تونس: مالذي تخفيه حملة “وينو بترولي”؟

ENN – فرانس24 – شهدت مواقع التواصل الاجتماعي التونسية الأسبوع الماضي انتشارا واسعا لحملة “وينو بترولي” (أين بترولي) التي تطالب الحكومة التونسية والجهات المسؤولة بالكشف عن حقيقة الثروات النفطية في البلاد. وبعد أسبوع على إطلاق هذه الحملة التي أثارت الجدل في تونس وخارجها تبقى المسألة غامضة ولئن كثرت النظريات التي تشير إلى أن أبعادها الحقيقية سياسية بامتياز.

 اعتبر البعض أن حملة “وينو بترولي”، التي روجت لها بعض المواقع الإلكترونية والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، محسوبة على جهات سياسية معينة. وهناك حتى من ذهب إلى اتهام الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي بالوقوف ورائها، ما دفعه إلى دفع التهمة عن نفسه على صفحته الرسمية على فيس بوك لكن لم يخف “مساندته” لمطالبها التي تدعو إلى كشف حقيقة حجم الثروات النفطية في البلاد.

السؤال المطروح اليوم هو مالذي تخفيه هذه الحملة وهل ستدخل تغييرا على الواقع الاجتماعي، والاقتصادي التونسي؟ وهل يمكن الحديث، كما ذكرت العديد من المصادر، عن “مخاطر” هذا التحرك اليوم في البلاد على المدى القصير أو المتوسط ؟
ماذا يكشف التوزيع الجغرافي للتحرك بشأن “البترول” ؟

يرى المحلل السياسي التونسي نور الدين المباركي أن التحرك الذي يطالب بالشفافية في التعامل مع ثروات البلاد أمر إيجابي، خاصة وأن الغليان “الإلكتروني” الذي رافق الثورة منح التونسيين فرصة الجهر بمثل هذه المطالب، التي حرم منها طيلة سنوات حكم زين العابدين بن علي. لكن في نفس الوقت يقول المحلل إن التوزيع الجغرافي لهذا النشاط يثير تساؤلات بشأن انتشاره أكثر في مناطق جغرافية في الجنوب التونسي أساسا كقبلي والفوار مثلا والتي حقق فيها الرئيس التونسي السابق نتائج مرتفعة مقارنة بغريمه السياسي في الاستحقاق الانتخابي الباجي قايد السبسي.

ويشار إلى أن أطرافا محسوبة على الحزب السابق للمرزوقي ” المؤتمر من أجل الجمهورية” وأنصاره أعلنوا صراحة في العديد من المنابر الإعلامية مساندتهم لهذا التحرك، ما يعني أن حملة “وينو بترولي” سوق لها في شكل حملة “شعبوية” متصلة بمطالب “شرعية” لكنها قد تكون وظفت سياسيا.

ويضيف المحلل أن أحزاب سياسية أخرى دعمت هذا التحرك على غرار الجبهة الشعبية في حين دفعت أطراف سياسية أخرى إلى انتقادها على غرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي اعتبر أن الهدف منها هو بث الفتنة والبلبلة في تونس. في كل الحالات يبدو أن كواليس هذا التحرك وعلى الأقل نظريا قد تخدم أجندات سياسية.

ويقول المباركي إن حملة “وينو بترولي؟” تشهد اليوم “نوعا من الفتور خاصة بعد أن أكدت وزارة الطاقة وخبراء في هذا المجال، أن الأنباء عن أن تونس “تسبح فوق ثروات نفطية ضخمة ” هي أخبار مبالغ فيها، وأيضا بعد الكشف عن إمكانية وقوف أجندات سياسية وراءها”. ولفت المباركي إلى أن الترويكا الحاكمة في السابق والمرزوقي لم يفتحا ملف الطاقة خلال فترة توليهم السلطة.

مطالب مشروعة” لكنها قد تقسم البلاد”
من جهته قال الخبير السياسي حمودة بن سلامة “إن هذه الحملة بينت أن الأوراق مختلطة. فهناك جانب من المشروعية وراء هذه المطالب، فهي تدعو إلى توضيح حقيقة حجم الثروات الباطنية وإلى الشفافية في التعامل مع المواطن في سعيه للبحث عن المعلومة، خاصة وأن الضبابية طالما رافقت الحديث عن الثروات الطبيعية في تونس، لا أحد يعلم حقيقة وجود مثل هذه الثروات في تونس من عدمه. ويشير الخبير إلى أن إرادة معرفة هذا الأمر “مشروع ويعتبر ظاهرة صحية” .

لكن الخبير يضيف بأن هذه الحملة في شكلها الحالي من شأنها أن تتسبب في تقسيم البلاد، لذلك فهي تجانب الصواب والمنطق، خاصة أن القائمين عليها وصلوا إلى نتائج تفكير نظري بعيدة عن الواقع، وهو ما دفع بعدد من التونسيين إلى الاعتقاد في وجود “مؤامرة” ضدهم وتستهدف ثروات البلاد . وهذا ما يعكر صفو الوحدة الوطنية جراء هذه الحملة بإثارتها للنعرات الجهوية مثلا، وتهييج سكان مناطق معينة وتحريضهم على الإضراب، مما يفقد هذا التحرك عفويته. أليست وراءه أطراف سياسية ؟ وهذا أمر خطير حسب الخبير، خاصة وأن تفاقم حجم هذه الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي، في حال حصوله، قد يجعل من الصعب السيطرة عليه، وبالتالي قد تحقق نتائج عكسية وقد تنفر الاستثمارات الأجنبية وتعوق عمل الشركات المتخصصة في استغلال الطاقة في تونس (سواء كانت أجنبية أوتونسية) .

وتساءل الخبير عن دلالات هذا التوقيت بالذات لظهور قضية الثروات الباطنية في تونس؟ وقال إنه يخشى من ظهور حركات أخرى مشابهة في المستقبل على غرار” أين الماء ؟ ” في حين أنه من الأجدى الاهتمام بمسائل أخرى تخص عدم الاستقرار المؤسساتي الذي تمر به تونس، وغياب ردود فعل من الحكومة والبرلمان التونسي إزاء ما يحدث في البلاد، وغياب السلطة التنفيذية ..
ويختم الخبير” أخشى أن يختفي وراء هذا التحرك غايات أخرى، قد تكون تحويل الانتباه العام عن قضايا أساسية أكثر أهمية بالنسبة للتونسيين خاصة لأن تونس بتمر بظروف استثنائية اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وحتى إقليميا بفعل موقعها الجغرافي “.

ولمحاولة الاطلاع على موقف الجهات المتخصصة في تونس اتصلنا بوزارة الطاقة لمعرفة رأيها الرسمي بخصوص هذا التحرك وتبااته وطريقة التعامل معه إلا أننا لم نتلق إجابة شافية وتمت دعوتنا إلى زيارة الموقع الرسمي للوزارة الذي من المتوقع أن يدرج موقف الوزراة الرسمي من حملة “وينو بترولي” .

 

شاهد أيضاً