انطلاق الملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير في القاهرة
في أوقات الحروب وأزمان التعصّب، يصبح الإنسان أحوج ما يكون إلى البسمة، إلى رسمة ساخرة لا تجرح، واستعادة مبدعين أسعدوا قلوب الناس.
بهذه المعاني يفتح الملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير في القاهرة، أبوابه للجمهور حتى 22 أغسطس، في مركز محمود مختار الثقافي في الجزيرة، مقابل دار الأوبرا المصرية.
تضم قاعات المركز أكثر من 270 عملاً من مختلف أنحاء العالم، استعاد خلالها الفنانون، وجه الفنان الراحل سمير غانم الأيقوني، بشاربه المميز وابتسامته، ونظّارته وتسريحة شعره، فضلاً عن استحضاره مع زوجته الراحلة الفنانة دلال عبد العزيز وابنتيه، إذ شكلوا نموذجاً لأسرة سعيدة ومحبوبة من قِبل الملايين.
في حفل الافتتاح، أكد وزير الثقافة المصري د.أحمد فؤاد هنّو، على أهمية فن الكاريكاتير “باعتباره إحدى الوسائل الفعّالة للتعبير عن الرأي، وثمّن جهود القائمين على الملتقى، وإثراء الحوار الثقافي، وتبادل الخبرات والتجارب الإبداعية بين الفنانين من مختلف دول العالم”.
وأشار هنّو إلى “أن الفترة المقبلة ستشهد تعزيز التعاون مع الجمعية المصرية للكاريكاتير، لحصر وتوثيق وتصنيف الأعمال الكاريكاتيرية، التي تؤرّخ لهذا الفن وأعلامه منذ نشأته في مصر”.
ملك الضحك
يمثّل سمير غانم (1937 ـ 2021) أحد ملوك الضحك في العالم العربي، عبر مسيرة تزيد عن نصف قرن، قدّم خلالها عشرات الأفلام والمسرحيات والمسلسلات والفوازير.
كما تصدّرت “فطوطة” غلاف الملتقى، وهي الشخصية التي قدّمها غانم بنجاح كبير في الفوازير، وتمثّل قزماً يرتدي بدلة خضراء فضفاضة وحذاءً ضخماً، وبقيت تُستعاد فنياً لسنوات طويلة.
اللافت أن كل فنان استحضر روح وشخصية سمير غانم بأسلوبه الخاص، وهناك من ركز على ضحكته الكبيرة أو حركة يديه، ومن منحه سمتاً جدياً لأنه تميّز بتفجير الضحك، وهو يفتعل الجدّية والوقار.
وعلى الرغم من كثرة البورتريهات الشخصية له في المعرض، إلا أننا لا نجد أي تطابق بينها، وكأننا أمام مئة سمير غانم، لأن كل رسام استحضره حسب رؤيته الذاتية.
وأكدت الفنانة المشاركة هويدا إبراهيم لـ”الشرق”، أن الاحتفاء بفنان قدير أسعد الملايين “هو بادرة مهمة، وأنا سعيدة بوجودي في الملتقى إلى جانب الفنانات المصريات والعربيات، على الرغم من أن هذا المجال بقي لسنوات حكراً على الفنانين الرجال”.
وعن رحلتها مع فن الكاريكاتير قالت: “بدأت عام 2006 عندما كنت أدرس في كلية تربية فنية، واقترح عليّ أحد أساتذتي التركيز على الكاريكاتير، ومن يومها بدأت بنشر أعمالي في الصحف والدوريات المصرية والعربية، وحالياً أشغل منصب رئيس رابطة فنانات الكاريكاتير، التي تضم أكثر من ستين رسامة، ونقيم كل عام معرضاً يهتم بقضايا المرأة العربية”.
حاكم الغائب الحاضر
في الشهر الماضي، رحل رسام الكاريكاتير محمد حاكم (1934 ـ 2024) عن عمر ناهز تسعين عاماً، وهو مصري من أصول سودانية، والشقيق الأصغر للرسام الراحل حسن حاكم.
لُقّب حاكم بألقاب كثيرة، منها “فيلسوف الكاريكاتير”، واشتهر بأنه يقدّم كوميديا سوداء تمزج بين قضايا مهمّة تشغل الناس، والحسّ الساخر في المعالجة. كما تميّزت أعماله باقترابها من هموم البسطاء والواقع المعيشي.
تأثر الفنان بتجربة شقيقه الأكبر، وإلى جانب عمله في الصحف والمجلات المصرية، وخصوصاً “روز اليوسف”، التي كانت أكبر مدرسة لعباقرة فن الكاريكاتير في مصر، عمل حاكم في مجلة “العربي” الكويتية العريقة مدّة 30 عاماً، وتنوّعت تجربته بين الكاريكاتير والرسم للأطفال وتصميم الكتب، مستفيداً من ثقافته العميقة، الكامنة وراء بساطة وهزلية خطوطه.
وكان من الطبيعي أن يحتفي به الملتقى، إذ أهديت إليه هذه الدورة، تخليداً لذكراه ودوره البارز بحكم أنه أحد مؤسسي جمعية الكاريكاتير المصري، وعضو مجلس إدارتها لسنوات، وأحد الأسماء الكبيرة في هذا الفن لأكثر من ستين عاماً.
إسبانيا ضيف شرف
حلّت إسبانيا ضيف شرف الملتقى، الذي يتم تنظيمه بالتعاون بين قطاع الفنون التشكيلية، برئاسة د. وليد قانوش، والجمعية المصرية للكاريكاتير، برئاسة الفنان مصطفى الشيخ.
قانوش أشاد باختيار إسبانيا ضيف شرف الدورة الثامنة، والاحتفاء بفن البورتريه، إذ يضمّ الملتقى أكثر من 150 بورتريهاً كاريكاتيرياً، فضلاً عن لوحات تعبّر عن القضايا المطروحة على الساحتين المحلية والإقليمية، مثل خطورة وسائل التواصل الاجتماعي، والتغيّر المناخي، والقضية الفلسطينية.
حول عدد الدول المشاركة، أوضح رئيس جمعية الكاريكاتير الفنان مصطفى الشيخ لـ”الشرق”، “أن أكثر من 40 دولة تشارك في الملتقى، منها أميركا وبريطانيا وأوكرانيا، واخترنا إسبانيا ضيف شرف، إذ يحلّ رسام الكاريكاتير الإسباني ديفيد فيلا ضيفاً على المتلقى، والهدف أن يتواصل المبدعون ويتبادلوا الخبرات والآراء”.
وتابع: “مع الاحتفاء بالفنان الراحل سمير غانم، تصدّرت الملتقى لوحة كاريكاتورية تجمعه مع النجم الإسباني الكوميدي خوسيه لويس باثكيس”.
وأكد الشيخ “أن المعرض مفتوح للناس، ويقدّم توليفة من اللوحات والرسومات التي تعتمد على الصورة وحدها، لتمرير الفكرة، أو تمزج بين الصورة والكلمة والتعليق، ونستطيع أن نرى مدارس فنية مختلفة، فضلاً عن الاهتمام بالقضايا التي تشغل الجميع”.
ولفت إلى لوحة تحمل عنوان “STOP” وتمثّل دعوة لإيقاف الحرب والمجازر في فلسطين، ” إذ سبق لنا في جمعية الكاريكاتير، أن تعاونا مع جمعية محبي الفنون الجميلة منذ ثلاثة أشهر، في معرض تمّ تخصيصه للقضية الفلسطينية وما يحدث في غزة، لأن فن الكاريكاتير يختلف عن سائر الفنون الأخرى في سرعة تعليقه المباشر، بالرسم والنقد والسخرية على الأحداث”.
لوحات مميزة
تتميّز لوحات الفنان الإسباني ديفيد فيلا، ضيف الملتقى، باختياره ألواناً قوية كالأحمر والأزرق، والاكتفاء بالعلاقات في التكوين، من دون إضافة أي كلام إليها، وكانت لفتة طيبة منه أن استلهم شخصية سمير غانم في إحدى لوحاته، وهو ما فعله الرسام الروسي زاكير سجيتوف أيضاً.
من الأعمال اللافتة أيضاً، لوحة الرسام الإيطالي ماركو أوغستينو، التي تستلهم الهجرة غير الشرعية وقضية اللاجئين، إذ يتوسط التكوين قارب مزدحم بالبشر، وسط زرقة الماء، يسعى حثيثاً نحو الشاطئ المغلق بالأبواب الموصدة.
بعيداً عن القضايا السياسية، يقدّم الرسام فلاديمير بافليك (سلوفاكيا)، لوحة شديدة العذوبة، حيث يجلس الجدّ العجوز مستنداً على عكازه، بينما يقف حفيده بجواره. تكتسب اللوحة قوتها من انعكاس ظل الاثنين، لأن ظل العجوز يعكس ذكريات وخبرات وحيوات كثيرة، بينما الحفيد مازال فارغاً خالياً من التجربة الإنسانية.