كانت دراسة متعددة الثقافات من جامعة “نيو هامبشاير الجنوبية New Hampshire University” قد اختبرت مجموعة من المديرين من الولايات المتحدة والهند، وقد وجدت الدراسة أن أغلب المديرين الهنود حققوا مرتبة أعلى من حيث الصفات القيادية والمهارات الإدارية، وأن المديرين الهنود أكثر تطلُّعاً نحو المستقبل، ويجمعون مزيجا متناقضا من “تواضع الشخصية” الحقيقي مع “الإرادة المهنية” بشكل مكثف. حتى حقق هؤلاء القادة نتائج غير عادية وبنوا مؤسسات كبيرة دون الكثير من الهرج والمرج أو التألق الزائف.

على ضوء هذه المقارنة، من أكثر الشخصيات المرتبطة بتاريخ غير محبوب عن مايكروسوفت. “ستيف بالمر” رجل الأعمال الأمريكي والذي تولى منصب الرئيس التنفيذي لمايكروسوف بعد “بيل جيتس” وتركها بنهاية 2013، الآن “ساتيا ناديلا” الهندي الذي خَلَفَهُ مع بداية العام 2014 يحقق ما كان يبدو مستحيلاً، أن يجعل وادي السيليكون على علاقة جيدة مع مايكروسوفت مرة أخرى. وقد فعل ذلك من خلال تبني التعاون وعدم معاملة المنافسين كأعداء على عكس سلفه “بالمر” الذي كان متبنياً لهذا الأسلوب في التعامل في كثير من الأحيان. قبل مجيء “ندالا” الذي يبلغ عمره الآن 47 عاما، كان يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الخدمات السحابية ومجموعة الشركات الناشئة لدى مايكروسوفت، أي تحت قيادة “بالمر” بالتأكيد.

ما بين الأعوام 1970م و 1980م، تدفقت موجات من خريجي جامعات الهند التقنية والإدارية إلى “وادي السيليكون” في شمال كاليفورنيا، فالهنود الموهوبون اخترقوا الصفوف بتميزهم في مجالاتهم التقنية بالتحديد، وتغلبوا على التحديات التي واجهوها، وأخذوا المواقع التي كانت يحتلها الأقوىاء في عالم التقنية والإعلام التقني. في حين أن المديرين الهنود ليسوا في كثير من الحالات مؤسسي الشركات التي يقودونها، لكنهم يعملون بتواضع وكفاءة حتى في غير المستويات الإدارية، إلى أن أصبحوا مديرين مميزين في شركاتهم، حتى أن أغلب شركات التقنية الكبرى بالولايات المتحدة لديها رواد تقنيون من أصل هندي، بما في ذلك مبتكرو تقنية الـ USB إلى أصحاب المدونات التقنية.

صحيفة  India Times علّقت على أمر وصول الكثير من الهنود إلى مناصب إدارية وتفوقهم في المجال التقني وأرجعت الأسباب إلى تلك العوامل الأربعة الرئيسية:

1. تنافسية التعليم:

بفضل دعم التعليم في الهند، فإن التعليم العالي متاح بسهولة لأبناء الطبقة الوسطى مما يجعل أمر الالتحاق بالجامعات بعد ذلك صعباً وتنافسياً جداً، فكل مقعد جامعي يتنافس عليه الآلاف من الطلاب سنوياً مما ينعكس بشكل كبير على مستوى الطلبة المقبولين في الجامعات لاحقاً. وبسبب التنافسية العالية، يتخطى مستوى الطموح لدى الخريجين من المعاهد والكليات الهندية كل الإمكانات المادية والتعليمية المحدودة ويخلق لديهم دافعاً دائماً للعمل والاستمرار بالتطور.

2. قساوة الظروف في الهند:

الحياة في الهند بالنسبة لطالب صعبة جداً مقارنة مع أي مكان آخر في العالم، فالتنقل عبر المدن العشوائية وعدم توفر الخصوصية الكافية في المنزل وضعف المرافق الرياضية والمكتبات والامتحانات الصعبة تشكل عبئاً كبيراً على أي طالب هندي ويجعل حياته التعليمية مرهقة جداً، حتى قلة الفرص الوظيفية المناسبة لطموح الشباب الهندي، ما يدفعهم للسفر لاستكمال الدراسة والعمل في الخارج، ولكن هذه القساوة تُكسب الطالب الهندي قدرة على القتال وتحدي الصعوبات والاستمرار وعدم الاستسلام.

3. العمل بجد وإبداع:

الهنود يحبون العمل بشكل مبالغ فيه، لديهم القدرة على العمل مدة 24 ساعة، وطبيعة مجتمعهم جعلتهم يقبلون التعدد الثقافي ويحلون مشاكلهم بشكل مميز عن الآخرين، ويتكيفون مع المشكلات الناشئة بشكل خلاق، فلا يحبون الروتينية والتكرار أو البطء، وهذا يدفعهم للتعامل مع التحديات بحلول إبداعية، ويجدون حلولاً بسرعة، وهذا ما يميزهم في عملهم، كمديرين على وجه التحديد.

4. التفكير باللغة الإنجليزية:

اللغة الإنجليزية تعتبر لغة رسمية في مجال العمل بالهند، ويتحدث بها معظم السكان، وهذا ينعكس على قدرة المديرين الهنود على التفكير بالمشاكل باللغة الإنجليزية كلغة أم، مما يساعدهم بشكل أكبر على التعبير عن أفكارهم بطلاقة وتحليل المشاكل وفهمها بشكل أكثر عمقاً من غيرهم.

بالمثال يتضح المقال، هذه الأسماء التي لمعت في مجال التقنية وفي كبرى الشركات الأمريكية تؤكد أن نجاح الهنود في المجال التقني ليس وليد الصدفة ويُثبت تاريخهم ما وصلت إليه دراسة جامعة هامبشاير من نتائج، وما ذكرته صحيفة إنديان تايمز من عوامل، تبرهن أن الهنود محبون للعمل ويبذلون جهداً ويعملون ليل نهار بجد وبسرعة ويبتكرون في أعمالهم…

– “ساندر بيتشاي”، الذي ولد في جنوب مدينة شيناي الهندية، ينحدر من نفس الكلية التقنية في الهند “Arun Sarin”، وهو المدير التنفيذي السابق لمجموعة فودافون. انضم  إلى Google في عام 2004 وحصل على نائب الرئيس لإدارة المنتجات، وقد أشرف على منتجات البحث والمنتجات الاستهلاكية مثل صفحة iGoogle للأخبار والاهتمامات الشخصية، شريط أدوات جوجل، أدوات سطح المكتب، حزمة برامج جوجل، وخدمة “جوجل “Gears”.

في عام 2011، أصبح بيتشاي نائب رئيس جوجل كروم والتطبيقات Apps، والذي يتضمن المتصفح ونظام تشغيل كروم وبريد Gmail والتقويم والمستندات. هو الآن الرئيس التنفيذي لشركة جوجل بأكملها.

-“سانجاي مهروترا”، 57 عاما، أسهم في تأسيس شركة سانديسك SanDisk عام 1988، وهي شركة إنتاج ذواكر التخزين الفلاشية. كما شغل منصب نائب رئيسها التنفيذي والرئيس التنفيذي للعمليات، ونائب الرئيس للهندسة، ونائب رئيس تطوير المنتجات، ومدير تصميم الذاكرة وهندسة المنتجات. لقد كان الرئيس التنفيذي للشركة بحلول العام 2011.

-“أجاي بهات”، مهندس كمبيوتر هندي أمريكي والذي يرجع إليه الفضل باعتباره الأب المؤسس لمعيار USB الذي يعتمد عليه كل شيء تقريبا يخص الحوسبة اليوم بشكل أو بآخر. كان قد انضم للعمل قبلها في شركة “إنتل”، وأنتج العديد من المعايير الهامة الأخرى في واجهات المستخدم الرسومية وهندسة الكمبيوتر، حاز عليها 31 براءة اختراع أمريكية، (منها معيار PCI الذي أنشئ عليه مجموعة من المعايير الأخرى التي تمنع حدوث صواعق عند اتصال الحواسيب ببعضها، بسبب السرعة العالية لانتقال البيانات فيما بينها).

– “راجيف سوري”، وهو مهندس الإلكترونيات والاتصالات الذي تم توظيفه من قِبَل “نوكيا” لعقدين من الزمن قبل أن يُعيَّن في منصب الرئيس التنفيذي. وهو صاحب الـ 47 عاماً الذي أدار شركة  جوالات نوكيا منذ عام 2009، وغالبا ما يرجع الفضل إليه في التحول الناجح لذراع شبكة المحمول التابعة لنوكيا، ضمن مجموعة نوكيا للحلول والشبكات.

– رئيس “أدوبي” “شانتانو ناراين”، 53 عاما، وقد وصفه زملاؤه بأنه شخصية هادئة وتنافسية في نفس الوقت ولكن بشكل لا يصدق. منذ أن أصبح المدير التنفيذي في عام 2007 قاد تحولاً جذريا في الشركة.

– “أميت سينجال” عى الرغم من أنه لم يكن مديراً في جوجل، إلا أنه من أكبر المواهب بداخلها، وهو الذي يشرف على الأعمال الأساسية لمحرك بحث جوجل والذي يستخدمه أكثر من 1 مليار مستخدم كل شهر. حصل على درجة في علوم الحاسب بأحد المعاهد التقنية بالهند قبل أن يسافر للولايات المتحدة ويعمل على رسالة الماجستير بجامعة مانيسوتا، والدكتوراه من كورنيل في العام 1996، ثم عمل مع عملاق البحث الرقمي “جيراد سالتون”. انضم لشركة الاتصالات الأمريكية AT&T Labs ليعمل على تكنولوجيا البحث، ثم تحرك إلى جوجل في العام 2000 ليكون مسؤولا عن الخوارزميات التي تستخرج نتائج البحث، وأعاد كتابة محرك البحث جوجل بشكله الجديد في 2001. في العام 2011 كان زميلاً لمؤسسة حوسبة الآلات وقد حاز على جائزة العلوم والتقنية.

-“روتشي سينجافي” من أنبغ العقول البرمجية وكانت أول مهندسة تعمل داخل فيسبوك في العام 2005. حصلت على دراستها في هندسة إلكترونيات الحاسب بجامعة كارنيجي ميلون بأمريكا في 2004، وعملت في شركة Oracle قبل أن تنضم لفيسبوك، كأول سيدة تعمل في الشركة، وكانت من أعمدة هندسة الموقع، وبالتحديد خاصية آخر الأخبارnews feed ، وبعدها تولت منصب مدير منتج “منصة برمجيات الشركة”، وقد غادرت فيسبوك في 2010 لتؤسس مجموعة شركات ناشئة تُسمى Cove بالتعاون مع زملاء لها من الجامعة والعمل في فيسبوك، استحوذت شركة Dropbox على Cove بعد سنة من نشأتها، وروتشي الآن تعمل كرئيس العمليات داخل شركتها.

– “فينود دهام”، الأب المبتكر لمعالج إنتل بنتيوم الشهير، تخرج من قسم الهندسة الكهربائية بجامعة دلهي الهندية وانتقل إلى الولايات لمتحدة وحصل على الماجستير في نفس تخصصه. عمل على وحدات التخزين الصلبة التي توضع في الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية والمحمولة، وعمل على ذواكر  فلاشية بشركة NCR قبل أن ينضم لـ “إنتل” ويترقى لرتبة نائب رئيس المعالجات بها. ترك “دهام” هذا المنصب لينتقل إلى أكبر منافس للشركة وعمل مع AMD التي تصنع رقائق الكمبيوتر، ومن ثم انتقل ليعمل بشكل حر كمستثمر رأسمالي في الشركات الناشئة.

-كان “سانجاي جها”، البالغ من العمر 52 عاما، الرئيس التنفيذي لشركة صناعة الرقائق الإلكترونية “Globalfoundries”، وقد أدار من قبل شركة “Motorola Mobility” وخدم لسنوات كأحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “Qualcomm” للاتصالات.

– “فينود خوصلا”، الذي أتم دراسة الهندسة الإلكترونية بمعهد التقنية في دلهي قبل أن يكمل دراسة الماجستير في الهندسة الحيوية بأمريكا، والتحق بشركة تصميم إلكتروني للسيارات، ثم مع بداية الثمانينيات شارك في تأسيس شركة البرمجيات “Sun Microsystems” مع اثنين من زملائه خريجي جامعة ستانفورد، وقد ظل مديراً تنفيذياً لها أول سنتين من عمرها، وبعد ذلك اتجه للعمل مع مؤسسات تمويل المشاريع، إلى أن استقل بمؤسسته الخاصة والمعروفة في الهند وأمريكا Khosla Ventures التي تستثمر في الشركات الناشئة العاملة في حقل التكنولوجيا الخضراء “صديقة البيئة”.

هل ما زلت ترى أن ظروفك الاجتماعية القاسية عائق أمامك؟ أم أن إرادتك ورغبتك في العمل هما الفيصل في تفوقك المنشود؟