الصداع الارتدادي مشكلة مزمنة ومؤلمة

يعتبر من الأمور المعتادة أن يتناول أي شخص يعاني من الصداع مسكنات للألم، وخاصة لهؤلاء الذين يعانون من الصداع النصفي أو صداع التوتر.
وتؤدي هذه المسكنات للإصابة بالصداع الناتج عن الاستعمال المفرط للأدوية، أو ما يعرف بالصداع الارتدادي، وتظهر أعراض هذا النوع نتيجة تعاطي المسكنات أكثر من مرتين في الأسبوع، وذلك عند تكرار الإصابة بالصداع، غير أن استخدام المسكنات في علاج حالات أو أمراض أخرى، وعلى سبيل المثال التهاب المفاصل لا يؤدي للإصابة بالصداع الارتدادي.
يمكن أن يحدث الصداع الارتدادي بصورة يومية، ويمكن كذلك أن يكون مؤلماً للغاية، وسبباً في حدوث الصداع اليومي المزمن، ويختفي الصداع الارتدادي عادة بمجرد توقف المصاب عن تناول مسكنات الألم، وربما يكون الأمر في البداية صعباً.
ونتناول في هذا الموضوع الصداع الارتدادي بالتفاصيل، ونقدم العوامل والأسباب التي تسببه، ونوضح الأعراض التي تظهر مع كشف طرق الوقاية والعلاج الحديثة.

مشكلة عالمية

تعتبر حالة صداع فرط استعمال الأدوية مشكلة عالمية، حيث إنه يصنف كثالث أكثر أنواع الصداع انتشاراً، ويحدث هذا النوع نتيجة الاستخدام المتكرر للمسكنات لعلاج الصداع.
ويصاب به من يعانون من الصداع النصفي، وصداع التوتر، حيث يتحول بمرور الوقت إلى نوبات من الصداع اليومي المزمن.
كان أول ظهور لمصطلح الصداع الارتدادي في التصنيف الدولي لاضطرابات الصداع في عام 2004، حيث تم تعريفه على أنه صداع ثانوي، وذلك بهدف التأكيد أن السبب الرئيسي وراء هذا النوع هو الإفراط في استخدام الأدوية.
وتم إعادة التعريف على أساسين، الأول المدى الزمني، فيجب أن يستمر أكثر من 15 يوماً في الشهر، وذلك على مدى أكثر من 3 أشهر.
ويعتبر الأساس الثاني هو نوعية الأدوية، ففي حالة الأدوية المسكنة القوية يجب أن يكون استخدامها أكثر من 10 أيام في الشهر، وعلى مدى زمني أكثر من 3 أشهر، وذلك حتى يتم اعتبار الأمر فرط استخدام.
ويلزم في حالة المسكنات البسيطة استخدامها لأكثر من 15 يوماً في الشهر، وعلى مدى زمني 3 أشهر حتى يتم اعتبار الأمر فرط استخدام.

النصفي والتوتري

يشير الأطباء إلى أن المصابين بصداع التوتر، وكذلك الصداع النصفي هم الأكثر عرضة للإصابة بالصداع الارتدادي، وذلك عند الإفراط في استعمال المسكنات.
وتشمل قائمة الأدوية المسكنة عدداً من العلاجات التي يشيع استخدامها، ومنها الأسبرين، والأدوية المنومة، ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية، والكوديين، وأدوية الزكام التي تحتوي على الكافيين.
ويعد تناول مقادير قليلة من هذه الأدوية في الأسبوع آمناً وفعالاً، وذلك بدرجة معينة، حيث إن زيادة المقادير والمدة الزمنية لها، يؤدي إلى تطور الأمر إلى الإصابة بالصداع الارتدادي.
وتختلف أعراض صداع فرط استعمال الأدوية بحسب الصداع الأصلي، وكذلك الأدوية المستخدمة، ويعاني المصاب به من حدوث الصداع تقريباً كل يوم.
ويستيقظ الشخص المصاب من النوم بسبب الألم مبكراً، ويشعر بالتحسن مع تناول الأدوية التي تخفف الألم، إلا أنه بمجرد أن يزول أثرها يبدأ الألم من جديد.
ويمكن أن يعاني من الغثيان، والخمول، والشعور بصعوبة التركيز، وعدم الراحة، وأيضاً حدوث مشاكل في الذاكرة، وربما عانى من الهياج، أو الانفعال.

المسكنات البسيطة

يكون الشخص عرضة للإصابة بالصداع الارتدادي بسبب كثرة استخدام أدوية الصداع، وربما أدى دواء الصداع الحاد للإصابة بالصداع الارتدادي، ومن هذه الأدوية مسكنات الألم البسيطة مثل الأسبرين، وبخاصة عند تجاوز الجرعة التي يوصى بها يومياً.
وتقل خطورة المسكنات مثل الإيبوبروفين وصوديوم النابروكسين في المساهمة بالإصابة بصداع فرط استعمال الأدوية.
ويتسبب الجمع بين مسكنات الألم التي تباع دون وصفة طبية، وخاصة التي تشتمل على الكافيين والأسبرين في زيادة خطر الإصابة.
وتتضمن هذه المجموعة الأدوية التي تصرف بناء على وصفة طبية مثل الفيورينال والذي يحتوي على مهدئ البوتالبيتال.

الأفيونات خطر

وتزيد نسبة الخطر في الأدوية التي تحتوي على البوتالبيتال، لذلك ينصح بعدم تناولها لمعالجة الصداع، أو على الأقل استخدامها 4 أيام على الأكثر في الشهر.
ويوجد رابط بين أدوية الصداع النصفي والإصابة بنوبات الصداع الارتدادي، ويزيد خطر الإصابة عند استخدام الأدوية المنومة، وخاصة التي تكون مشتقة من الأفيون أو مركبات الأفيون الاصطناعية.
ويمكن أن تزيد نوبات الصداع بسبب الجرعات اليومية من الكافيين، والتي تدخل الجسم من خلال قهوة الصباح، والصودا بعد الظهر، ولذلك يراعى قراءة ملصقات المنتج للتأكد من كمية الكافيين التي تدخل الجسم دون وعي من المصاب.
وتزيد نسبة الإصابة بصداع فرط استعمال الأدوية بسبب نوبات الصداع المزمن والتي سببها نوبات الصداع النصفي، وصداع التوتر.

رعاية طبية فورية

تعتبر الإصابة بحالات الصداع العرضي من الأمور الشائعة، إلاّ أن المهم البحث عن رعاية طبية بشكل فوري، وذلك إذا كان الصداع مفاجئاً وشديداً، ويصاحبه حمى أو تيبس في الرقبة.
ويصاحبه كذلك رؤية مزدوجة أو ضعف أو وخز وصعوبة في الكلام، وأيضاً عندما يكون هناك طفح جلدي، وعندما يأتي عقب إصابات الرأس، وفي حالة زيادة الوضع سوءاً بالرغم من تناول العقاقير المسكنة والراحة، وعندما يكون نوعاً جديداً لشخص تجاوز ال 50 عاماً، وإذا اضطر المصاب للاستيقاظ من النوم بسببه.
ويجب استشارة الطبيب إذا كانت نوبات الصداع أكثر من مرتين في الأسبوع، وعند تناول مسكنات الألم لأكثر من مرتين في الأسبوع كعلاج للصداع، وعند تجاوز جرعة أدوية الألم، التي تصرف دون روشتة لتسكين نوبات الصداع، وتغير نمط الصداع أو تفاقم حدته.

توقف عن الدواء

تعتمد خطة علاج الصداع الارتدادي على الحد من تناول المسكنات، ويمكن أن يوصي الطبيب المعالج بالتوقف الفوري عن الدواء الذي يتناوله المصاب، أو يقلل الجرعة بصورة تدريجية، وبالطبع فإن نوبات الصداع التي يعانيها المصاب سوف تسوء قبل أن تتحسن.
ويمكن أن يعاني المريض من أعراض الانسحاب مثل الإمساك أو الغثيان أو القيء، وكذلك يعاني من العصبية.
وتستمر هذه الأعراض من 3 أيام إلى أسبوعين، وربما استمرت عدة أسابيع، ويمكن أن يصف الطبيب علاجات تساعد في تخفيف ألم الصداع والآثار الجانبية التي ترتبط بانسحاب الأدوية، وهو ما يسمى بالعلاج الجسر، أو الانتقالي، وربما شملت هذه العلاجات عقاقير غير ستيرويدية مضادة للالتهابات.
وتفيد كذلك في تجنب الانتكاس والبحث عن وسيلة آمنة تتحكم في نوبات الصداع، أثناء أو بعد الانسحاب.
وينصح في بعض الحالات بالإقامة في المستشفي، وذلك إذا كان المريض لا يستطيع الوقف عن استخدام المسكنات بنفسه، أو أنه يعاني من حالات أخرى، مثل القلق أو الاكتئاب، أو إساءة استخدام المواد مثل المهدئات أو الأفيون، وأخيراً عند عدم الحصول على دعم الأسرة، أو أن الدعم محدود.

الوخز بالإبر

تخفف العلاجات التكميلية أو البديلة من ألم الصداع، وإن كانت لا تزال هذه العلاجات في حاجة إلى دراسة وبحث.
وتستخدم تقنية الوخز بالإبر، وهي تقنية قديمة تعتمد على استخدام إبر رفيعة، تساعد على إفراز المسكنات الطبيعية في الجهاز العصبي، وأيضاً المواد الكيميائية الأخرى، وأثبتت بعض الأدلة أن الإبر الصينية يمكن لها المساعدة في السيطرة على الصداع.
ويعلم الارتجاع البيولوجي المصاب بصداع فرط استعمال الأدوية كيفية السيطرة على بعض استجابات الجسم، وهي التي تقلل شعور المصاب بالألم.
ويتم مراقبة وظائف الجسم خلال جلسة العلاج، عبر أجهزة تراقب توتر العضلات وضربات القلب وضغط الدم، على سبيل المثال.
ويمكن للمصاب أن يتعلم كيفية تقليل توتر العضلات، وإبطاء ضربات القلب والتنفس، وذلك للمساعدة على أن يسترخي، وبالتالي يساعد في التعامل مع الألم.
ويبدو أن لبعض المكملات الغذائية دوراً في المساعدة على الوقاية من بعض أنواع الصداع، وكذا علاجها، ومثل هذه المكملات المغنسيوم والينسون وعشب الآرام، ويجب استشارة الطبيب قبل استخدامها، وذلك حتى لا تتداخل مع الأدوية الأخرى، وبالتالي تؤدي إلى آثار جانبية.

ساعد نفسك

أشارت دراسة حديثة إلى أن هناك شخصاً من كل 10 أشخاص يعاني الصداع الارتدادي، وربطت دراسات أخرى بين مسكنات الألم والنوبات القلبية والسكتات الدماغية، حيث تضاعف هذه المسكنات من مخاطر الأزمات القلبية.
وكانت الدراسات السكانية بيّنت أن نسبة من يعانون هذا النوع من الصداع تبلغ حوالي 1.5% من السكان حول العالم.
وينصح الأطباء بعدد من الإجراءات الوقائية التي تجنّب الإصابة بهذه الحالة، ومنها تجنّب مثيرات الصداع، والحصول على قسط من النوم كاف، وذلك بتحديد مواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ حتى في العطلات.
يفيد اتباع نظام صحي في الطعام، وهو الذي يعتمد على إفطار صحي بداية اليوم، والالتزام بمواعيد ثابتة للغداء والعشاء، مع شرب كميات كافية من الماء.
ويؤدي النشاط البدني إلى إفراز الجسم لمواد كيميائية تمنع إشارات الألم من الوصول إلى المخ، ويجب استشارة الطبيب في نوعية النشاط البدني، وعلى سبيل المثال المشي أو السباحة.
ويفيد الإقلاع عن التدخين، حيث إنه أحد العوامل المحفزة للصداع، والتي تزيده سواء، وكذلك تشارك السمنة في الإصابة بالصداع، وبالتالي فإن فقدان بعض الوزن مفيد.

شاهد أيضاً