القتل مقابل 500 درهم.. والإعدام قصاصاً

ENN – البيان – لم تكن هذه المرة الأولى، التي يقف فيها أمام محكمة الجنايات متهماً، فقد وقف قبل أشهر في ذات الغرفة الزجاجية المخصصة للمتهمين، خلال عرضهم على هيئة المحكمة، الفرق أن القاضي في المرة الأولى أفرج عنه بكفالة جواز سفره في الجلسة الأولى لوضوح براءته، أما الآن فلا أمل له بالخروج، وربما ينتظره الموت، فهو قاتل وعقوبته ستكون بلا شك الإعدام إن لم يعفُ عنه أهل القتيل.

المفارقة أنه وقف في المرتين أمام المحكمة، بسبب الشخص نفسه، لكنه في الأولى كان هو ضحية ذلك الرجل، وقد أيقنت المحكمة بذلك فحكمت ببراءته، أما الآن فقد تحول المجرم إلى ضحية، بعد أن انتقم لنفسه وقتله جزاء لاحتياله عليه، وتسببه في اتهامه وسجنه أياماً طويلة، إلى أن عرض على المحكمة.

بداية القصة

بدأت الحكاية حين ازداد إلحاح أحد أقربائه عليه، ليبحث له عن عمل وإقامة في أبوظبي، فقد تضاعفت مسؤولياته، وهو بحاجة إلى العمل خارج الوطن ليعيل أسرته، التي كثر أفرادها.

وهو لم يكن مقصراً في المحاولة تلو الأخرى، ولكن جميع المحاولات كانت تبوء بالفشل، إلى أن سمعه أحدهم وهو يتحدث عن رغبته الشديدة في استقدام قريبه، فأكد له أن ذلك سهل بالنسبة له، وأنه وخلال أيام قليلة سيجد له عملاً، ويريد مقابل ذلك 500 درهم فقط، فوافق على الفور، لأن المبلغ بسيط، وكان على استعداد لدفع أضعافه، إن استدعى الأمر ذلك.

بالفعل لم يمضِ أسبوع حتى اتصل به ذلك الرجل، وقال له إنه وجد لقريبه، وخلال أسبوع، وجاء بالموافقات اللازمة للتأشيرة، وطلب منه أن يقدمها بنفسه إلى إدارة الجوازات، للحصول على التأشيرة الخاصة بقريبه، وأخذ بالمقابل مبلغ الـ500 درهم المتفق عليه.

تأشيرة العمل

كانت سعادته لا توصف بحصوله على تأشيرة العمل لقريبه وصديقه المقرب، وسارع بالاتصال به ليبشره بقرب حضوره إلى أبوظبي، ثم أخذ الأوراق في الموعد وذهب إلى إدارة الجوازات ليقدمها، وما إن وضعها في يد الموظف المختص حتى صار ينظر إليه بريبة، وسأله عن علاقته بالأوراق، والشخص المذكور اسمه فيها، وبعد ذلك طلب منه الانتظار لحظة، وترك مكانه ليعود ومعه رجال الشرطة، ليقبضوا عليه ويضعوه في السجن.

أيام طويلة مرت عليه بين تحقيقات الشرطة والنيابة، وفي كل مرة كان يروي الحكاية تماماً، كما حدثت معه، لكن لا أحد يريد أن يصدق روايته، ولا أحد يلومهم، فكيف يصدقونه وهو لا يعرف عن ذلك المحتال سوى اسمه ورقم هاتفه، الذي صار مغلقاً، لم يكن يملك أي دليل على صدقه، فتم إحالته مسجوناً إلى محكمة الجنايات.

وهناك أعاد الرواية نفسها، فكان للقاضي وجهة نظر مختلفة عن الشرطة والنيابة، وقد صدقه، وأخذ بعين الاعتبار أن التزوير كان ساذجاً بصورة تجعل من غير المنطقي أن يقوم من زور بتقديمها بنفسه إلى الجوازات، وفي الجلسة الأولى قام بتكفيله، ثم حجز الجلسة التالية للحكم، الذي كان ببراءته من تهمة تزوير مستندات رسمية، التي كان يمكن، لو أدين بها، أن يحكم بالسجن أكثر من 3 سنوات، والإبعاد عن الدولة.

خروج من السجن

ها هو قد أصبح حراً مرة أخرى، وعادت له حياته الطبيعية، لكنه لم ينسَ أبداً ذلك الرجل الذي خدعه وسرق ماله، وكاد يتسبب بضياع مستقبله، وقرر أن ينتقم منه، فأخذ يبحث عنه في كل مكان فيه تجمع لأبناء جاليته من العمال، ومع كل يوم بحث، كانت نار الحقد تتأجج في روحه أكثر فأكثر. أشهر مرت وهو يتلوى بنار الحقد ورغبة الثأر، من دون أن يتمكن من إيجاد غريمه المحتال.

وأخيراً استطاع أن يجد من يدله عليه، لم يغمض له جفن في تلك الليلة، وهو يضع احتمالات لتفاصيل اللقاء، ماذا سيقول له وكيف سيرد ذلك الرجل عليه، وكيف يمكن أن يطفأ ناراً تتغذى على روحه منذ أشهر حتى أحرقت بصيرته وعقله.

لحظة قتل

في الموعد الذي قيل له إن الرجل يتواجد فيه، توجه إلى المكان المحدد وحمل معه سكيناً اشتراها خصيصاً لاحتمال تطور الأمر. وحين رأى غريمه أمام عينه اختفى كل ما أعد من كلمات، وأظلم عقله، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يغرس السكين في قلب الرجل مرة تلو أخرى، حتى سقط بلا حراك، وها هو الآن يقف أمام المحكمة مرة أخرى بسببه.

لم تكن نظرة القاضي له كما في الأولى، ولم يجد له العذر في ما قاله، كما لم ترحمه أسرة القتيل، وأصرت على القصاص لدم ابنها، فكان أن حكمت المحكمة الابتدائية عليه بالإعدام، وأيدت محكمة الاستئناف الحكم، وأصبح هو من ينتظر الموت في حال أيدت محكمة النقض الحكم، وهو في الأغلب ما سيحدث إن لم يتنازل أولياء الدم عن حقهم بالقصاص.

تنشر الصحيفة صباح كل أحد بالتعاون مع دائرة القضاء في أبوظبي قصصاً من أروقة القضاء بهدف نشر التوعية.

شاهد أيضاً