{الشرق الأوسط} في سيناء: موظفون من بريطانيا في شرم الشيخ لسرعة إجلاء السياح

{الشرق الأوسط} في سيناء: موظفون من بريطانيا في شرم الشيخ لسرعة إجلاء السياح

أبواب خلفية للدخول والخروج.. وضعف الخبرة في التعامل مع أجهزة كشف المتفجرات

Tweet

نسخة للطباعة Send by email

تغير الخط
خط النسخ العربي
تاهوما
الكوفي العربي
الأميري
ثابت
شهرزاد
لطيف

شرم الشيخ: عبد الستار حتيتة
لا يمكن لغير المسافرين الدخول إلى مطار شرم الشيخ، إلا إذا كان يحمل على الأقل أربع بطاقات تعريف؛ الأولى، وهي الأصل، تسمى «الكارنيه الجنائي»، والثلاث بطاقات الباقية هي كالتالي: بطاقة من غرفة المنشآت السياحية، وبطاقة من تجمع المرشدين السياحيين، والرابعة من وزارة السياحة. لكن مصادر في المطار قالت أمس لـ«الشرق الأوسط» إن التدقيق في حمل هذه البطاقات لمن يترددون على المطار بشكل دوري لم يعد بتلك الشدة التي كان عليها أيام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي كان يفضل الإقامة في المنتجع الواقع جنوب سيناء، خصوصا فيما يتعلق بالبطاقة الأصل.
وتعرضت شرم الشيخ لهزة عنيفة في أعقاب تحطم طائرة «إيرباص إيه 321» الروسية، الأسبوع الماضي، وعلى متنها 224 شخصًا، مما دفع الكثير من الحكومات الأجنبية لإجلاء رعاياها الذين كانوا يقضون إجازاتهم في المدينة ذات المنتجعات السياحية المعروفة أيضًا باسم «مدينة السلام»، حيث سادت حالة من القلق والارتباك امتدت ما بين مئات الفنادق والمتاجر، وحتى صالات السفر في المطار، بينما استمرت التحقيقات لمعرفة سبب تحطم الطائرة، وما إن كان عملا إرهابيًا أو عطلاً فنيًا، وسط لغط حول إجراءات التأمين والسلامة في المطارات المصرية.
من بين الاحتمالات التي يفحصها المحققون أن يكون أحد الأشخاص دس قنبلة في حقيبة سفر تخص أحد السياح، لصالح تنظيم داعش الذي له فرع في سيناء. ومن بين فئة المدنيين المترددين على مطار شرم الشيخ ممن يمكنهم الوصول حتى سيور حقائب السفر للمقبلين والمغادرين، جانب من مندوبي شركات السياحة الذين يستقبلون أو يودعون السياح داخل صالات الوصول والسفر، وبعض العاملين في المحال التجارية والكافتيريات داخل المطار.
ويقول مصدر في مطار شرم الشيخ: «بعد أشهر من تردد مثل هؤلاء على المطار يصبح وجهه مألوفًا. يقول للشرطي على البوابة: سلام عليكم، ويدخل، دون السؤال عن بطاقته، خصوصا البطاقة ذات العلامة المائية، المعروفة باسم (كارنيه الأمن الجنائي). هذا خطأ كبير بطبيعة الحال».
ويُعد التساهل في التعامل مع المندوبين وعمال المطار نوعًا من الأبواب الخلفية للدخول والخروج «ما قد يغري البعض باستغلال هذه الثغرة وهذه الثقة»، بالإضافة إلى ضعف الخبرة لدى بعض العاملين في المطار في التعامل مع أجهزة الكشف عن المعادن والمتفجرات، التي يتطلب العمل عليها تدريبًا حقيقيًا، مشيرًا إلى أن المطار توجد فيه أجهزة حديثة يتوجب على كل مسافر وكل حقيبة اجتيازها قبل الصعود إلى الطائرة، وعلى أعلى مستوى، وعدد منها أحدث مما هو موجود في مطارات مصرية أخرى «لكن المشكلة تكمن غالبا في العنصر البشري».
ويقول أحد العاملين في المطار إن هناك «ضباطًا وعساكر مسؤولين عن تأمين المطار لكن (ليسوا متيقظين).. مثلا هناك مندوبون عن شركات السياحة يدخلون إلى المطار لاستقبال الضيوف الجدد من السياح. وهؤلاء المندوبون معروفون لرجال الأمن، ويدخلون من أبواب خاصة، ولا يخضعون للتفتيش كما هو مفتَرض. يوجد، بالإضافة لهؤلاء المندوبين، عاملون مدنيون داخل المطار وفي الكافيتريات والمطاعم ومحال البيع. ومن كثرة الاعتياد على وجوههم لا يوجد اهتمام كبير بمتابعتهم أو تفتيشهم كما ينبغي في كل مرة يدخلون فيها المطار، سواء في فترات الصباح أو المساء».
وبينما تستمر التحقيقات الرسمية في محاولة لكشف غموض ما حدث للطائرة الروسية، تتزايد التكهنات والمخاوف بين العاملين والمستثمرين في شرم الشيخ من احتمالية وصول «داعش» إلى المدينة التي تدر على مصر أكثر من مليار دولار سنويًا. ويقول جمال الذي يدير مبنًى تجاريًا مؤسسًا على الطراز الفرعوني في منطقة خليج نعمة: «لا يمكن أن نتخيل أن تنظيم داعش في سيناء أو غير سيناء هو من قام بهذه العملية، لعدة أسباب، من بينها أنه لا تنظيم داعش ولا أي تنظيم آخر يمكنه جمع كل هذه الملابسات في بوتقة واحدة. قنبلة في حقيبة بضائع على طائرة روسية. لو كانت أي طائرة أخرى لكان يمكن التفكير في الأمر».
وبعد أن يستمع إلى تفسيرات مغايرة من زملائه في المبنى الذين أصبحوا عاطلين عن العمل، يضيف محاولا طرد المخاوف من «داعش»: «ثم إن (داعش) لو كانت لديه إمكانية للدخول إلى منتجع شرم الشيخ، لقام بتنفيذ أعمال مروعة، مثلما فعل تنظيم القاعدة في عام 2005، حين فجر سيارات مفخخة في ثلاثة أماكن، هي السوق القديم، وخليج نعمة، وغزالة. عملية مثل هذه كانت تغني (داعش) عن القيام بتفجير طائرة روسية في هذا التوقيت. توجد خفايا لا نعرفها».
وانتشرت في جلسات الدردشة في شرم الشيخ احتمالات أخرى لانفجار الطائرة، منها ما يتحدث عن أن أسطوانة أكسجين من تلك التي تُستخدم في الغوص ربما جرى شحنها مع البضائع على الطائرة الروسية ولم تكشفها أجهزة الأشعة، ولم تحظَ بالتأمين الكامل، حيث تكون هناك خطورة لانفجارها إذا لم تُفرغ من الأكسجين ولم تُخزن في الطائرة بالطريقة الصحيحة.
يقول خبير في الغوص في البحر الأحمر بعد أن فقد زبائنه من محبي مشاهدة الشعاب المرجانية في أعماق شواطئ شرم الشيخ، وهو يشرح هذه النظرية: «أسطوانات الغطس قابلة للانفجار في ظروف معينة». لكنه استبعد هذه الفرضية لسبب يبدو وجيهًا، حيث قال إن «السياح الروس لا يميلون عادة إلى ممارسة رياضة الغوص التي يفضلها الإنجليز والإيطاليون».
وعلى المستوى الرسمي تقول السلطات المصرية إنه لا يمكن الجزم بسبب الحادث، إلا بعد الانتهاء من التحقيقات التي يشارك فيها عدد من ممثلي الدول المعنية، بما فيها بريطانيا التي ظهر لها موظفون في مطار شرم الشيخ يرتدون سترات صفراء مكتوبًا عليها من الخلف «موظف في الحكومة البريطانية». ويؤكد جون، وهو أحد هؤلاء الموظفين البريطانيين وفي الثلاثينات من العمر، إنه يستقبل السياح أمام مطار شرم الشيخ، ويحل لهم مشكلاتهم، بالتعاون مع موظفي سلطات المطار المصرية.
وأضاف بشأن ما تردد عن تفضيل المصريين للروس في المعاملة أثناء المغادرة، وتسهيل عودتهم لبلادهم أكثر من البريطانيين، إن هذا غير صحيح، و«لكن المشكلة التي تواجهنا هي رفض كثير من السياح الاستجابة لنداء شركات الطيران لهم بالمغادرة في الأوقات التي حددتها لهم بعد حادث الطائرة الروسية. شركات الطيران حددت مواعيد تتعارض مع المواعيد التي وضعوها لأنفسهم سلفًا. وكثير منهم يرى أنه لم تكن هناك حاجة لكل هذه الفوضى».
ويقول موظف إنجليزي آخر في الأربعينات، يدعى سوندز، وهو يجلس مع عدد من السياح إنه موفد مع زملاء له آخرين من بلاده لمساعدة البريطانيين على إنهاء إجراءات سفرهم بأسرع وقت، نافيًا ما تردد عن وجود عراقيل تضعها السلطات المصرية أمام عودة البريطانيين. ووفقًا لمصادر أمنية في شرم الشيخ، فإن وجود موظفين إنجليز يشاركون بشكل أو بآخر في تأمين المطار يرجع لعدة شهور، بطلب من مصر.
ومن بين عشرات الرؤوس والحقائب، قالت كريستينا، وهي بريطانية تبلغ من العمر 36 عامًا، إنها جاءت إلى شرم الشيخ بوصفها سائحة منذ أسبوعين، لكنها تركت البحر ورياضة الغوص التي تحبها، وتحولت إلى متطوعة للمشاركة في تهدئة زملائها بعد حالة الهلع التي انتابت الكثير من السياح عقب إخطارهم من شركات الطيران البريطانية بضرورة المغادرة، وأن «من لن يضع اسمه الآن فلن يجد مكانًا». وأضافت: «من يريد أن يرحل فليرحل.. أنا باقية هنا، وكثيرون من جنسيات مختلفة باقون هنا حتى الاحتفال بأعياد الكريسماس الشهر المقبل».
وبينما غصت بوابات السفر بالسياح المغادرين، بدت بوابات الوصول فارغة ومهجورة. وقال ضابط في المطار: «الطائرات تأتي خاوية وتشحن السياح وتغادر. ووقف ثلاثة من موظفي المطار أمام باب الوصول، وهم يشعرون بالأسى. وقال أحدهم إن مشكلة شرم الشيخ قد تطول كلما تأخرت نتيجة التحقيقات»، وأضاف: «ما يحدث مؤامرة».
ويوجد في شرم الشيخ 325 فندقًا من بينها 228 من الفنادق والمنتجعات الكبرى. وتعتمد بشكل شبه كامل على العمالة الوافدة من خارج المدينة التي تنتظرها أيام اقتصادية صعبة، حيث بدت الأسواق دون زبائن ولا سهرات إلا فيما ندر، والشوارع شبه مهجورة، والشرطة في كل شارع وميدان. وعلى جانب طريق السلام، أي بعد مبنى المطار بقليل، كانت عناصر من الجيش تحفر لصنع متاريس من أجولة الرمل، بينما وقفت سيارة عسكرية وحولها جنود مقنعون بأسلحة رشاشة. وفيما تتجه الحافلات التي تقل السياح المغادرين إلى المطار، يركب سياح آخرون اختاروا البقاء، جمالا وخيولا ويعبرون بها الطريق إلى الجهة الأخرى.
وفي منتجع قريب يحوي 800 غرفة تطل على البحر وعلى البحيرات الصناعية، قال مديره المصري، واسمه محمد، وهو يحصي عدد من قرروا الرحيل ومن فضّلوا البقاء ومن ألغوا رحلاتهم من الخارج: «بريطانيا تنشر الذعر بين ألوف السياح الذين يحبون شرم الشيخ. وصلت إلينا أوامر من شركات الطيران البريطانية تطلب تمريرها على السياح الإنجليز بضرورة (الإخلاء فورًا)»، وأضاف: «هل المنطقة مقبلة على حرب كبرى؟ لأن هذا لا يحدث إلا في حالة الحرب. حوادث الطيران تقع في كل مكان، ولم نرَ إصرارًا على تنفيذ عمليات إخلاء مثل هذه».
وتجري عملية الإخلاء بطريقة آلية؛ تقوم شركة الطيران الإنجليزية المعنية بتجميع السياح من فنادقهم ومنتجعاتهم الأصلية، ثم تنقلهم بالحافلات وتضعهم في فنادق لها تعاقد مسبق معها (بروتوكول خاص بالتدخل في مثل هذه الأحوال). وتكون الفنادق الجديدة غالبًا قرب المطار. وجرت عملية تجميع آلاف السياح بهذه الطريقة منذ الأسبوع الماضي حتى يوم أمس، على أساس أن عدد الطائرات التي ستقل هؤلاء الناس لن يقل عن 24 طائرة بريطانية، لكن السلطات المصرية قالت إنه لن يكون في مقدورها استقبال أكثر من 12 طائرة في اليوم.
وأدى هذا إلى ارتباك كبير.. وقال صاحب فندق يقع في منطقة نبق في شرم الشيخ: «لدي 23 سائحًا إنجليزيًا رفضوا المغادرة أمس حين شاهدوا هذه الفوضى». وقالت شابة إنجليزية في طريقها صباح أمس إلى شاطئ البحر: «شرم الشيخ آمنة وسنكمل إجازتنا ونعود على مهل. لا يوجد شيء مزعج. لكن الخبر المزعج الذي وصل بعد ذلك بدقائق لأصحاب الفندق أن هناك نحو 80 سائحًا روسيًا يُفترض وصولهم بعد يومين، طلبوا إلغاء حجوزاتهم، وأنهم لن يأتوا إلى شرم الشيخ في الوقت الحالي بسبب تداعيات الطائرة المنكوبة».
وعلى كل حال، كما يضيف محمد الذي يدير منتجعات أخرى قرب القاهرة وفي الساحل الشمالي الغربي، أنه رغم كل شيء «فإن هذا لا ينفي أننا كمصريين في حاجة لمراجعة المنظومة الأمنية.. ليس في مطار شرم الشيخ فقط، ولكن في مطار القاهرة أيضًا.. زيادة رواتب العاملين في المطار وإخضاعهم لدورات تدريبية.. أحيانا تعبر حقيبتي من الجهاز بينما الموظف ينظر إلى الجانب الآخر، ويقول لي: مر.. هكذا بكل بساطة».
وشارك الرجل في اجتماع لكبار المسؤولين في شرم الشيخ عقد يوم أول من أمس (السبت)، لمتابعة التداعيات المحتملة لسقوط الطائرة الروسية. وأضاف أن «بعض المشاركين في الاجتماع تحدثوا بالفعل عن مشكلة التدريب والخبرة في العمل على أجهزة الكشف بالأشعة عن المعادن في حقائب السفر». وتابع قائلا إن المنظومة كلها تحتاج إلى مراجعة، بما في ذلك التشديد على حمل «كارنيهات (بطاقات) الأمن الجنائي». وأضاف: «بطاقتي لم تُجدد بعد، وانتظر تسلمها منذ ثلاثة أشهر، فما بالك ببطاقات صغار العمال والموظفين والغرباء الذين يتسكعون في المدينة..؟! في أيام الرئيس الأسبق مبارك لم يكن هذا ممكنًا. مَن ليس معه بطاقة من هذا النوع كان لا يُسمح له بدخول شرم الشيخ، ويعود للمدينة التي جاء منها».
وقال مصدر أمني إن عميدًا في الشرطة هو من أسّس نظام بطاقات «الأمن الجنائي» حين كان مسؤولا عن البحث الجنائي في شرم الشيخ في أواخر عام 2002 وبداية عام 2003، وذلك لتحقيق أعلى درجة من التأمين للمدينة التي يصل إليها كل عام مئات الألوف من مختلف دول العالم. وبالإضافة إلى تردد مبارك عليها في ذلك الوقت، كانت المدينة تتأهب لاستقبال مؤتمر «صانعي السلام» الضخم، حيث أصبحت بعد ذلك تستقبل مؤتمرات دولية يحضرها رؤساء ورجال دولة من مختلف بلدان العالم.
ويتطلب الحصول على هذه البطاقة موافقة ثلاث مؤسسات أمنية، هي «البحث الجنائي» و«الأمن الوطني (أمن الدولة)» و«المخابرات»، وذلك للتأكد من أن الذي سيعمل ويقيم في شرم الشيخ «نظيف من النواحي الجنائية والأنشطة السياسية هو وأسرته وأقاربه». ويقدم مع طلب الحصول على البطاقة رخصة عمل من الجهة التي سيلتحق بها والبطاقة الضريبية لهذه الجهة. وتجدد البطاقة كل عام، وكان لا يمكن دخول شرم الشيخ إلا بها.
ووفقا للمصادر، فقد تراجع الاهتمام بحمل هذه البطاقة بعد 2011، لعدة أسباب، منها «طول مدة الإجراءات التي أصبح يستغرقها صدور البطاقة، ويصل الأمر أحيانًا إلى ثمانية شهور، إضافة إلى عدم تطوير المطبعة الوحيدة التي تطبع هذه البطاقات، رغم زيادة عدد العمالة، وهذه المطبعة موجودة في منطقة اسمها الرويسات قرب شرم الشيخ». وفي السابق، أي قبل ثورة يناير، كان الكمين الأمني في نفق الشهيد أحمد حمدي على بعد نحو 350 كيلومترًا من شرم الشيخ يمنع مرور من ليست له صفة ولا يحمل بطاقة الأمن الجنائي إلى المدينة.
ثم تراجع السؤال عن البطاقة حتى أصبح على بعد 90 كيلومترًا من شرم الشيخ، أي في الكمين الأمني الموجود في بوابة الرويسات. وفي الوقت الحالي من النادر أن تجد كمينًا أمنيًا يسأل عن هذه البطاقة التي يعتقد الكثير من أصحاب فنادق ومنتجعات شرم الشيخ أنها كانت سببًا مهمًا في حفظ الأمن في المدينة طول سنوات، باستثناء التفجيرات الإرهابية التي وقعت عام 2005.


قرأت هذا الخبر على صفحات شبكة الإمارات الإخبارية ENN المقال مأخوذ عن الشرق الأوسط

شاهد أيضاً