخفيضات في كفاءة الأداء الحكومي. ومثلما واجهت محاولات ريغان في الثمانينيات مقاومة تشريعية حالت دون تنفيذ إصلاحات واسعة في هيكل الحكومة الفدرالية، وكما اصطدمت إصلاحات بوش الابن بقيود تمويلية فرضتها تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان؛ فإن خطة الوزارة تواجه عقبات قانونية جوهرية؛ إذ لا يمكن إغلاق الوكالة دون موافقة الكونغرس؛ مما قد يؤدي إلى طعون تشريعية وقضائية تعرقل تنفيذ القرار أو تفرض تعديلات عليه. ورغم دفاع ماسك عن هذه الإصلاحات خلال ظهوره المشترك مع ترامب في المكتب البيضاوي؛ فإن التساؤلات حول تضارب المصالح لا تزال قائمة، ولاسيما في ظل تشابك دوره الحكومي مع مصالحه الواسعة في القطاع التكنولوجي. ومع استمرار الجدل، يبقى نجاح الوزارة مرهوناً بقدرتها على تجاوز العقبات السياسية والقانونية، وإثبات أن وفوراتها تعكس إصلاحاً فعلياً لا مجرد تخفيضات شكليّة في الإنفاق.

4- ضبابية في السياسة الخارجية: بينما تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل دور الحكومة الفدرالية داخلياً، فإن مقاربتها للسياسة الخارجية تعكس بدورها تبايناً في الرؤى حول مدى التدخل الأمريكي في النزاعات الدولية. وتُظهر مؤشرات استطلاع “سي بي إس/يوجوف” استمرار الانقسام في تقييم نهج ترامب تجاه القضايا الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الصراعات الدولية. ويعكس هذا الانقسام حالة من الحذر تجاه التدخل العسكري المباشر، وهو توجه ترسخ في الرأي العام الأمريكي منذ التدخلات العسكرية في العراق وأفغانستان. وبرغم سعي إدارة ترامب لتقليل الانخراط المباشر في الأزمات الخارجية؛ فإن الضغوط الداخلية قد تدفعها إلى تبني مواقف أكثر تشدداً في قضايا مثل الصراع بين إسرائيل وحماس أو العلاقات مع الصين. وفي ظل هذا التباين، قد تتسم سياستها الخارجية بالضبابية، حيث تحاول الموازنة بين عدم التورط المباشر والحفاظ على صورة القوة العالمية؛ مما يفاقم حالة عدم اليقين لدى الحلفاء والخصوم ويشكل تحديات جديدة للإدارة.

ختاماً، قد تعكس بعض نتائج استطلاعات الرأي ارتفاع مستوى الثقة في التزام ترامب بوعوده الانتخابية، لكنها لا تعني بالضرورة القبول الواسع بسياساته أو الاتفاق على نتائجها. فتنفيذ التعهدات في مستهل ولايته الثانية قد يكون عاملاً إيجابياً في نظر بعض المشاركين بالاستطلاع، لكنه لا ينفصل عن السياق الأوسع الذي شكّل رؤية الناخبين لدوره السياسي في المقام الأول. وفي هذا الإطار، فإن الانقسام الحزبي الحاد لا يعكس فقط الخلافات حول السياسات، بل يُعبّر أيضاً عن تصورات متباينة حول تأثير ترامب في الهوية السياسية الأمريكية. وبرغم تنامي الثقة في وفائه بوعوده؛ فإن التحدي الأبرز لا يتمثل فقط في تنفيذ أجندته السياسية، وإنما في قدرته على تغيير التصورات الراسخة عنه بين معارضيه، وهو أمر يظل موضع تساؤل في ظل تباين المواقف الحزبية الحادة والاستقطاب المتواصل.

تكشف هذه النتائج أن الاستقطاب حول ترامب ليس مجرد انعكاس مباشر لسياساته، بل هو جزء من ديناميكيات أوسع تشكلت عبر السنوات الماضية. فبينما يرى مؤيدوه أن قراراته تعكس التزاماً بوعوده، ينظر معارضوه إليها باعتبارها امتداداً لنمط سياسي يزيد من حالة الاستقطاب، ولاسيما في القضايا الاقتصادية والسياسة الخارجية. وتبقى أهمية هذه المؤشرات مشروطة بقدرتها على الصمود أمام اختبارات الواقع، حيث لا تقتصر على القراءات السياسية الآنية، بل تمتد إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيد تشكيل موقع ترامب في المشهد الأمريكي. ومع ذلك، فإن هذه التوجهات ليست ثابتة؛ إذ قد تتأثر بالتطورات السياسية المقبلة، وكذلك بمدى قدرة ترامب على إعادة صياغة صورته السياسية في أذهان الشعب الأمريكي. وكما أن الاستطلاعات الحالية تعكس استقطاباً متجذراً؛ فإن انتخابات 2026 النصفية قد تشكل لحظة فارقة في إعادة تقييم موقع ترامب داخل المشهد السياسي الأمريكي، إما كرمز لتغيير مستمر، أو كمرحلة انتقالية في التاريخ السياسي الأمريكي.

 

 مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

شاهد أيضاً