طنين الأذن.. «الضوضاء» تطاردك في كل مكان

تكمن أزمة مريض طنين الأذن في أن الضجة التي يسمعها تلاحقه أينما حل وكان، ولا يمكن له أن يتخلص منها، بل إن الأمر يصل به إلى أن يصير الهدوء عدواً له، لأن الضجيج يغطي على كل الأصوات التي يسمعها وحده، كما أن الطنين بالنسبة للأطباء مشكلة معقدة حيث لا يمكن قياسه، ولا يسمعه سوى المصاب به فقط، ولا يصبح الطنين مزمناً إلاّ في حال استمراره ثلاثة أشهر.
طنين الأذن ليس مرضاً قائماً بذاته، وإنما هو عرض أو خلل وظيفي ينتج عن الضوضاء، أو اضطراب سريان الدم في الأذن الداخلية أو انسداد في الفقرات العنقية، ويصيب طنين الأذن الكثير من الرجال والنساء، ويمكن تعريفه بأنه سماع صوت معين، مثل الرنين أو الضجة أو «الوش» في كلتا الأذنين أو إحداهما، ويمكن أن يكون الصوت عالياً في أوقات وينخفض أو يختفي في أوقات أخرى، كما يمكن أن يحدث في أذن واحدة أو في كلتا الأذنين، ويكون الأشخاص فوق سن الأربعين الأكثر عرضة للإصابة بالطنين، كما أن نسبة الرجال المصابين به أكثر من النساء، ويعد طنين الأذن الموضوعي الأسهل في معرفة مسببه على عكس الطنين الذاتي، وعامة فإن هناك كثيراً من الحالات غير معروفة السبب نهائياً، وفي هذا الموضوع سوف نتناول تفاصيل مشكلة طنين الأذن، والأسباب المحتملة التي تؤدي إلى الإصابة بها، وكذلك طرق الوقاية والعلاج الممكنة.

المعرضون للإصابة

يعتبر أكثر من يتعرض للإصابة بالطنين هم الذين يعيشون في بيئة مليئة بالضوضاء والتوتر العصبي، وكذلك الأشخاص الملقى على عاتقهم الكثير من المسئوليات والضغوط التي يكبلون بها أنفسهم، كما أن الأفراد أصحاب الطموح العالي يمكن أن يصابوا بطنين الأذن المزعج، وكذلك المنهكون معنوياً يكونون معرضين للإصابة بهذه المشكلة، وبالتالي حدث نقص واضح في حاسة السمع.
يمكن تقسيم الطنين إلى نوعين، الأول وهو الطنين الذاتي أو الشخصي وفيه لا يسمع الطنين إلاّ المريض نفسه، ويعتبر هذا النوع الأكثر انتشاراً في العالم، ويكون بسبب مشاكل داخلية في الأذن مثل مشكلة في العصب، وهو ما يؤدي إلى فقدان السمع في بعض الأحيان، ويمكن أن يكون وراءه الجزء المسؤول عن الإشارات السمعية في المخ.
ويسمى النوع الثاني من الطنين بالموضوعي أو الخارجي وهو في الأغلب قليل الحدوث، وفيه يمكن للطبيب المعالج أن يكشف عليه، فهو مسموع للمريض وغيره، ويشمل الطنين الجسدي الذي يسببه ضجيج الجسم، ويعود إلى تدفق الدم أو تشنجات العضلات وتقلصاتها، أو بسبب مشكلة في الأوعية الدموية، وتختلف الضوضاء المسموعة في شدتها، حيث يمكن أن تسمع في الأذنين معاً أو في أذن واحدة فقط، ويمكن أن يرتفع الصوت للدرجة التي تتداخل مع قدرة المصاب بالطنين على التركيز أو سماع الصوت الفعلي، كما أن الطنين يمكن أن يكون مستمراً أو يأتي ويذهب.

الإزعاج وتقدم العمر

يشير الأطباء والأخصائيون إلى أن هناك عدداً من الأسباب وراء الإصابة بطنين الأذن، فالتقدم في العمر يؤدي لإصابة الخلايا السمعية بالضعف، مما يؤدي إلى فقدان حاسة السمع بشكل تدريجي، وبالتالي يتولد عن هذا الأمر صوت الطنين المزعج، وهو ما يطلق عليه الصمم الشيخوخي، وتؤدي بيئة العمل التي يكون بها أصوات مزعجة ومرتفعة وأجهزة الموسيقى المحمولة إلى الإصابة بالطنين، ويمكن أن تكون سبباً في فقدان السمع إذا تعرض لها الشخص بشكل مستمر، ويختفي سريعاً، الطنين الذي ينتج بسبب حفل موسيقى صاخب، ويسبب تراكم صمغ الأذن دون تنظيفه في تكون أصوات مزعجة وطنين شبه دائم، وذلك لأن كميات الصمغ الكبيرة على الرغم من فوائده في حماية الأذن من البكتريا والأوساخ، تسبب تهيج الأذن وينتج عنها صوت الطنين.
ويؤدي تعاطي بعض الأدوية إلى الإصابة بالطنين، وعلى رأس هذه الأدوية الأسبرين وبعض المضادات الحيوية ومضادات الاكتئاب، وكلما زادت جرعة الدواء يصبح الطنين أسوأ، وإصابة الأعصاب السمعية ينتج عنه طنين مستمر، وهو غير قابل للشفاء بل يتعايش معه المصاب، ويمكن أن يؤدي الارتفاع الشديد لضغط الدم أو انخفاضه أيضاً الشديد للإصابة بالطنين، وتغير شكل عظمة الأذن الوسطى يولد الطنين ويمكن له أن يؤثر في السمع.
وهذه العظام لا تتغير من تلقاء نفسها؛ بل لأسباب تتعلق بالنمو، ويمكن أن يكون السبب وراثياً، يبقى بعض الأسباب غير المنتشرة، حيث يمكن أن يكون الطنين مؤشراً على الإصابة بمرض منيير، وهو أحد اضطرابات الأذن الداخلية التي يكون سببها ضغط السائل في الأذن الداخلية، كما أن هناك حالات نادرة يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالطنين كأورام العصب السمعي، وإصابات الرأس أو الرقبة الخطيرة، التي يمكن أن تؤثر على الأذن الداخلية والسمع أو وظيفة أعصاب السمع في الدماغ، واضطرابات المفصل الفكي الصدغي، وتؤدي كل هذه الأسباب إلى الإصابة بطنين الأذن في أذن واحدة فقط.

تعايش مع المرض

تساعد علاجات طنين الأذن الأشخاص المصابين على التعايش مع المرض، وذلك لأنه لا يوجد علاج نهائي لهذه المشكلة، ويعتمد العلاج على السبب وراء الطنين، غير أن هناك حالات ليس لها سبب، أو أن المسبب تم إزالته لكن العرض مازال موجوداً، ويتم معالجة السبب فإذا كان وراء الإصابة عدوى بكتيرية وتجمع أصماغ في الأذن، فيقوم طبيب الأنف والأذن والحنجرة بشفط المادة الصمغية بجهاز مخصص لذلك، مع إعطاء المضادات الحيوية المناسبة لمعالجة الالتهاب.
أما إذا كان وراء الطنين أورام أو نمو غير طبيعي للعظم فيتم إجراء العمليات الجراحية اللازمة لمعالجة هذا الأمر، وبالنسبة للأدوية يتم استبدالها بمعرفة الطبيب المعالج، وبالنسبة للضغط يتم قياسه بانتظام مع المواظبة على تعاطي الدواء المنظم له، وتوجد أجهزة تساعد بعض الحالات في التحسن والتعايش مع الطنين، فسماعات الأذن تكون مفيدة لمن يعانون الطنين المرتبط بفقد السمع، حيث يتم تعديل السمع والسيطرة على مستويات الصوت، وبالتالي تسهل عملية السمع الطبيعي، وتقل ملاحظة المريض للطنين، ويمكن ارتداء أجهزة إخفاء خلف الأذن وهي أجهزة إلكترونية صغيرة تولد أصواتاً لطيفة تساعد على إخفاء الطنين، وكذلك تفيد مولدات الصوت المكتبية كعامل مساعد في الاسترخاء والنوم، حيث تولد أصواتاً مثل الأمواج والشلالات والمطر وتوضع بجانب السرير
ويمكن زراعة قوقعة لمن يعاني فقدان السمع، وهي أجهزة صغيرة تزرع داخل رأس المريض، وتقوم بتخطي التالف من الأذن الداخلية، وترسل إشارات تحفز العصب السمعي مباشرة، وهي بهذا الشكل تجلب الصوت من الخارج، وبالتالي تغطي على صوت الطنين، بالإضافة إلى تحفيز الدوائر العصبية في الدماغ، وتستخدم تقنية التحفيز العصبي الصوتي لمن يعانون من طنين عالٍ للغاية، حيث يستخدم جهازاً في حجم كف اليد وسماعات للرأس، تقدم إشارة صوتية ذات نطاق ترددي واسع ضمن نغمات موسيقية، وتساعد هذه التقنية على تحفيز تغيير في الدوائر العصبية في الدماغ، وللجهاز قدرة عالية في القضاء على الطنين في عدد كبير من المرضى.

خيارات أخرى

تبقى بعض خيارات العلاج مطروحة، وهي تفيد في الحالات التي لاتستجيب لما سبق من وسائل العلاج، ومنها العلاج الإدراكي وهو جلسات تساعد المريض على كيفية التعايش مع طنين الأذن، وتشتمل هذه البرامج على عنصر تعليمي، يساعد المريض على فهم ما يدور في دماغه ويسبب الطنين، وكذلك تساعد هذه الجلسات على تغيير طريقة التفكير، والإجراءات التي يأخذها المريض حتى يتخلص من الطنين، كما أنها تساعده على الاسترخاء والنوم ليلاً.
توجد تقنية إعادة تدريب الطنين، وهي تعتمد على القدرة الطبيعية للدماغ على أقلمة الإشارات وتصفيتها على مستوى اللاوعي، بحيث لا تصل للإدراك الواعي، وهذا الأمر لا يتطلب جهداً واعياً، نتيجة تعود الكثير من الأشخاص على العديد من الأصوات، والتي يحذفها الدماغ من الإدراك لعدم أهميتها، وهذه الأصوات مثل الثلاجات والمراوح ومكيفات الهواء.
وهناك تقنية الارتجاع البيولوجي وهو أحد أساليب السيطرة على الحركات والأفعال اللاإرادية داخل الجسم، وتساعد هذه التقنية المريض في الاسترخاء وتقليل التوتر الذي ينتج عن الضغوط اليومية، وبالفعل ساعدت هذه التقنية المرضى على التخلص من الإحساس بالطنين.

انتشار واسع

تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن مشكلة طنين الأذن أحد الأعراض المرضية الأكثر انتشاراً حول العالم، حيث يصاب به شخص من أصل 5 أشخاص، أي بنسبة 20% مصابين بهذه المشكلة، وتختلف أسباب الإصابة به، ورصدت الأبحاث أن أبرز أسباب الإصابة هو التعرض فترة طويلة للضوضاء، بينما هناك حالات مؤقتة تصاب بسبب التعرض لصخب مؤقت لكن سرعان ما تزول الإصابة، وتوصلت دراسة حديثة إلى أن طنين الأذن المزمن، يرتبط بتغيرات في بعض الشبكات العصبية داخل المخ، وتتسبب هذه التغيرات بأن يظل الألم متيقظاً، وتبين أن الطنين يتواجد في منطقة من الدماغ التي ترتبط باثنتين من الشبكات المتعاكستين، وهما شبكة الاهتمام الظهرية، ومهمتها التنشيط عندما يجذب شيء ما انتباه الشخص، والثانية شبكة الوضع الافتراضي وهي للوظائف الخلفية داخل الدماغ، والتي تعمل عندما يكون الشخص في فترات الراحة، ولا يشغل تفكيره أي شيء محدد، أي في حالة الاسترخاء.

شاهد أيضاً