هدية قيمة منحها بيتهوفن لنابليون.. واستعادها

مع اندلاع أحداث الثورة الفرنسية عام 1789، كان عمر الملحن الألماني الشهير لودفيغ فان بيتهوفن (Ludwig van Beethoven)، المولود بمدينة بون منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 1770، 19 عاما. وتماما كغيره من الأوروبيين الذين عاصروا تلك الفترة، تأثر بيتهوفن بقيم الثورة الفرنسية التي نادت بالحرية والمساواة وانتشرت بكامل أرجاء أوروبا.

إلى ذلك، عاصر بيتهوفن شخصية الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، حيث كان نابليون، المولود بمنطقة أجاكسيو (Ajaccio) منتصف آب/أغسطس 1769، أكبر بعام و4 أشهر من نظيره الملحن الألماني. وعلى الرغم من تواجدهما خلال نفس الفترة الزمنية، لم يسبق للملحن والإمبراطور أن التقيا. وفي المقابل، حظي بونابرت بتأثير كبير على بيتهوفن الذي انبهر في وقت ما بشخصية الإمبراطور الفرنسي.

هدية بيتهوفن

خلال العام 1792، انتقل لودفيغ فان بيتهوفن للعاصمة النمساوية فيينا لتعلم المزيد عن الموسيقى لدى الملحن النمساوي الشهير جوزيف هايدن (Joseph Haydn). وأثناء تلك الفترة، سمع بيتهوفن لأول مرة باسم الجنرال بونابرت الذي حقق شهرة كبيرة بأوروبا بفضل بطولاته العسكرية بإيطاليا والحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وانقلاب 18 برومير الذي أنهى الثورة الفرنسية عام 1799، ومنح بونابرت لقب القنصل الأول. وعلى إثر أحداث 18 برومير، تحوّل بونابرت لبطل لدى كثيرين ممن أصبحوا ممتنين له لإنهائه أهوال الإعدامات والمقصلة أثناء سنوات الثورة. فضلا عن ذلك، آمن البعض حينها، وعلى رأسهم بيتهوفن، باستعداد بونابرت لنشر القيم الحقيقية للثورة حيث مثّل الأخير شخصية وطنية دافعت بشراسة عن حدود فرنسا طيلة السنوات السابقة.

وأثناء فترة انبهاره بقيم الثورة الفرنسية وشخصية بونابرت، حاول لودفيغ فان بيتهوفن التقرب من بونابرت عن طريق إهدائه قطعة موسيقية. وخلال العام 1802، باشر الملحن الألماني بتلحين ما عرف لاحقا بالسيمفونية الثالثة والتي تضمنت 4 حركات كانت من ضمنها حركة موكب جنائزي.

تبدد إعجاب بيتهوفن ببونابرت

سنة 1804، اصطدمت رؤية بيتهوفن بطموحات نابليون بونابرت. فخلال هذا العام، نصّب بونابرت نفسه إمبراطورا على فرنسا مثيرا بذلك ذهول جميع الذين آمنوا به وبقيم الثورة الفرنسية. وحال سماعه لهذا الخبر، استشاط بيتهوفن غضبا وشطب اسم نابليون بونابرت من كلمات الإهداء بغلاف السيمفونية. إلى ذلك، أخذت هذه السيمفونية فيما بعد اسم “البطولية” (Eroica) وكتبت تحتها كلمات “لتخليد ذكرى رجل عظيم” دون الإشارة لبونابرت.

لاحقا، سحب بيتهوفن إهداء السيمفونية لبونابرت وعوّضه بالأمير النمساوي جوزيف فرانتس ماكسيميليان لوبكوفيتز (Joseph Franz von Lobkowitz). وعن تنصيب بونابرت نفسه إمبراطورا على فرنسا، قال بيتهوفن “اليوم أصبح إنسانا عاديا وفقد خلوده.. سيضع حقوق الإنسان تحت قدميه ليحقق طموحاته، سيؤمن بتفوقه على بقية البشر وسيصبح طاغية”.

موت بونابرت

خلال السنوات التالية، تحمّل بيتهوفن بكره شديد للفرنسيين وشخصية بونابرت كما عبّر مرات عدّة عن ألمه النفسي عند سماعه لمدافع الفرنسيين القريبة من فيينا عام 1809. ومع هزيمة جيوش نابليون بونابرت، استعاد بيتهوفن حيويته واتجه لكتابة مزيد من القطع الموسيقية أهدى إحداها لدوق ويلنغتون الذي هزم الفرنسيين بواترلو كما عزف فيما بعد بمؤتمر فيينا الذي اجتمع به أباطرة وملوك وأمراء العديد من الدول الأوروبية لمناقشة مستقبل المنطقة بعد بونابرت.

إلى ذلك، نفى نابليون بونابرت عام 1815 نحو جزيرة سانت هيلينا بعرض المحيط الأطلسي حيث فارق الحياة يوم 5 أيار/مايو 1821 عن عمر يناهز 51 عاما. وعن وفاة بونابرت، قال بيتهوفن” لحّنت منذ 17 عاما الموسيقى الملائمة لهذا الحرث التراجيدي”.

المصدر

شاهد أيضاً