بحضور الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ندوة تفاعلية في وزارة الخارجية عن كتاب “السراب”

ENN – سلط الدكتور عبدالحميد الأنصاري العميد السابق لكلية القانون والشريعة في جامعة قطر، والدكتور عمار علي حسن، الباحث والصحفي المصري، يوم الإثنين الموافق الثالث عشر من إبريل الجاري الضوء على كتاب “السراب” لمؤلفه سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بحضور سعادته وعدد من المسؤولين والباحثين في وزارة الخارجية، من خلال عرض لأهم ما ورد ذكره في الكتاب الذي وصفه الباحثان بـ”الموسوعة” لكل أكاديمي وباحث يسعى للتبحر في الإسلام السياسي والحركات الدينية السياسية لمقاربة هذا الكتاب للواقع وقراءته المحايدة لمجريات الأمور.
فمن جانبه، قال الدكتور عبدالحميد الأنصاري: إن فكرة الكتاب تستند إلى سراب الإسلام السياسي حيث تستغل بعض الجماعات الدين، متناسية أسس ومبادئ الوسطية والاعتدال؛ فتدعو أتباعها إلى المغالاة والتطرف. وأشاد الدكتور الأنصاري بالفكر النيِّر لسعادته الذي تمخض عن موسوعة كهذه.
وأردف الدكتور الأنصاري القول أن “السراب” يدق ناقوس الخطر من الغلو والتطرف، وكيف تعتبر تلك الجماعات الدين وسيلة لتحقيق مآربها. وأضاف أن التطرف المقصود هنا هو التطرف الديني، وهو خطر كونه يقود إلى العنف.
وأكد أن خطر التطرف يستفحل إذا اجتمعت له ثلاثة عوامل: فكر عدواني؛ وحالة نفسية قلقة؛ وبيئة حاضنة، داعياً إلى ضرورة التنبيه إلى أن تعاليم الإسلام كلها تنبذ التطرف والغلو حتى في العبادة؛ ومن ثم فإن اقتران صبغة التطرف بالمسلمين في الإعلام اليوم أمر تنبغي مواجهته.
ودعا الأنصاري إلى تطبيق عدد من التحصينات لمواجهة التطرف، منها تحصين جبهتنا الداخلية ثقافياً وفكرياً، وتحصين النظام التربوي للنشء، وتفعيل دور الأسرة في التعليم والتعلم، إضافة إلى تفعيل الفكر النقدي والتحليلي في مناهجنا التربوية، بدلاً من التلقين الذي يخلق التطرف والعنف، وتجديد الخطاب الديني وتفعيل انفتاحه على ثقافة العصر وآرائه المتنوعة.
وقال الأنصاري إن الكثير من الناس قد خُدعوا بالشعارات الزائفة التي طرحتها الجماعات الدينية السياسية، حيث قدمت تلك الجماعات حلولاً من وهم سرعان ما اكتشفتها الشعوب. فقد ضُلِّلت الكثير من تلك الشعوب للأسف بالشعارات البراقة والوردية لتلك الجماعات من مثل عودة دولة الخلافة وغيرها. وقد عرض سعادة الدكتور جمال سند السويدي رؤية بانورامية في “السراب”؛ فالكتاب يعرض كيف قامت تلك الجماعات بتغييب العقول وممارسة ألاعيب السياسة وكذلك مفهوم المواطنة، كما يعرض لمبدأ فصل الدين عن الدولة لحماية الأجيال. ومن هنا لا بد أن نستفيد من تجربة أوروبا إبان العصور المظلمة حين كانت الكنيسة تتحكم في مقاليد الحكم، وكيف ألَّبت الناس عليها. ويعرض سعادته في كتابه فكرة أن المغالاة في التطرف ستؤدي إلى أثر عكسي تماماً كما حدث في أوروبا في القرن الخامس عشر.
كما دعا سعادة الدكتور جمال سند السويدي إلى تطوير الخطاب الإعلامي، وإبعاده عن التحريض وثقافة الكراهية، وتفعيل نظمنا التشريعية، بتكريس العدالة والمحاسبة والمواطنة، إضافة إلى إبعاد الدين عن التوظيف السياسي الهادف إلى السلطة.
من جانبه، قال الباحث والصحفي المصري الدكتور عمار علي حسن، إن من يطالع كتاب “السراب” للدكتور جمال سند السويدي يقف على الأسباب التي تقود بالضرورة إلى فشل الجماعات الدينية السياسية في التقدم نحو تحقيق مقاصدها أو باتجاه تحقيق أهداف المجتمع وغاياته؛ فالكتاب فيه استفاضة في سرد تاريخ وأفكار وممارسات “الإخوان” و”السلفيين” و”السروريين” ومختلف التنظيمات “الجهادية”، إلى جانب علاقة الصراع بين الدين والسياسة وخرافات ما يسمى “الإسلام السياسي” واتجاهات الرأي العام حول الجماعات السياسية المتشددة، حسب ما ذكره الدكتور الأنصاري.
واستعرض د. عمار علي حسن سبب اختيار “السراب” عنواناً للكتاب، قائلاً: إن السبب يكمن في بيع الوهم للناس وإيهامهم بالمكاسب التي ستتحقق إن وصلت تلك الجماعات الدينية إلى مقاليد الحكم. فالوهم هو ما روجت له الجماعات الدينية السياسية للوصول إلى السلطة؛ ما يمثل قمة الانتهازية والتسلقية. وأكد أن المشروع الديني لتلك الجماعات ليس في النهاية سوى “سراب” وذلك لعدة أسباب منها:

أولاً: فساد منشأ هذه الجماعات، فأصل الفكرة فاسد، وهو تحويل الإسلام كدين إلى أيديولوجيا بائسة، وفي هذا، من دون شك، انحراف بالدين عن رسالته الأساسية التي ترمي إلى تحقيق الامتلاء الروحي، والسمو الأخلاقي، والخيرية بما تنطوي عليه من تراحم وتكافل وبذل وعطاء.
ثانياً: يُهزَم أصحاب التفكير المفضي إلى العنف دوماً بعد ما يخلفه من دم ودمار، وتلك هي حكمة التاريخ، وفي تاريخ المسلمين كانت حركتا “الزنج” و”القرامطة” على الأقل في البداية حركتين شعبيتين ربما سعتا إلى رفع الظلم وإقامة العدل، ولكن انتهى بهما المطاف أيضاً إلى الدموية والانحراف، وما عداهما كانت كلها أو جلها محاولات مفضوحة لتوظيف الدين في تبرير العنف ضد السلطة والمجتمع، الأمر الذي أدى إلى هزيمتها واندحارها. وبعض هذه الجماعات والتنظيمات والحركات لم يبق منها شيء، ولم يعد أحد يأتي على ذكرها إلا من قبيل سرد وقائع تاريخية بأقلام الدارسين والباحثين.
ثالثاً: يقدم أتباع الجماعات الدينية السياسية وعوداً تنتهي إلى لا شيء، ولا تفارق مرحلة رفع الشعارات العامة التي لا تجد ترجمة صحيحة ودقيقة وتفصيلية في أرض الواقع. وفي الزمن الحديث والمعاصر، رفعت جماعة “الإخوان المسلمين”، على سبيل المثال، شعارات مثل: “مشروع النهضة” و”الإصلاح” و”الإسلام هو الحل” لكن حين وصلت إلى الحكم وجد الناس هوة شاسعة بين الفكر والفعل، والخطاب والممارسة، والأقوال والأفعال.
رابعاً: يقوم مسلك هذه الجماعات على فكرة خداع الناس، واستغلال مشاعرهم الدينية، ولاسيما أن القائمين على هذه الجماعات يدركون أنهم ينفذون خطة خداعية طويلة المدى، يتحدثون عن تفاصيلها في غرفهم المغلقة، فإن خرجوا إلى الناس بدلوا وجوههم وألسنتهم، وأظهروا غير ما يبطنون.
خامساً: تفشل هذه الجماعات فشلاً ذريعاً في تقديم نموذج يستحق الاحترام والتقدير، فأينما حكمت جماعات “الإسلام السياسي” بلداً حل به دمار وخراب، إما لممارسة هذه الجماعات القهر ضد المجتمع، سواء من خلال استخدام مؤسسات الدولة التي تملك مشروعية العنف أو عبر ميليشيات مسلحة وشبه مسلحة تكونها قيادات هذه الجماعات الحاكمة.
سادساً: قد يبدو مسار الجماعات الدينية السياسية براقاً في ظاهره، أما باطنه فمعتم أو مظلم. ويتمثل البريق في زعم أنها جماعات ربانية تمثل “جيل النصر المنشود”! أو تحاول أن تستعيد تجربة “الجيل الفريد” في صدر الإسلام! وتستعين على صناعة هذه الصورة بتوظيف النصين القرآني والنبوي بإفراط شديد، وكذلك تقديم حلول نظرية سهلة للمشكلات الحياتية التي تواجه الناس، البسيطة منها والمعقدة. أما الباطن فهو بوضوح أن هذه الجماعات صاحبة مشروع سياسي في الأصل وما الدين إلا قشرة، ولذا ما إن وضعت مقولاتها موضع اختبار حتى سقط القناع.
سابعاً: يخاصم مشروع الجماعات الدينية السياسية حركة التاريخ، فالعالم يتجه في ممارسة السياسة إلى الوطنية والسلمية والعلنية والمشروعية والمدنية بما يجعل الشعب مصدر السلطات، بينما يقوم مشروع هذه الجماعات على الأممية ومحاولة إعادة زمن الإمبراطوريات، ويميل إلى العنف في ممارساته بشتى ألوانه، ويفضل العمل تحت الأرض، ويرفض الشرعية، حيث يرى في القوانين المطبقة قوانين وضعية ويدعو إلى استبدالها، كما يرفض الانضواء تحت سلطة الدولة الوطنية الحديثة. وبالتالي، فإن هذه الجماعات تحاول إعادة زمن “الدولة الدينية” عبر ما تسمى “الحاكمية” مهما زعمت عكس ذلك في إطار خداعها للجميع.
وفي ختام الندوة، أجاب الباحثان عن أسئلة الحضور التي تركزت على الحركات الدينية السياسية في العالم.
1

شاهد أيضاً