الولادة المبكرة.. خطر على الأم والجنين

تحقيق: راندا جرجس

تعد آلام المخاض قبل الأوان أو الولادة المبكرة، من أكثر المخاطر التي تتعرض لها الأم وجنينها الذي يطلق عليه «الطفل المبتسر»، وخاصة أنها تكون مفاجأة غير سارة في الأسبوع الـ37، الذي يسبق الولادة في موعدها الطبيعي، بأسابيع قليلة، وعلى الرغم من أن هذه الحالة تترافق مع بعض المشكلات التي تحدث في الحمل، أو نتيجة الضغوط الحياتية، أو حمل التوائم، إلا أن جميع الحوامل معرضات للولادة المبكرة، وما يرافقها من مضاعفات ومخاطر عديدة، تواجهها السيدة ومولودها، الذي يعاني من مشكلات تنفسية وأمراض جسدية، وأيضاً تزيد لديهم مخاطر التأخر في التعلم واضطرابات النمو والمشاكل السلوكية.
تقول الدكتورة سرى ثامر علوان أخصائية نسائية وتوليد، إن الولادة المبكرة هي التي تحدث قبل الموعد الطبيعي، واكتمال الحمل أربعون أسبوعاً كاملاً، لكي يستطيع الجنين الوصول لعملية النمو والنضوج داخل الرحم، وخاصة الرئتين، والتنفس بشكل طبيعي بعد الولادة وعدم الحاجة إلى دخول العناية الحثيثة للخُدج، وتتفاوت مشكلات الولادة المبكرة كلما نقصت أسابيع الحمل، والتي تعتبر شديدة الخطورة هي التي تحدث في الأسبوع الثامن والعشرين، والمتوسطة تكون في الأسبوع الثاني والثلاثين، أما الأقل فتكون ما بين الأسبوع الثاني والثلاثين والأسبوع السابع والثلاثين، وعادة ما يكون السبب مجهولاً، وهناك عوامل تزيد من احتمالية الولادة المبكرة ولكن ليس بشكل دائم، كالحمل في عمر أقل من سن الـ18، وزن السيدة أقل من الطبيعي، سوء التغذية والإجهاد المتكرر، ونقص الفيتامينات، الإصابة بفقر الدم ونقص الحديد منذ بداية الحمل، التدخين بشكل كثيف، إذا تعرضت الحامل للنزف خلال الأشهر الثلاثة الأولى، أو كانت لها تجربة سابقة مع الولادة المبكرة.

الأسباب

تذكر د. سرى أن هناك بعض العوامل التي ربما تساعد على حدوث الولادة مبكراً، وتتمثل في:
– الإصابة بالالتهابات البكتيرية، الفيروسية، الطفيلية، أو العدوى، التي تؤدي إلى الحمى وإفراز مواد سامة، وتتسبب في انتقال العدوى عن طريق الدم إلى الرحم، ما ينجم عنه تقلصات الرحم المبكرة، أو إضعاف الكيس الذي يحيط بالجنين ويؤدي إلى تمزقه، ونزول السائل الأمنيوني، وتدخل الأم في ولادة مبكرة.
– عندما تكون المرأة الحامل تعاني من أحد الأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم، ارتفاع السكري، أمراض القلب، والفشل الكلوي المزمن.
– إذا كان هناك مشاكل في المشيمة، وهي الجزء الحيوي المهـــم الذي يقوم بتوصيل الدم والتغذية بين الأم والطــــفل، فإذا حدث وانفصلت قبل الولادة، تعــــتبر من أخطر الحالات الطبية التي تؤدي إلى النزف والولادة المبكرة، وفي بعض الحالات الأخرى تتواجد تجلطات دموية في المشيمة، بسبب زيادة عوامل التخثر في الدم الوراثية، أو المكتسبة والتي تؤدي إلى قلة التغذية الواصلة إلى الجنين.
– عندما يكون حجم الرحم كبيراً بسبب زيادة السائل الأمنيوني المحيط بالطفل، أو حمل التوائم، وكلما كان عدد الأجنة أكثر زادت نسبة الولادة المبكرة.
– وجود عيوب خلقية في الرحم أو يكون عنق الرحم أقصر من الطبيعي.
– إذا تعرضت المرأة الحامل إلى حادث أو إصابة فترة أشهر الحمل، أو أجرت عملية جراحية لأي سبب مرضي وهي لم تكمل الشهر التاسع.

الأعراض

توضح د. سرى أن هناك بعض العلامات التي ترافق الولادة المبكرة، حيث تشعر السيدة بآلام شديدة أسفل البطن، تشابه آلام الحيض، وكذلك في الحوض، وعدم القدرة على الحركة الطبيعية، وأيضاً وجود إفرازات مهبلية مخاطية، يصاحبها دم ونزول السائل الأمنيوني المحيط بالطفل، ولذلك تعد الولادة المبكرة من المشكلات التي تترك تأثيرا نفسيا سلبيا على المرأة، ويمكن أن يتطور الأمر للصدمة والكآبة، بالإضافة إلى التأثير في علاقة الأم بالطفل وانفصالهما، حيث يدخل المولود إلى وحدة العناية للخدج وينفصل عن أمه في اللحظات الأولى من الولادة، ما يؤدي أيضاً لتأخر الرضاعة الطبيعية، التي تعتبر مهمة لغذاء الطفل بشكل صحي، وللأم لأنها تساعدها في استرجاع جسدها الذي تغير خلال الحمل، وأيضاً عودة إلى وضعه الطبيعي وكذلك الأعضاء الأخرى، كما تؤدي إلى زيادة احتماليات النزف بعد الولادة والالتهابات البكتيرية وحمى النفاس.

رعاية صحية

توضح الدكتورة بوشبا بهيماني أخصائية النساء والتوليد، أن أفضل الطرق للتقليل من مخاطر المخاض قبل الأوان، هي ممارسة مجموعة من أسس الرعاية الصحية الخاصة بفترة الحمل، وأهمها تناول المغذيات الأساسية، التي تحتوي على حمض الفوليك الذي تتناوله المرأة خلال الثلاثة أشهر الأولى، وهو فيتامين B الرئيسي، الذي يساعد في منع تعرض الجنين للعيوب الخلقية الأنبوبية العصبية، مثل شلل الحبل الشوكي (فتحة في العمود الفقري)، كما يقلل حمض الفوليك من خطر انفصال المشيمة جدار الرحم، وحدوث تسمم الحمل، ارتفاع ضغط الدم، وهما أكثر الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى دخول حوالي 20% من الحوامل في ولادة مبكرة، كما يجب على الحامل مراقبة وزنها، لتجنب المخاطر التي يمكن أن تواجهها مثل الإصابة بسكري الحمل، وآلام المخاض قبل الأوان، ولذلك عليها بتناول طعام مفيد يحتوي على جميع العناصر الغذائية، لنمو الجنين بشكل صحي، حيث إن الكالسيوم الموجود في الحليب خالي الدسم، ومن المستحسن أن تستهلك النساء الحوامل 1200 ملغرام من الكالسيوم في اليوم الواحد (أي ما يعادل 4 أكواب من 8 أونصات من الحليب الخالي من الدسم)، أي الكمية تقريبًا في برتقالة واحدة، ليساعد في بناء عظام سليمة وفيتامين (C) الموجود في الفواكه والعصائر الحمضية، يدعم الجسم في امتصاص الحديد وإنتاج نسيج ضام في للطفل، كما يساهم في الوقاية من الولادة المبكرة،
تضيف: تقلل ممارسة التمارين الرياضية خلال الأسابيع العشرين الأولى من الحمل، من خطر الإصابة بمتلازمة ما قبل الحمل بمقدار الثلث، وكذلك تمارين الاسترخاء، حيث تخفف الإجهاد المزمن الحاد الذي يؤدي إلى الولادة المبكرة، كما تعد رياضات السباحة والمشي واليوجا من الأنشطة الجيدة في هذه المرحلة، مع ضرورة الامتناع عن التدخين والكحوليات، كما تجدر الإشارة إلى أن النساء الحوامل يتعرضن لأنواع متعددة من الاكتئاب أو زيادة معدلات القلق لديهن، نظراً لتغيير الهرمونات في هذه المرحلة، ويلجأن لاستخدام بعض العقاقير المعروفة باسم مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، والتي تترافق مع خطر أعلى قليلا من الولادة المبكرة.

مشكلات الخُدج

يشير الدكتور شريف مسعد، استشاري طب الأطفال إلى أن الطفل المبتسر هو الذي يولد قبل أن يكمل 37 أسبوعاً من الحمل، حيث إن فترة الحمل الطبيعي تستمر 40 أسبوعاً أو تسعة أشهر، ولذلك يتعرض هؤلاء الأطفال إلى بعض المضاعفات والمخاطر نتيجة عدم اكتمال نمو الأجهزة المختلفة للجسم، نذكر منها على سبيل المثال: عدم التحكم في حرارة الجسم، الذي يؤدي إلى انخفاض السكر في الدم، وتوقف التنفس، وآفات معدية ومعوية، ما يؤثر على عدم قدرة الطفل على الرضاعة وهضم حليب الأم، وينتج عنه حدوث التهابات بالأمعاء، كما يمكن أن تتطور الحالة إلى ثقب بالأمعاء وهو الذي يعرف بالالتهاب المعوي القولوني الناخر، بالإضافة إلى أن جميع أجهزة جسم الطفل تتأثر عند الولادة المبكرة، مثل الجهاز الدوري، التنفسي، الهضمي، البولي، العصبي، القلب، وتتمثل المشكلات الشائعة في:
ضيق التنفس نتيجة عدم اكتمال الرئة، وهو ما يعرف بمرض الغشاء الهيلاني ويؤدي ذلك إلى نقص الأكسجين بالدم، وربما يتطور الأمر إلى توقف في التنفس نتيجة عدم اكتمال مركز التحكم في التنفس بالمخ.
يستكمل: أما المشكلات القلبية فربما تحدث نتيجة تأخر في غلق القناة الشريانية بين الأبهر والشريان الرئوي، ما ينجم عنه فشل في عضلة القلب، كما أن الطفل المبتسر معرض أيضاً للإصابة بفقر الدم «الأنيميا»، ارتفاع نسبة الصفراء نتيجة عدم نضوج واكتمال الكبد للقيام بوظائفه، والتخلص من هذه السموم، كما يفقد الرضيع كميات كبيرة من السوائل عن طريق البول، نظراً لعدم اكتمال الكلى وامتصاص السوائل وإرجاعها إلى الجسم، كما يمكن أن يحدث له نزيف بالمخ ويرجع ذلك إلى ضعف الأوردة والشرايين بالدماغ، ما ينتج عنه لاحقاً استسقاء بالمخ وإعاقة دائمة تسمى «الشلل الدماغي».

نصائح وقائية

يوصي د. شريف الأم التي لديها أسباب يمكن أن تؤدي إلى الولادة المبكرة، باختيار مستشفى مجهز لاستقبال الأطفال المبتسرين، حيث يتم التعامل طبياً وصحياً مع الطفل المولود قبل الميعاد الطبيعي، كما يجب أن يتواجد طبيب الأطفال وحديثي الولادة أثناء الولادة ليقوم بإنعاش الطفل، وإعطائه الأكسجين إذا لزم الأمر، وفي بعض الحالات يتم تركيب أنبوبة حنجرية، يتم إعطاء الطفل مادة «السيرفاكتنت» لتساعده على التنفس، ثم يتم نقله فوراً إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة لاستكمال العلاج.
ومع تقدم التكنولوجيا وطرق العلاج الحديثة يمكن استقبال وعلاج الطفل في الأسبوع الـ23 من الحمل، ويكون وزنه في هذا الوقت 500 جرام فقط، بخلاف السنوات الماضية التي كان تعتبر حينها ولادة الطفل عند الأسبوع الـ27 إجهاضاً ويموت في الحال.
أما الآن فيمكن وضع الطفل في حاضنة خاصة بدرجة حرارة ورطوبة معينة، وكذلك مزودة بأجهزة التنفس الصناعي الحديثة، وأجهزة متقدمة لعلاج اليرقان أو ما يسمى بصفراء حديثي الولادة، كما يتوفر أجهزة لمراقبة العمليات الحيوية على مدار 24 ساعة، ويتم إخراج الطفل من المستشفى عندما يتم التأكد من استقرار حالته الصحية وعدم اعتماده على الأجهزة المساعدة.

سكري الحمل

تتعرض حوالي 4 % من النساء، إلى الإصابة بداء سكري الحمل، خلال النصف الثاني من شهور الحمل، من الأسبوع الـ24 إلى الأسبوع الـ28، حيث تزيد لديهن مستويات السكر الطبيعية في الدم، وارتفاع في رد فعل الأنسولين، وحتى الآن لا تزال أسباب الإصابة به غير معروفة، ولكن هناك بعض الدراسات والأبحاث التي أشارت إلى أن إفراز المشيمة المتصلة بين الأم والجنين، لأنواع هرمونات مختلفة تقلل من تأثير الأنسولين في الجسم، وكذلك العامل الوراثي، السيدات الحوامل بعد سن الـ 25، المصابات بداء السكري من قبل الحمل، السمنة وزيادة الوزن، كما يعتبرن من أكثر المستهدفات بالنوع الثاني من السكري في حياتهن المستقبلية.

شاهد أيضاً