«المفترس».. عنف بلا منطق

مارلين سلوم

مع تطور الفن السابع والتقنيات الحديثة المذهلة، تتوقع أن تكون النسخة الحديثة من أي فيلم سينمائي عرض في الثمانينات أفضل وأقوى بأشواط، وقادرة على جذب عدد أكبر من المشاهدين. ما حصل مع فيلم «المفترس» الذي يعرض حالياً في الصالات هو العكس، حيث فشلت النسخة الجديدة منه وبدت أضعف بكثير من الفيلم الذي عرض عام 1987 وترك أثراً كبيراً في رواد السينما، وكان من العلامات الفارقة.
يقولون في الإعادة إفادة، لكن مع هذا الفيلم، جاءت الإعادة بلا أي فائدة. حين كتب جيم وجون توماس النسخة الأصلية من «برادياتور» أي «المفترس»، وتولى إخراجه جون ماكتيرنان وأدى البطولة أرنولد شوارزينجر، لم يكن أي منهم يتوقع كل هذا النجاح للفيلم، وأن يتحوّل إلى أحد إنجازات السينما المميزة في الخيال العلمي. تبعه جزء ثان، وامتدت السلسلة ونشأ عنها أفكار جديدة، حتى عدنا مجدداً إلى «المفترس»، وهذه المرة تولى كتابته استناداً إلى النسخة الأولى، فرِد ديكر وشاين بلاك الذي قام بإخراجه.
كل ما استطاع التفنن به بلاك، هو استغلال التقنيات من أجل تطوير الكائن الفضائي الذي لقبه فريق العلماء في الفيلم ب «المفترس» لأنه كائن يطارد فريسته، وصار قناعه إلكترونياً مزوداً بجهاز كمبيوتر يخوّله قراءة ما يكتبه البشر، وترجمة كلامه بلغتهم ليتواصل معهم. لكنه للأسف قدّم عملاً لا يستحق المشاهدة، اللغة الطاغية فيه هي العنف والقتل والمشاهد المقززة، حتى التشويق أفلت من بين يدي بلاك، بشكل جعل المشاهد يتابع الأحداث دون حماس وتفاعل لمعرفة مصير الشخصيات وخصوصاً الطفل روري (جايكوب تريمبلاي)، ابن البطل الرئيسي كوين ماكينا (بويد هولبروك).
ينطلق الفيلم من عالم المخلوقات العجيبة ومركبة فضائية تقترب من الأرض، أثناء قيام ماكينا وهو قناص سابق في الجيش الأمريكي، بمهمة مع فريقه في أدغال المكسيك. تصل المركبة وينقض المخلوق العجيب على الفرقة وينجو منها ماكينا بصعوبة، حاملاً معه خوذة وقطعة حديدية يضعها في صندوق ويرسلها بالبريد إلى منزله، كدليل يثبت من خلاله أنه رأى فعلياً كائناً فضائياً. في المقابل يحتفظ بما يشبه الكرة المعدنية الصغيرة، قادرة على إخفائه متى شاء، ويبتلعها قبل أن تلقي القبض عليه فرقة «ستارغيزر» الحكومية السرية، ويحتجزه قائدها تريجر (ستيرلنج كاي براون) للتحقيق معه ووضعه في مصحة عقلية كي لا يتفوه أمام أحد بما رآه.
يتم نقل ماكينا في حافلة مع «المجموعة 2» تضم نبراسكا (تريفانت رودز) وكويل (كيجن مايكل كي) ونيتلز (أوغوستو أغويليرا) ولنش (ألفي ألين) وباكسلي (توماس جين)؛ وهي عبارة عن مجموعة من الجنود السابقين، يعانون أمراضاً نفسية. في هذا الوقت يصل الطرد إلى منزل ماكينا ويستلمه ابنه روري المصاب بالتوحد، ويعاني تنمّر الصبية وسخريتهم منه في المدرسة. يفتح الصبي الصندوق وتبهره الخوذة والقطعة المعدنية، ولأنه خارق الذكاء، يبدأ في البحث عن أسرار الخوذة ويتوصل إلى تشغيلها وفك بعض الرموز وقراءة الشيفرة، ويلبس القناع خارج المنزل. تصل الإشارات إلى المركبة الفضائية فتبدأ في تتبعها ويصبح الطفل في خطر.
يحق لفرِد ديكر وشاين بلاك إجراء تعديلات على الأحداث، إنما المهم أن يتم تطويرها في سبيل خلق إثارة جديدة وتشويق أكبر، وإقناع الجيل الجديد بما يقدمونه لهم؛ وهو ما لم يحدث. كل ما شاهدناه مجرد مطاردات وترابط أحداث غير منطقي، وحشو لا داعي له، وتفاصيل يمكن الاستغناء عنها دون أن تمس مسار القصة وأهدافها. بلاك تاه في هذه التفاصيل والمشاهد القتالية والمقززة، والأشكال العجيبة، ولم يترك بصمة حقيقية في تطوير الفكرة، ولا في صناعة الفيلم وحبكته.
طبيعي ألا تعتمد مثل هذه النوعية من الأفلام على ذكاء الجمهور وتحليله وتعمقه في القصة وأبعادها الفلسفية، لكن «المفترس» يبعد جمهوره بعيداً جداً عن إعمال العقل، خصوصاً حين نرى المفترس الذي تجرى عليه كل أنواع التحاليل والأبحاث في المختبر، حيث تتم الاستعانة بالعالمة الدكتورة براكيت (أوليفيا مون) لخبرتها في عالم الكائنات الفضائية؛ يستفيق فجأة ويدمر المختبر ويقتل من في المختبر، باستثناء أحد العلماء والدكتور براكيت دون أن نفهم السبب. نكتشف لاحقاً أن هذا المفترس إنما أراد مساعدة فريق البحث كونه عدواً لدوداً للمفترس الأكبر. تركيبة تخلو من أي منطق، ووقع هذه المفاجأة لا يحرك الجمهور ليتفاعل معها أو لينتظر مفاجآت تالية مهمة.
كل ما أراد قوله صناع الفيلم والمخرج بلاك أن المفترس يتطور، وأن هذه الكائنات الفضائية تبحث عن التهجين لتطوير نفسها، فتختار نخبة البشر وتعلم جيداً من هو الأفضل والأقوى والأذكى لتأخذ منه الحمض النووي، وتعود إلى الفضاء.. وتمهيداً للجزء اللاحق، يرسل «المفترس» الجيد هدية للمختبر، كناية عن بدلة لماكينا عليه أن يرتديها ليقتل «المفترس». فيلم يخيب آمال محبي العمل الأول والسلسلة التي لاقت جماهيرية، مشتت بأحداث متداخلة، كثير منها يمكن الاستغناء عنه دون أن يختل مسار القصة. رسم الشخصيات أيضاً يتأرجح بين المفهوم والغامض، لا تفهم مثلاً سبب تحويل «المجموعة 2» إلى مرضى نفسيين قبل موافقتهم على العمل مع ماكينا ومساعدته في البحث عن ابنه ومطاردة المفترس، حيث أطلقوا على أنفسهم اسم فريق «لونيز»! الدكتورة براكيت تحوّلت من عالمة إلى مقاتلة شرسة، قادرة على القفز من الجسر إلى سطح الحافلة ودعم الفريق «في القتال»، وليست مجرد عالمة هدفها الحصول على عينة من المفترس لاستكمال الأبحاث..
الفيلم يتحدث عن كائنات خارقة الذكاء، وعن الأبحاث لتطوير الذكاء الاصطناعي، بينما يبدو في حبكته وتسلسله وإخراجه ساذجاً سطحياً وبلا أي لمسة فنية جميلة.

نقطة إيجابية ونقاط سوداء

يمكننا التوقف عند نقطة إيجابية وحيدة في هذا العمل، وهي وضع الطفل المصاب بالتوحد روري ماكينا، في مركز الأبحاث العلمي، حيث يجد نفسه وسط هذا العالم المعتمد على الذكاء، والأرقام، والكمبيوتر، بعيداً عن تنمر الزملاء الذين لا يستطيعون فهمه والتواصل معه. في المقابل، تكثر النقاط السوداء، حيث لا نفهم مثلاً سبب تحميل الفيلم بعض الإيحاءات والألفاظ السوقية التي لا تصلح للأطفال، علماً بأنه تم تصنيفه لكل الأعمار شرط أن يكون الصغار بصحبة من هم في سن ال 15، وما فوق. ومن الطبيعي أن يجذب الشباب، لأنه أكشن، والسلسلة معروفة عالمياً، ومتوفرة ليس كأفلام فقط، وإنما في كتب وقصص مصورة، وألعاب فيديو كثيرة.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً