خطبة الجمعة الموحدة في الإمارات بعنوان “أولو الألباب”

نشرت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية عبر موقعها الإلكتروني، خطبة الجمعة الموحدة لليوم 22 أغسطس (آب)، والتي تأتي تحت عنوان “أولو الألباب”.

وتناولت الخطبة الأولى لصلاة الجمعة الحديث عن أهل العقل، وهم أولو الألباب، وصفاتهم وما منحهم الله من فضل عظيم، فيما ذكرت الخطبة الثانية عن إكرام الله عز وجل لأولي الألباب، وفيما يلي نص الخطبة:

الخطبة الأولى
الحمد لله الملك الحكيم الوهاب، العظيم التواب، أنزل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب، نحمده سبحانه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، الشافع المشفع يوم العرض والحساب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى جميع الأصحاب، وعلى من تبعهم بإحسان على طريق الهدى والصواب.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، قال الله عز وجل 🙁 وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب).

أيها المسلمون: لقد امتن الله تبارك وتعالى على الإنسان بنعم عديدة وآلاء وفيرة، لا تعد ولا تحصى، قال الله عز وجل 🙁 وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) وإن من أعظم هذه النعم شرفاً، وأجلها للمرء نفعاً، نعمة العقل، قال تعالى:( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) فبالعقل يحيا الإنسان، وبه يسلك سبيل الهدى، وينجو من موارد الردى، فهو أداة التفكر والتدبر والتعلم.

وأهل العقل هم أولو الألباب، الذين امتدحهم الله سبحانه في كتابه، وأثنى عليهم في محكم آياته فقال تعالى:( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) فهم يتفكرون ويتدبرون، ويتعظون ويعتبرون، يحسنون علاقتهم بخالقهم، ويستشعرون عظمته، فتلهج ألسنتهم بذكره وتسبيحه، وتمتلئ قلوبهم بتوقيره وتعظيمه، يخافون ربهم من فوقهم، ويراقبونه في أعمالهم وحركاتهم وسكناتهم، يقبلون على طاعته طلبا لرحمته وجنته وإحسانه، قال الله عز وجل:( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب).

عباد الله: إن أولي الألباب يتدبرون كلام خالقهم، قال الله سبحانه وتعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، قال عز وجل: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) يقرأون كتابه سبحانه فيأتمرون بأمره، ويقفون عند نواهيه وزواجره، قال تعالى:( فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب﴾ فطوبى لمن تفكر في خلق الله وتذكر، وقرأ كتاب الله وتدبر، وأطاعه سبحانه، وعن عبادته لم يفتر.

أيها المسلمون: لقد خص الله تعالى أولي الألباب بخطابه في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، مشيراً إلى أنهم يدركون مضمون هذه الآيات بعقولهم الراجحة، وأذهانهم المتوقدة النابهة، يعاملون الخلق بمقتضى ما أمرهم خالقهم، فصفاتهم سجايا ناصعة، وقيم شامخة، قال الله عز وجل في وصفهم:( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) فهم يميزون بين الحق والباطل، يعلمون أن ما أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم هو الحق المبين، وأن اتباعه هو السلوك القويم، والصراط المستقيم، كما أنهم يوفون بعهدهم إذا عاهدوا، فهم يوفون بما أمر الله سبحانه به، ولا يخالفون ما عاهدوا الله عليه.

عباد الله: وأولو العقول يصلون ما أمر الله به أن يوصل، فيصلون الأرحام، ويحسنون إلى الأنام، قال تعالى:( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) فهم لذلك الموقف يرهبون، ومن شدته مشفقون، فتراهم للآخرة يستعدون، وعلى السداد والاستقامة في جميع أحوالهم قائمون.

ومن صفاتهم أيضاً أنهم منعوا أنفسهم عن المحرمات، واجتنبوا المنكرات، وأقبلوا على الطاعات، فحافظوا على الصلوات، فأدوا حق ركوعها وخشوعها، وقيامها وسجودها، وأقبلوا على أموالهم؛ فأخرجوا زكاتها، وتصدقوا بالليل والنهار، ولم يمنعهم من الإنفاق حال من الأحوال، قال تعالى:( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) كما أنهم يدفعون القبيح بالحسن، والإساءة بالإحسان، والشر بالخير، فإذا آذاهم أحد؛ قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا، وصفحا وغفرانا، قال الله تعالى:( ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار) ويتحقق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن”.

كما أن أولي الألباب يستشرفون بعقولهم ما تجيء به العواقب، فيتصرفون بحكمة في جميع الأعمال، مراعين النفع في الحال والمآل، متجنبين الوقوع في الفتن، محافظين على مقدرات ومكتسبات الوطن، قال تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب).

فعلى المرء أن يتحلى بتلك الصفات ليكون فردا ناجحا في عمله، فعالا في مجتمعه، نافعا لوطنه، قدوة لأولاده وأسرته، موفقا في دنياه، سعيدا في أخراه. فاللهم أنعم علينا بحسن التفكير، وارزقنا حكمة التدبير، ووفقنا دوما لطاعتك وطاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن من إكرام الله لأولي الألباب أنه يدخلهم جنات النعيم مع أهليهم وذويهم ومحبيهم، قال تعالى:( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) لا يدخلونها وحدهم، بل يكرمهم الله تعالى بكرامة أخرى، فيجمع بينهم وبين أحبابهم من الآباء والأزواج، لتطيب أرواحهم بلقياهم، وتدخل عليهم الملائكة، تسلم عليهم وتهنئهم بدخول جنة ربهم، وتبارك لهم على ما حصل لهم من التقريب والإنعام، والإقامة في دار السلام، في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام، قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) فيا سعادة من أوفى بعهده، وأطاع ربه، واستقام على طريقه.

 

نقلاً   عن  موقع  24

شاهد أيضاً