المهاجرون غير الشرعيين: رحلة البحث عن الحياة

BBC- ENN العربة كانت تمضي بنا بسرعة من المدينة اليونانية تسالونيكي إلى الحدود الشمالية مع مقدونيا.

وعلى طول الطريق كانوا هم أيضا هناك. يمشون على الأقدام وهم يحملون امتعتهم التي غالبا لا تزيد عن حقيبة تحمل على الظهر.

كلما اقتربنا من إحدى المجموعات لا أملك إلا أن أدير رأسي بحثا في وجوههم عن إجابة لسؤال بذهني.

بعد قليل سمعته يتردد على لسان أحد الزملاء: “أمعقول كل هؤلاء مهاجرون؟”

الأعداد ضخمة. المنظمات الإغاثية تقول إن نحو 300 مهاجر على الأقل يحاولون عبور الحدود ما بين اليونان ومقدونيا كل يوم.

المسافة التي قطعناها بالعربة يمشيها المهاجرون على الأقدام في ما لا يقل عن ثلاثة أيام، وعلينا أن نتخيل نفس هذه المسافة في قيظ الصيف أو في صقيع الشتاء.

ويبلغ عدد المهاجرين الذين حملتهم أمواج البحر المتوسط إلى أبواب أوروبا هذا العام فقط 100 ألف مهاجر، بحسب أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

من خطر إلى خطر

ما جاء بنا إلى هذه المنطقة من العالم هو الاستقصاء عن تعرض هؤلاء المهاجرين لانتهاكات من قبل عصابات تهيمن على المناطق الحدودية لمقدونيا – جنوبا مع اليونان وشمالا مع صربيا – وما يقال عن “اعتداءات” الأمن المقدوني نفسه.

لكننا بدأنا في تتبع قصص المهاجرين عن كثب منذ ابتلع البحر نحو 800 منهم في شهر أبريل/نيسان الماضي، ليسلط غرقهم الضوء على تفاقم أزمة المهاجرين غير الشرعيين.

null
جاء مصطفى وروزا عبر البحر من تركيا

كنت أنظر لوجوههم وأنا أتساءل كم منهم على علم بالخطر الجديد الذي يشدون إليه الخطى.

عندما توقفت العربة قرب الحدود جاءت الإجابة على لسان مصطفى. وجهه وملابسه تبنئ بأيام طويلة من المشي، وكتفاه تحملان ابنته روزا ذات الثلاثة أعوام.

جاء مصطفى وروزا عبر البحر من تركيا. كان صعبا تخيل ابنته الباسمة في قارب تتلاطمه الأمواج.

روزا نزلت من على كتفيه لتستغل لحظات حديث والدها معنا في لهو طفولي. يقول مصطفى الكردي الأربعيني إنه جاء من كوباني حيث نجا من الموت بأعجوبة خلفت في رأسه شظية لن تتركه.

وأضاف أنه كان ضحية اعتداءات من قبل الأمن والعصابات عندما تمكن من الحدود، قبل أن يعيده الأمن المقدوني إلى اليونان.

لكن لا مجال لعدم المحاولة مجددا، كما يقول: “أنا أعاني من السرطان ولن أعيش طويلا في كل الأحوال. لا أريد إلا أن أوصل روزا إلى بلد آمن. أريد لها مستقبلا أفضل”.

البحث عن الأمان

من بين التحضيرات لرحلتنا كان التأكيد على عدم الانغماس في ما سنسمعه من مآس، فعملنا يقتضي التوازن ما بين أن ننقل الحدث وألا نغرق في تفاصيله.

لم يكن الأمر سهلا هذه المرة. أكثر من نصف عدد المهاجرين الذين يصلون إلى هذه المنطقة من أوروبا تربطني بهم لغة وثقافة وتاريخ واحد.

من بينهم وعد جواد التي لمحتها تستظل بشجرة وحولها تجلس ثلاث فتيات في أعمار مختلفة.

الأم العراقية تضحك بالرغم من تعب السير. تمزح في حديثها عن الطعام اليوناني، ثم تتبع ذلك بحديث من القلب عن بغداد.

قالت وعد “هذه الأرض ليست مثل بلادنا. ما كنا لنترك بغداد لولا إحساسنا بعدم الأمان.”

أكبر ابنائها بقي في بغداد ولم تتمكن من الاتصال به لأيام. قالت لي إنها تخاف أن يكون قد تعرض لأذى.

عرضت عليها أن نحاول الاتصال به من هاتفي الشخصي، وتمكنت بالفعل من سماع صوت ابنها.

عندما تركت وعد كانت تبكي. قالت إنها لا تدري متى يمكنها أن تسمع صوته مرة أخرى.

الطريق البحري من تركيا إلى اليونان هو أيضا ما اجتازته سارة سليمان وأسرتها القادمون من أفغانستان.

الفتاة الخجولة في السابعة عشرة وأخوها رضوان وعمره سنتان وقفا في صف طويل للحصول على معونات توزعها المنظمات الإغاثية على الحدود.

قالت لنا: “أبي كان يملك متجرا في كابول. لكن أمي قالت إنه يخاف علينا من الحياة هناك.”

ودعتني بابتسامة بعد أن حصلت على مرادها، وطلبت مني: “أدع لي ولأسرتي”

الخروج من سوريا

ما سمعناه من أغلب المهاجرين الذين قابلناهم أكد أن الواقع كان أفظع مما سمعناه عن الاعتداءات التي يتعرضون لها.

فالعصابات لا تكتفي بأخذ ما تبقى لهم من مال ومتاع، بل تحتجز المهاجرين لحين دفع فدية لا تقل عن 300 يورو.

وللسوريين معاملة خاصة، فالعصابات تستولي على جواز السفر السوري لبيعه لمهاجرين آخرين.

تجارة رابحة، إذ أن الجواز يباع بما لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار، والمشتري هو كل من يأمل في الحصول على حق لجوء في أوروبا.

قصص القادمين من سوريا تلخص مأساة هذا البلد.

عندما قابلنا معتصم رميض وجدنا هذا الشاب الهادئ يساعد غيره من المهاجرين ممن أصيبوا في الطريق.

قال إنه من سكان مخيم اليرموك، وكان في آخر أعوام دراسته بكلية الطب عندما انتزعه الأمن السوري من بين أهله وألقى به في السجن لمدة سنة كاملة.

“لم أعرف حتى ما هي تهمتي” أضاف معتصم بكلمات تقطر مرارة. “عندما أفرجوا عني قالوا لي إن حبسي كان نتيجة خطأ ما”. وعندما خرج من السجن دفعه أهله دفعا للمغادرة خوفا عليه.

الأسى سمعناه من جهاد، الشاب السوري البسيط الذي أتي من الرقة أحد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

ابنه وابنته وزوجته بقوا هناك، والأب المتعب يسابق الزمن للوصول إلى أوروبا أملا في أن يتمكن بشكل ما من إخراجهم من الرقة.

حكى لنا أنه وجد ابنه في أحد الأيام يردد أناشيد الدولة الإسلامية.، قائلا: “لا أكاد اتصور أن يعيش ابني في هذا المكان. لا أريده أن يصبح مثلهم”.

يقول جهاد إن العالم تخلى عن وطنه سوريا: “نحن شعب باعه العالم” .

شاهد أيضاً