بين السينما العربية والشباب.. جدار عازل

مارلين سلوم

لماذا لا يقبل شبابنا – إلا فيما ندر-، على مشاهدة الأفلام العربية في الصالات، والمؤكد أنهم لا يشاهدونها على «يوتيوب» وفي الإعادة التلفزيونية أيضاً؟ لماذا صارت أفلامنا «للعائلات والكبار فقط»؟ هذه التساؤلات تعكس واقعاً حقيقياً تعيشه السينما العربية، شئنا الاعتراف به أم أبينا. وسواء كان الفيلم كوميدياً أم أكشن أم رعباً، فإن الأبناء يعرضون عن المشاهدة ويصدرون عليها الأحكام المسبقة «بالفشل». من يتحمّل مسؤولية هذه «العزلة»، ومن بإمكانه هدم الجدار الفاصل وتغيير الواقع، وما تأثير هذا الرفض في الفن والمجتمع؟
رغم التاريخ المشرّف والغني للسينما العربية، ورغم قدرتها على المنافسة في المهرجانات العالمية، ووجود الأسماء الكبيرة التي أثرت الأرشيف بمجموعة من الروائع السينمائية، سواء تلك المنقولة عن أعمال أدبية أو تلك المكتوبة خصيصاً للسينما.. إلا أن أبناء اليوم من الفئات العمرية الشابة والصغيرة، يقفون في الطوابير من أجل مشاهدة الأفلام الأجنبية حتى التافه منها، ولا يشترون تذكرة لفيلم عربي إلا مرغمين وتحت ضغط من الأهل وبرفقتهم، أو بسبب «ضجة ما» يحدثها الفيلم قبل وصوله إليهم.
مخطئ من يحمّل الأجيال الجديدة مسؤولية هذه العزلة، ومخطئ من يرمي الكرة في ملعب «اللغة الإنجليزية» وانتشارها وتفضيل الشباب التحدث بها وابتعادهم عن لغتهم الأم.. هذه الأسباب ما هي إلا قشور نختبئ خلفها لنخفي حقيقة مهمة، وهي الانحدار القوي الذي أصاب السينما العربية، وغياب الإبداع في التأليف أولاً، وكثرة الاستخفاف بعقول الجماهير، والاستسهال في الإنتاج بهدف الربح فقط، والذي أدى طبعاً إلى تقديم أي «بضاعة مزوّرة» أو «منتهية الصلاحية»، المهم أن تدر أموالاً للمنتجين.
الكلام لا يأتي من فراغ، فهناك الكثير من الشواهد، أولها إقبال الشباب والصغار بكثافة على الأفلام الأجنبية في الصالات، وهنا نستثني مصر، حيث ما زالت الصالات في غالبيتها محجوزة للإنتاج المحلي، بينما تكون العروض الأجنبية محدودة. وخلال ورشة للشباب في الشارقة تراوحت أعمارهم ما بين الثامنة والعشرين عاماً، لتدريبهم على «كيفية تقييم الأفلام»، طرحتُ السؤال التالي على المشاركين: «من منكم يذهب لمشاهدة فيلم عربي في السينما؟»، ولم تكن الصدمة بالعدد الذي لم يتجاوز الأربعة أشخاص، بل بالإجابات الواقعية والتي تحكي حقيقة حال السينما اليوم، حيث برر هؤلاء الشباب رفضهم للفيلم العربي «بأنه بلا مضمون».
شبابنا واعٍ ومثقف والعالم مفتوح أمامه على كل الإنتاجات العالمية. وفي الإمارات، تجد تنوعاً غنياً من الأفلام كل أسبوع، فتعرض الصالات كل عمل جديد (بعد إجازته من قِبل الرقابة). وفي الصالة الواحدة تلتقي بوليوود مع هوليوود مع الأفلام الأوروبية والصينية والكوريّة وطبعاً العربية. هذا الثراء، يشكل حالة ثقافية مهمة، كفيلة بتنمية الوعي لدى الجمهور، فيصبح قادراً وبسهولة على المقارنة بين مختلف أنواع الصناعات، وفهم الأبعاد والقيمة التي تقدمها له السينما.
صحيح أن كثيراً من أفلام الأكشن والرعب والحركة الأجنبية يكون مبنياً على التشويق والإثارة فقط، لكنه يعرف كيف يجذب الشباب ليبهرهم ويمارس السحر السينمائي عليهم. أما وقد غابت عنا هذه الجودة والقدرة على المنافسة التقنية العالية، بسبب عجز في الإمكانيات المادية، فالأولى بصنّاع الأفلام العربية التركيز أكثر على المضمون وكسب ود الشباب بأعمال تليق بوعيهم، بعيداً عن التفاهات التي عفا عنها الزمن. وكأن الفكر السينمائي لم يتطور، حيث تجد فيلماً من بين عشرات الأفلام الجديدة، يتناول قصة مقنعة يمكن تصديقها، تتماشى مع معطيات الحياة.
صنّاع الأفلام العربية يتركون للغرب الساحة خالية للعب بعقول شبابنا وجذبهم نحو أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم.. تضحك مثلاً حين تقرأ عن الصراع المحتدم بين صنّاع فيلمي «الديزل» لمحمد رمضان و«البدلة» لتامر حسني، وكأن جذب الجمهور يحتاج إلى شد الشعر والتعارك والشتم بعد عرض الأعمال في الصالات.. بينما المعركة يجب أن تكون قبل ولادة الفيلم، أي في الإبداع الحقيقي أثناء ولادة الفكرة وتشكيل فريق العمل وضبط الإيقاع ليتناغم مع رغبات وتطلعات الجمهور، وخصوصاً الصغار والشباب، لأنهم هم ميزان المجتمع وهم المستقبل. الصراع يكون في الوصول إلى قمة «الإبداع الفني» لا «قمة الإيرادات المالية».
هؤلاء الصغار الذين فقدوا الثقة بقدرتنا على تقديم «مضمون جيد»، جاءت إجاباتهم مقنعة جداً تنم عن وعي أبناء هذا الجيل، وهم يناقشونك بتفاصيل مهمة، ويسألونك «من المسؤول عن ابتعادنا عن الأفلام العربية، بينما نحب مشاهدة السينما ونقبل على الأعمال الأجنبية بلهفة؟». ونحن نسأل: لماذا صارت التفاهة مرادفة للكوميديا، وهناك إصرار على اجترار الفشل؟ محمد سعد رفض خلع قميص «اللمبي» إلا بعد سقوطه المتكرر ولسنوات، ومحمد هنيدي راوح مكانه طويلاً، والآن محمد رمضان يغرق في وحل «عبده موته» ويرفض الاعتراف.. الأعمال الجيدة موجودة لكنها عاجزة عن كسر الجدار العازل لتصل إلى كل الفئات.
المشكلة في عدم اعتراف صنّاع السينما بوجود هوّة بينهم وبين الشباب العربي، وبأنهم يحتاجون إلى العمل لاستعادته وكسب ثقته، علماً أن إرضاءه ليس مهمة مستحيلة، والدليل إقباله على الأفلام الأجنبية بكل مستوياتها، ومشاركته في تقييمها على الحساب الشخصي والتعليقات عبر التواصل الاجتماعي.
السينما العربية تحتاج إلى من يقرأ اتجاهات الرياح وتطورات الزمن والشباب، فيمشي معهم ليلفت انتباههم أولاً. ويبدو أن عالم الصغار أكبر من تطلعات «الكبار» في صناعة السينما. القضية مهمة لأننا نعرف مدى تأثير السينما في عقول الأبناء، وأنها تلعب دوراً في تنمية وعيهم وتغذية عقولهم، فمتى تتحوّل السينما لدينا إلى شريك في صناعة المستقبل؟ شبابنا أسقطوا السينما العربية من حساباتهم، لأنهم خارج حساباتها.

السمعة سبّاقة

«السمعة سبّاقة»، هذه المقولة تتجسّد في الواقع السينمائي اليوم، فسمعة أفلام الشركات العالمية، وخذ منها مثلاً سلسلة أفلام «مارفل» و«دي سي» و«ديزني» وسلسلة «مهمة مستحيلة» وغيرها.. تكفي لجذب الجمهور إلى أي عمل جديد يصدر في الصالات. وفي المقابل، سمعة الأفلام العربية تكفي ليبتعد الشباب عنها، بينما نتحسّر على أعمال أكثر من جيدة تمر دون أن تستطيع اختراق هذا الجدار العازل. وإذا ابتعدنا عن تجارب السينمائيين الجدد، فإن أفلاماً مثل «الخلية» و«حرب كرموز» و«تراب الماس» وحتى الكوميديا الخفيفة والمحببة مثل «البدلة»، لا تستطيع الثبات في الصالات ومنافسة أي فيلم أجنبي، وحصد نسب مشاهدة عالية في الإمارات، رغم أن الجمهور العربي كبير هنا، ويشغل الصالات في كل مكان.
محزن أن تمرّ الأفلام الجيدة دون أن تصل إلى أبنائنا، إلا إذا حثّ الأهالي أبناءهم على مرافقتهم للمشاهدة. ما زلنا نعتمد على المجهود الشخصي للأفراد، بينما صنّاع السينما وكبار المنتجين ينشغلون بشباك التذاكر.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً