نهاية العلاقة الألمانية – الأمريكية الحميمة

ماتيو كارنيتشْنيغ*

الشريكان القديمان، اللذان كانا ذات يوم صديقيْن حميمَيْن وحليفيْن قويَّيْن، يتباعدان الآن- وليس ذلك بسبب ترامب فقط
بعد مرور ما يقرُب من 75 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، ليست العلاقة بين الولايات المتحدة وألمانيا محتضَرةً وحسْب؛ بل هي في غرفة الإنعاش.
على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، يشهد الأساس الذي ظلّ يدعم التحالف عبْرَ الأطلسيّ منذ خمسينات القرن الماضي، تداعياً وانهياراً. أشارت دراسة حديثة إلى أن 85% من الألمان يعتبرون علاقة بلادهم مع الولايات المتحدة «سيّئة» أو «سيّئة جدّاً»، في حين أن غالبية واضحة، تريد من ألمانيا أن تنأى بنفسها عن الولايات المتحدة.
وينطوي توتر العلاقات- الذي بدأ قبل تولّي ترامب زمام السلطة بزمن طويل، ولكنه تسارَعَ منذ ذلك الحين- على تداعيات تتعدّى العلاقات الثنائية بين البلديْن بكثير. فمع سعْي الصين إلى توسيع نفوذها في أوروبا، وحِرْص روسيا على استغلال التصدّع عبْر الأطلسي، سيكون لتفكُّك الوحدة الألمانية- الأمريكية آثارٌ عميقة على مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والنظام العالمي الأوسع.
ولعلّ هذا هو السبب في أن الطرفين يحاولان التظاهر بأن كل شيء على ما يُرام.
وعندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين الدول، يظلّ معظم الأمريكيين يحملون وجهة نظر إيجابية عن ألمانيا- على عكس رأي الألمان بالولايات المتحدة.
ولكن «الموضوعات الصعبة» التي أشارت إليها ميركل، تهيمن على الحوار الرسمي. وسواءٌ كانت المسألة إيران، أو التجارة، أو الإنفاق الدفاعي أو تغيّر المناخ، فإن برلين وواشنطن على طرفيْ نقيض. وحتى في المجالات التي يقتضي المنطق الاستراتيجي أن يكونا حليفيْن طبيعييْن فيها- مثل مواجهة نفوذ الصين المتنامي- فشل البلدان في تجاوز خلافاتهما.
ومن المغري إلقاء اللوم في العلاقات المضطربة على هجمات ترامب الشديدة على ألمانيا. ومن الذخيرة التي تحتويها جعبته الخطابية، ما يُردّده مراراً عن إنفاق ألمانيا الدفاعي الفاتر، وفوائضها التجارية المزمنة وسياسات ميركل بشأن الهجرة.
قال لي وزير الخارجية الألماني السابق، «سيغمار غابرييل» في الآونة الأخيرة: «على عكس كل رئيس آخر قبله، خلق ترامب انطباعاً بأن الشراكة بين الأنداد غير مرغوب فيها».
وفي الحقيقة، فإن التحالف الأمريكي- الألماني لم يكن في يوم من الأيام شراكة بين أنداد. وظلَّ التوتر جزءاً من المزيج طوال حقبة ما بعد الحرب، بدرجات متفاوتة. وإذا كان «كونراد اديناور» (أول مستشار لألمانيا الغربية، من 1949- 1963) و«جون كنيدي» يتبادلان الكراهية، فإن «هيلموت شميت» (مستشار ألمانيا من 1974-1982)، وجيمي كارتر، كان يزدري كل منهما الآخر.
ومنذ ستينات القرن الماضي، حتى نهاية الحرب الباردة، كان الألمان ينزلون إلى الشوارع زرافاتٍ للتعبير عن معارضتهم لكل من الحرب الأمريكية في فيتنام وسباق التسلح الأمريكي مع السوفييت.
ومع ذلك، فإن الأمور مختلفة حقّاً هذه المرّة. ولا يعود السبب إلى ترامب فقط.
استمرت العلاقة الألمانية- الأمريكية طوالَ عقود، لا بسبب التحالفات العسكرية والمصالح التجارية وحسب؛ بل بفعل الروابط الشخصية أيضاً. على مدار الحرب الباردة، كان ملايين الجنود الأمريكيين يقيمون في ألمانيا، وقد تزوّج كثيرٌ منهم وأنجبوا أطفالاً. ومع سقوط جدار برلين، انخفض عدد الأفراد الأمريكيين بشكل حادّ من نحو 250 ألفاً في عام 1985 إلى ما يقرُب من 35 ألفاً اليوم. كما هبط عدد الطلاب الذين يتوجهون للدراسة في الولايات المتحدة بنسبة 30%، منذ عام 2009 إلى أقل من 6 آلاف.
ومع الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية، تبخّرت كذلك بقايا الامتنان الذي كان يشعر به كثير من الألمان نحو وجودهم.
وقد بدأ انعدام ثقة ألمانيا يترسخ في أعقاب 11/9. وعلى الرغم من أن ألمانيا انضمت إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان ضد حركة طالبان، رفضت برلين المشاركة في حرب العراق، قائلة إنه ليس هنالك أدلة كافية تدعم الادعاءات بأن صدّام حسين، كان يملك مخزونات من أسلحة الدمار الشامل.
وعلى الرغم من أن قرار ألمانيا في عهد المستشار «جيرهارد شرودر»، ثبَتَ أنه كان بصيراً، فقد خلّف أيضاً جرحاً لم يندمل بالكامل أبداً. وفي السنوات الأخيرة، ظلت نظرة ألمانيا إلى الولايات المتحدة، متأثرة بجوانتانامو، وتجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية، وتهجّمات ترامب على ألمانيا.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تظل الضامن لأمن ألمانيا، تُعتبَر أمريكا لدى كثير من الألمان في الحكومة وخارجها، مجردَ شريك آخر، لا صديقاً حميماً.

* كبير مراسلي «بوليتيكو» في أوروبا
ومقره برلين. موقع: «رِيَل كْلِيَر وورْلْد.»

Original Article

شاهد أيضاً