مارلين سلوم
تجربة ناجحة تدفعك للوثوق بأخرى فتذهب إليها متحمساً، وإن كنت تعلم أنها تحمل أسماء مختلفة. منذ أن انطلق الإعلان الترويجي لفيلم «إيموجي»، تحمس له الصغار والكبار، لأنه بدا مشابهاً لفيلم «إنسايد آوت» الذي يعتبر من بين أفضل أفلام الكرتون التي تحب أن تشاهدها أكثر من مرة، والتي ستبقى علامة مميزة في تاريخ هذه الصناعة. لكن الصدمة كانت مع العرض في الصالات، حيث بدا الفرق شاسعاً بين العملين، لدرجة أنك تتمنى لو أن الفيلم مجرد كرتون قصير لتنقذ نفسك منه سريعاً.
يفرض عليك «إيموجي» استعادة تجربة «إنسايد آوت» والمقارنة بينهما، لأنه وضع نفسه في مأزق الالتقاء مع هذا الأخير عند الفكرة نفسها، ومحاولة الانطلاق منها إلى تجربة مختلفة. ففيلم «إنسايد أوت» نال أوسكار أفضل فيلم كرتون لعام 2015، وأيضاً جائزتي «بافتا» و«جولدن جلوب»، كما نال جائزة أفضل تقنية أبعاد ثلاثية لفيلم كرتون. وقد فتح باباً جديداً للتوسع في الأفكار، والانطلاق من العالم الخارجي وتحركات البشر وتصرفاتهم، إلى العالم الداخلي وعمق التفاصيل الصغيرة، وما يدور مثلاً في باطن عقل الإنسان ومشاعره، وكيف تتحكم فيه صراعات الخير والشر. التجربة التي تألق فيها الثنائي بيت دوكتر وروني ديل كارمن تأليفاً وإخراجاً، حاول اقتباسها المخرج توني ليونديس فكتب «إيموجي» مع إيريك سيجل، لكنهما فشلا فشلاً ذريعاً، ما يعني أن شركتي «بيكسار» و«والت ديزني» تفوقتا على «سوني» و«كولومبيا» و«إل ستار» في الكرتون المخترق العالم الباطني.
لماذا فشل «إيموجي» وقد تكلف إنتاجه 50 مليون دولار، بينما تجاوزت تكلفة إنتاج «إنسايد آوت» ال 175 مليوناً؟ الفشل هنا لا نعني به الإيرادات، فقد استطاع الفيلم الجديد تغطية تكلفة إنتاجه مع أرباح طفيفة حتى الآن، والتي لا تعتبر نجاحاً فعلياً في عالم الأفلام الكبرى والعالمية. إنما المقصود بالفشل هي الخيبة التي أصيب بها الجمهور والنقاد على السواء، بعد إقبالهم على العمل، وحسبهم أنه سيشكل إضافة لصناعة الكرتون، ولشركتي «سوني» و«كولومبيا»، فإذا بالملل يصيبهم في الصالة سريعاً، والأحداث تمشي ساعة و26 دقيقة متباطئة كأن عقارب الساعة تتوقف قليلاً، ثم تستفيق لتكمل دورانها.
المفترض أنه فيلم للمراهقين، يحكي عن شاب من سنهم، يشعر بخجل، ويصاب بارتباك أمام زميلته، ولا يعرف كيف يعبر لها عن إعجابه. وعكس أغلبية الأفلام التي تتناول هذا النوع من العلاقات بين المراهقين، تبادر الفتاة إلى التحدث إليه، فيحاول الرد عليها عبر «الواتساب»، لكنه يرسل «إيموجي» غريباً يزيد الأمور تعقيداً. إلى هنا، الأمور تمشي بشكل طبيعي، وتنتظر أن يبقى البطل البشري «أليكس» مربوطاً بالبطل الرمزي «جين» الذي ينتمي إلى الرموز التعبيرية الموجودة في الهاتف والتي يستخدمها البشر دائماً للتعبير عن مشاعرهم، أو حالتهم. إنما يسقط ليوندس وسيجل في متاهة تجعل من أليكس وزميلته مجرد مدخل إلى عالم الرموز التعبيرية، حيث يصير «جين» هو محور الأحداث كلها، ولا شيء مشترك بينه وبين أليكس، والرابط الوحيد بينهما هو الهاتف النقال.
القصة كلها تُختصر بجملتين، خالية من العقدة والحبكة، يشعر المشاهد من خلال مط الأحداث وافتعالها، بأن المؤلفين يبحثان عن شيء ما، يدوران في حلقة مفرغة ولا يصلان إلى أي شيء. لديهما فكرة بسيطة، يحاولان الارتكاز إليها لينطلقا إلى الهواتف النقالة التي صارت هي محور عالم المراهقين، تخزن كل ذكرياتهم ومشاعرهم وأفكارهم، بل وحياتهم. لكنهما هنا أيضاً، يلمحان إلى الفكرة ليشتتانها، ويشتتان المشاهدين بأحداث هامشية تافهة، وطفولية ساذجة لا ترتقي إلى عالم وخيال الشباب والمراهقين، ولا حتى الأطفال. يترك هذه النقاط الأساسية التي يعرضها بشكل خاطف في البداية، ويغرق مع بطله الوهمي «جين» الذي يبدأ مهمته الرسمية الأولى، ليخرج إلى الواجهة عبر هاتف «أليكس». يرتبك «جين» حين يستدعيه أليكس ليعبر عن مشاعره لزميلته، فيظهر على شاشة الهاتف بشكل عجيب، ويتسبب بأزمة كبيرة، تؤدي إلى صدور قرار بعزله أو التخلص منه نهائياً، من قبل مجموعة الرموز التعبيرية.
«جين» المفترض أن يكون رمزاً لللامبالاة، لكنه يملك القدرة على التعبير بكافة الأشكال، وعن كل المشاعر في آن واحد، وهو ما يعتبر استثناء «مرفوضاً» من قبل «المبتسمة» التي تتحكم في مجموعة الرموز. يحاول «جين» الهرب بمساعدة «هاي فايف» كف اليد الذي كان أحد أهم الرموز المستخدمة من الناس، إلى أن تم الاستغناء عنه مع ظهور علامات أخرى كثيرة، وتطور عالم الإيموجي. ويحاول الفيلم أن يجعلنا نتعاطف مع بطله «جين» والأميرة «جيل بريك» التي تتخفى في لباس «هاكر»، أو قرصانة، ويقع في حبها «جين»، وصديقهما «هاي فايف».. لكن المشاهدين من مختلف الأعمار، لا يلمسون فعلياً ما يجعلهم ينحازون للبطل، أو يتأثرون بأي موقف فيتفاعلون معه. الرسوم مصنوعة بحرفية، وهذا أمر عادي في السينما الحديثة، والتقنية متوفرة، إنما الخلل في القصة التي تبحث عنها ولا تجدها، وتبحث عن عبرة، أو رسالة، أو سبب يربطك بعالم الإيموجي الخيالي، إنما من دون جدوى.
هل هو فيلم كوميدي، أو رومانسي، أو اجتماعي، أو حتى تربوي؟ لا تجد أي تصنيف يليق بهذا العمل الذي لا يرتكز على أي أساس، الخيال فيه ضعيف، وبلا أي ذرة إبداع. ولا شك في أن سلسلة «توم وجيري» الكرتونية الطفولية البريئة، ورغم قدمها ومرور سنين طويلة على وجودها، أكثر ذكاء وإبداعاً وتعمقاً في عالم الأطفال والخيال من «إيموجي». من المؤكد أن الرسالة الرئيسية من العمل التأكيد على أن يعبر الإنسان عن نفسه، ولا يخجل من طبيعته، وما هو عليه، لكنها للأسف تاهت وسط ضوضاء افتعلها صناع الفيلم، ولم يصلوا إلى شيء، بل خرجوا من حلبة المنافسة وسط أعمال كرتونية قوية صدرت هذا العام، وخلال الأعوام القليلة الماضية.
«إيموجي» بالعربي
مع صدور فيلم «إيموجي» في الصالات في الإمارات بنسخته الأصلية باللغة الإنجليزية، صدرت أيضاً نسخة أخرى مدبلجة إلى العربية إنما بعدة لغات عامية. وتعتبر التجربة جديدة في الصالات في الإمارات، خصوصاً أن بطلها الرئيسي هو النجم المصري أحمد حلمي، الذي قال إنه تحمس ووافق على العمل بعد مشاهدته، وبسبب فكرته الجديدة. الدبلجة محببة، ومرغوبة، وكنا نتمنى أن تكون البداية مع فيلم قوي أفضل من «إيموجي»، كما نتمنى أن تتكرر ويتولى بطولتها نجوم عرب محبوبون يذهب الجمهور خصيصاً إلى الصالات من أجلهم.
نجوم لم ينقذوا العمل
لم تستطع مجموعة النجوم التي منحت أصواتها لشخصيات فيلم «إيموجي» من إنقاذه، ومنحه أي دعم يكفل نجاحه في الصالات. تي جي ميللر منح صوته للبطل الرئيسي «جين»، وجيمس كوردن «هاي فايف» (الكف)، آنا فارس «جيل بريك»، كريستينا أغويليرا «أكيكو»، صوفيا فيرغارا «فلامينكا» الراقصة، باتريك ستيوارت وستيفن رايت وراشل راي وغيرهم.. كل هؤلاء النجوم اجتمعوا، وخرج الفيلم باهتاً بلا أي بريق. علماً بأنها ليست التجربة الأولى للمخرج توني ليونديس مع الكرتون السينمائي، حيث قدم عام 2005 فيلم «ليلو وستيتش» الذي شارك في كتابته وإخراجه مع مايكل لاباش، ثم «إيغور» أخرجه وشارك في كتابته مع كريس ماكينا، ولم يحقق إيرادات عالية لكن مستواه يعتبر متوسطاً، وأفضل من «إيموجي». وأخرج عام 2011 الفيلم الناجح «كونغ فو باندا: الأسرار الرائعة».
marlynsalloum@gmail.com