تحقيق: راندا جرجس
تعاني بعض العائلات من وجود حدث جانح بين أولادها، وخاصة في مرحلة المراهقة، حيث تظهر عليه علامات العنف والعناد، وعدم الطاعة، والقيام بأفعال الشغب المختلفة، والسلوكيات غير القانونية سواء في المنزل أو المدرسة، ولا توجد أسباب محددة لهذا الانحراف تنطبق على جميع الحالات، فهناك من يكون بسبب التعرض للضغط والعنف من قبل أحد الوالدين أو في المدرسة، أو حدوث تصدع أسري في علاقة الأب والأم… إلخ، والأسوأ من ذلك هو نظرة أفراد المجتمع لهذا الحدث الجانح، ومعاملته على أساس أنه مجرم وليس كشخص يحتاج للمساعدة والمساندة، لأن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، ومعالجته على هذا الأساس.
يقول الدكتور محمد علام، استشاري الطب نفسي، إن الأحداث هو مصطلح يطلق على من هم تحت سن الـ 16، أو الـ18 بحسب قانون كل دولة، أما الجنوح فهو فعل مخالف للأعراف الاجتماعية، الأسرية، القانونية، ويشتمل على إخلال بوظيفة الحدث الأساسية في الدراسة، الأسرة، والمجتمع، حيث يبدأ الجنوح في السلوك والعلاقات من داخل البيت، والمدرسة، ويعاني منه الحدث ثم من حوله من أفراد العائلة أو المجتمع، وربما يكون هذا الجنوح جزءاً من مرض نفسي مثل اضطراب السلوك، الذي يتمثل في الاندفاعية، العناد، عدم احترام أبسط أنواع السلطة ابتداء من الوالدين، المدرسين، وربما يتطور إلى التصرفات المتهورة وغير المحسوبة العواقب، استخدام المخدرات، العنف البدني واللفظي، ما ينتج عنه التدهور الدراسي والاجتماعي، وأحياناً يتعرض الحدث للمساءلة القانونية.
علامات وتراكمات
يذكر د.علام أن الجانب الوراثي أو الجيني له دور في جنوح الأحداث، ولكن المحيط الاجتماعي هو سلاح ذو حدين، فربما يسبب عدم الاستقرار، التفكك الأسري، الذي يتمثل في عدم الإحساس بالانتماء الأسري وفقدان الذات بداخلها، أو وجود مشاكل، عنف لفظي وبدني، معاملة الحدث بالعتاب دائماً، وعدم الثناء على ما يفعله من إيجابيات فيفقد الإحساس بهويته، ما يؤدي للبحث عمّن يقوم بدور الأسرة البديلة والقدوة الجيدة خارج المنزل، ويبحث عن الصحبة غير الجيدة مثل أصدقاء السوء الذين يهملون الدراسة، وربما يتعاطون المخدرات، ويتنافسون في ارتكاب ما يظنونه من علامات الرجولة مثل التحدث بأسلوب سيئ وتحدي السلطة، وعلى النقيض نرى الأسرة المترابطة التي يوجد فيها أب أو أخ يقوم بدور النصح والإرشاد وتعليمه أسس السلوك الصحيح، كما انه يكون بمثابة القدوة، مع وجود علاقة إنسانية قوية.
يستكمل: من عوامل جنوح الأطفال تأخر التشخيص المبكر للصعوبات النفسية، التي ربما تبدو مظاهرها مبكراً، ولذلك تعد أهم عوامل منع وتقليل فرص جنوح الأحداث اكتشاف المواهب، الهوايات وتنميتها مبكراً، لشغل النفس عن أعمال وأصدقاء السوء، وتذوق متعة الأعمال الإبداعية، وتطورها، كما أنها تكون حافزا للأطفال والمراهقين للسمو بالذات، واحترام حقوق وإبداعات الآخرين، وكذلك يجب ملء وقت الطفل والمراهق، ليس بالدراسة فقط، والاستعداد للامتحانات، ولكن يجب أن يكون هناك يومان على الأقل من كل أسبوع لممارسة الرياضة البدنية، أو القيام بهواية فنية تنشط العقل والبدن، وترسخ فكر العمل مع فريق، وأن النجاح يحدث مع الجماعة ولا يكون فردياً فقط، حيث إن العمل ضمن مجموعة يساعد على معرفة أن لكل فرد دورا محددا ووظيفة واضحة.
إصلاح وتهذيب
يشير الدكتور ثاقب لطيف استشاري طب الأطفال والمراهقين، إلى أن الغالبية العظمى من الشباب الذين يقعون في مشاكل مع القانون في أي مكان في العالم يأتون من عائلات مفككة، حيث يعانون من غياب الوالدين، أو لم يكونوا متاحين عاطفياً لتلبية احتياجات الصحة البدنية والعقلية للطفل، وبذلك ينشأ الطفل ليصبح مراهقا ينجذب إلى حياة الجريمة التي تنطوي على المخدرات، ولكن البعض يمكن أن يتطور إلى مشاكل صحية وعقلية خطيرة ومسار أكثر خطورة، وهنا يأتي دور مراكز الإصلاح، التي توفر لهم الفرصة لتطوير علاقة ذات صلة علاجية مع مقدمي الرعاية الذين يمكنهم عكس العلاقات التي تخوفوا منها في حياتهم المبكرة، ومساعدتهم على تطوير حسهم بالهوية والشعور بـ «الصواب والخطأ»، كما تتمثل النقطة الأساسية في توفير فرص المشاركة في أنشطة إيجابية صحية لمساعدتهم على تطوير شعورهم بقيمة الذات والتحكم بشكل أفضل في عواطفهم، ويتم تحقيق ذلك من خلال إنشاء علاقة ذات صلة علاجية مع مشرف العمل.
تدابير علاجية
يفيد د.ثاقب أن فكرة دخول الشباب إلى معهد، والبقاء هناك مع آخرين يعانون من نفس المشكلات لفترة من الزمن، والخروج بعد عدة أشهر أو سنوات «تم إصلاحها»، أثبتت أنها طريقة معيبة تماماً، المرة تلو الأخرى، إذ إن مراكز الإصلاح أدت إلى إضفاء طابع مؤسسي على الشباب، وسببت أضرارا أكثر من الفوائد، ما يزيد من خطر الإساءة بأشكال مختلفة، والمزيد من الفرص لتعلم طرق الجانحين، أكثر من التي كانوا يعرفونها من قبل، ولهذا السبب، فإن أي مكان يقيم فيه عدد من الشباب من دون إشراف، أو دون هيكلة للأنشطة الإيجابية لهم، ودون علاقة وثيقة لعكس الرعاية التي غابوا عنها في منزل أسرهم، لن تعمل تلك المنظومة وربما تؤدي إلى عواقب أكبر، ومن ناحية أخــرى، إذا كانت هناك مــراكز نهارية حيث يتم تزويد الشـباب بمشرف عمل معهم، فيمكنهم تطوير علاقة معه مثل المرشد، الذي يستطيع الإشراف على خطة سيرهم ويمكنهم مناقشة مشاكلهم معه بشكل سري بحيث ينخرطون في أنشطة تنمية الشخصية أو المجتمع، كتلك المراكز التي تصبح لديها نسبة عالية من جيل الشباب الإصلاحي الحقيقي، ما يساعدهم على النمو إلى أعضاء منتجين في المجتمع.
يضيف: على الرغم من أن هناك فوائد محدودة من العلاج الجماعي، ولكن يجب أن يبقى التركيز على الاحتياجات الفردية لكل شاب، وللحصول على النتائج الجيدة على المدى البعيد يجب أن تكون هناك هيكلة برامج خاصة بالعلاج ذات توجه اجتماعي ونفسي، والتأكيد على المهارات السلوكية، تحت الإشراف المناسب.
مساندات عائلية
يذكر د.ثاقب أن العائلة لها دور كبير في التعامل مع جنوح الأحداث، وهذا ما يدل عليه القول «إن الأمر يتطلب قرية لتربية طفل» حيث يشير إلى حقيقة أن الطفل لا يمكنه أن ينمو من تلقاء نفسه، حيث تكمن الأسرة في السبب الجذري وراء السبب الذي يجعل الطفل أو الشاب ينتهي باتباع طريق الجنوح، سواء كان ذلك بسبب التجارب السلبية في الطفولة، أو نتيجة الإساءة، الإهمال، الخسائر الأسرية والصدمات الأخرى، التي لم تكن مباشرة من قبل الوالدين، فأياً كان السبب، سواء الآباء والأمهات إلى حد ما، إضافة إلى الأقارب المقربين الذين يلعبون دوراً حاسماً في تنفيذ الحدود والإشراف وتطوير القدرة على التكيف، ومن ثم توفير تلك القاعدة الثابتة لرحلة الانتعاش في كثير من الأحيان، حيث يشعر الشباب بالوحدة، وفي الأوقات التي يبحثون فيها عن أصدقاء من الخارج عبر وسائل الإعلام الاجتماعية أو في الشوارع، عندما يكونون ضعفاء بشكل خاص ويواجهون خطر الانزلاق في مسار الجنوح، ومن أفضل الحلول التي تمنع حدوث ذلك، يكون من خلال الاستماع إليهم واستيعاب وجهة نظرهم وطمأنتهم بأن الأسرة ستقف دائما إلى جانبهم مهما كلف الثمن.
التفكك الأسري
توضح الدكتورة أسماء العتيبي، أخصائية علم النفس، أنه على الرغم من معاناة أسرة الحدث الجانح، إلا أنها عامل مهم، وذو تأثير قوي في انتهاجه لهذه السلوكيات، بسبب بعض المؤثرات الخطرة في داخل الأسرة، وعلى سبيل المثال التسلط من قبل الأبوين أو أحدهما، القسوة المفرطة، عدم وجود عقاب رادع للسلوكيات السلبية، العقاب غير المبرر لأي سلوك خاطئ، عدم توفير الحب والحنان والحماية، وقضاء وقت مع الأبناء، بالإضافة إلى عدم الثقة، الوحدة، ضعف العلاقة أو الصراع بين أفراد الأسرة، كما أن عدم الإشراف على المراهق يجعله سريع التأثر بأقرانه، ووسائل الإعلام حتى وإن كانت سلبية، ولذلك تكون العائلات المتفككة، والتي لا تملك نموذجاً جيداً للأحداث، عاملاً أساسياً في التصرفات الجانحة، لأن الطفل يستمد قيمه ومبادئه من أسرته، ولأن الأفراد ليسوا بمعزل عن المجتمع بكل معطياته، فالفقر وتدني المستوى الاقتصادي من المسببات التي تدفع الأحداث إلى السرقة أو بيع المخدرات، باذلين جهداً لتغيير وتحسين الظروف المادية بطريقة غير سليمة، وفي المقابل نجد أن الجريمة يقدم عليها أي حدث من مختلف المعطيات الثقافية والاقتصادية.
تضيف: في بعض الحالات يكون للمدرسة وغياب بعض مهامها السليمة اتجاه الطلاب دور في جنوح الأحداث، حيث إن الجانب الدراسي يرتبط بالصراع النفسي في الأسرة، من حيث ارتفاع الأداء الدراسي للفرد وبحثه عن التقبل من الأقران، ولذلك يجب أن تساهم المدرسة والعاملون فيها على تشجيع هؤلاء الأحداث، بممارسة نشاطات صحية وجماعية ذات معنى وتعلم الفرد كيف يحسن اختياراته وقراراته، كما أن الوقاية تخدم المجتمع وتؤثر فيه بشكل أكبر مقارنة بالعلاج وعلى مدى أسرع وأنفع، وهناك خدمات نافعة جداً، تتمثل في القطاع الحكومي والخاص، فيما يخص هذا الشأن، ومنها التوجيه، والتعليم الأسري للأبوين، الاستشارات الأسرية والفردية مع الأخصائيين النفسيين، إضافة إلى دور المدرسة.
السلوكيات العدوانية
يعتقد بعض العلماء أن جنوح الأحداث يحدث نتيجة صرامة القوانين وعدم تسامحها، ويجب استبدالها بما يواكب نشاط الشباب المراهقين، وكذلك تحديد فئات المنحرفين من الذين ما زالوا معرضين للانحراف، حيث إن الجرائم لا تكون جميعها متشابهة أو على نفس الدرجة من الخطورة، فهي تبدأ من تلك التي لا تتعدى جنحة السب والقذف، مروراً بالمخدرات، السرقة، وأخيراً القتل، وفى النهاية يجب الاعتراف بأن السلوكيات العدوانية لا يتعلمها الفرد بمفرده، وإنما يكتسبها من أسرته أو المجتمع المحيط به، وفي بعض الحالات يستخدمها الحدث كنوع من الدفاع عن النفس، مثلما يحدث في حالات التعرض للسخرية والضرب من قبل زملائه في المدرسة.