مخاطر الطبقية العلمية

عبداللطيف الزبيدي

لماذا تمثل الطبقية العلمية بين البلدان أخطاراً وجودية على حياة فقراء العلوم. التخلف العلمي حرب استنزاف خفية، لأن النابغين لا تتوافر لهم البيئة العلمية المناسبة، فتتخطفهم الدول المقتدرة، وتحتضنهم المؤسسات الكبرى، فتتسارع وتيرة تغريز أوطانهم في التخلف. الأنكى هو أن يكون البلد ذا ثروات غير قادر على استغلالها، فيسيل لعاب الذئاب، فتسعى إلى الاستيلاء عليها. الطبقية العلمية العالمية نكد للشعوب العاجزة عن اللحاق، لأن لديها فئات مستنيرة تشعر بالغبن، فاليوم لا حدود لشيوعية المعلومات، والشبكة فضّاحة. لقد صارت التنمية جهاز مناعة السيادة.
كل ذلك مقدمة تذكيرية بما يكرره القلم بطرائق شتى. اليوم نرى وجهاً آخر للطبقية العلمية. شيء يشبه ترف الأبراج العاجية. أشياء لا علاقة لها بالإنتاج والمنتجات حالياً، لكنها قد تؤدي إلى اكتشافات لها استخدامات اقتصادية لم تكن تخطر على بال العلماء أنفسهم. في جامعة باريس الجنوبية فريق من علماء النبات يريد معرفة الزهرة الأم التي كانت علّة وجود جميع الأزهار والورود على وجه الكوكب. ظاهرياً، كأنه العلم للعلم. المؤشرات الأولى دلت على أنها، وراثياً، تجانس من زهرة المغنوليا (نسبة إلى النباتي الفرنسي بيير مانيول، القرن السابع عشر)، وزهرة اللوتس، ما يعود إلى ما قبل 140 مليون عام.
بذلك تكون أصل ثلاثمئة ألف نوع من الأزهار والورود. بالاستناد إلى شجرة تطور النباتات ذات الأزهار، وبالتتبع الوراثي للمورثات في مسيرة الجينوم، أي تسلسل الحمض النووي عبر مسيرته المليونية، استطاعوا صنع نموذج روبوتي للزهرة الأمّ. لكن المعضلة هي أن نسل الأمّ تطور على نحو جعل الأمّ لا يوجد لها ما يشبهها اليوم. لقد كانت الأمّ خنثى، فلا هي ذكر ولا هي أنثى، بل هما معاً في زهرة، فكانت الجدوى عظيمة لوجود التلقيح الذاتي. أهم لغز لدى العلماء هو لون وريقات الأم وشكلها. أمّا التحدي التالي، فهو التعريف الكامل للأم لا من خلال نسلها، وإنما من خلال أصولها التي أدت إلى ظهور نوعها. لكن سلالة الخنثى لم تنقطع، فالزهرة الأقدم تاريخاً على وجه الأرض، ولا تزال تتكاثر، هي أيضاً خنثى، ولكنها ليست من نوع الأمّ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستنكارية: بكم تقدر المسافة بين تحصيل القوت وبين الفيزياء الفلكية وتقانة النانو وعجائب الوراثة والأحياء؟

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً