الشخصية النرجسية تسبب النفور من صاحبها

تتعدد أنواع الشخصية الإنسانية، والتي تؤثر في تشكيلها العديد من العناصر والأفكار والأساليب، وهناك عدة أنواع من الشخصية التي تدخل في إطار الحالات المرضية، مثل الشخصية الانطوائية والاجتنابية، ومن ضمن أنواع الشخصيات ذات الطابع المرضي الشخصية النرجسية.
ويتحلى صاحب الشخصية النرجسية بصفات تدور حول ذاته ونفسه، مثل حب الذات والعجرفة والتلاعب، ويبحث الشخص المصاب بهذا الاضطراب عن الإعجاب، ولا يظهر أي تعاطف نحو الآخرين.
و يكون هذا الشخص منشغلاً دائماً بالأفكار والأوهام التي تتحدث عن جماله ونجاحه وتألقه، وهو يعتقد أنه يستحق معاملة خاصة ومتميزة، وفي المقابل فإنه لا يتحمل أي نقد أو هزيمة، ويرفض أن يرتبط بمن يظن أنه أقل في التميز والتفوق منه.
ونتناول في هذا الموضوع العوامل والأسباب التي تؤدي إلى مشكلة الشخصية النرجسية، وكذلك طبيعية هذه الشخصية، وطرق الوقاية الممكنة وسبل العلاج من هذه الحالة.

الذكور أكثر إصابة

يشير الباحثون إلى أن صفات الشخصية النرجسية تظهر على المصاب بها في مرحلة البلوغ المبكر، وتكون واضحة بشكل كبير في إطار دوائر العمل والعلاقات الاجتماعية.
وتشير الإحصائيات إلى أن اضطراب الشخصية النرجسية يصاب به الذكور أكثر من الإناث، وتبلغ نسبة الإصابة به حوالي 6%.
ويعتبر هذا النمط من السلوك غير ملائم بالنسبة لعامة الناس، ويصعب تشخيص هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة والبلوغ، وذلك نتيجة التطور الذي تتسم به الشخصية في هذه المرحلة العمرية، ويشترط لتشخيص هذا الاضطراب استمرار الأعراض عاماً كاملاً على الأقل.

عوامل معقدة

يشير الباحثون إلى أن أسباب اضطراب الشخصية النرجسية لا تزال مجهولة، ويميل المختصون إلى أن نموذج السببية البيولوجي النفسي الاجتماعي، وهو الذي يشمل العوامل البيولوجية والوراثية والاجتماعية، حيث يتفاعل الطفل أثناء النمو المبكر مع العائلة والأصدقاء.
وتشمل العوامل النفسية مزاج وشخصية الفرد الذي يتأثر بالبيئة، والآليات التي يكتسبها للتعامل مع الضغوط، ويؤكد نموذج السببية على تعقيد العوامل التي تسبب هذا الاضطراب وتشابك التفاعل فيما بينها، ولا يقتصر السبب على أي منها منفرداً.
ويرى بعض الباحثين أن هناك احتمالاً طفيفاً بزيادة خطر الإصابة نتيجة الوراثة، وذلك بانتقال الاضطراب إلى الأطفال من الوالدين.

قناع للمشاعر

تزيد بعض العوامل من الإصابة بهذا الاضطراب، مثل تجاهل الآباء لمخاوف واحتياجات طفلهم، وافتقاد الطفل للمدح والتشجيع، وتعرضه للإيذاء العاطفي أو الإهمال.
ويؤدي كذلك إسراف الوالدين في مدح الطفل، أو الاهتمام الزائد به إلى الإصابة بالشخصية النرجسية، ويمكن أن يكون وراء الإصابة تشتت الرعاية الأبوية بحيث لا يعتمد عليها، وانتقال السلوك السيئ إلى الأطفال من آبائهم.
ويفتقد الطفل فكرة أن الضعف أو الاحتياج هو أمر غير مقبول، وذلك نتيجة غياب هذا المعنى عند الأبوين، وهو الأمر الذي يجعله يفقد التعاطف مع الآخرين.
ويتجه إلى ارتداء قناع يخفي به مشاعره واحتياجاته، ويظهر التكبر والتعالي بشكل يظهره أمام الناس، مفتقداً للإحساس بهم والتعاطف معهم.

الغطرسة والعظمة

حدد الباحثون والأخصائيون عدداً من الأعراض حتى يمكن تشخيص الحالة بأنها اضطراب الشخصية النرجسية، ومن ضمن هذه الأعراض، أن يمتلك الشخص إحساساً بالغطرسة والعظمة، فهو يبالغ على سبيل المثال في إنجازاته، ويتوقع من الآخرين أن يصنفوه دائماً ضمن المتفوقين، دون وجود ما يستحق عليه ذلك.
ويمتلك تصوراً بأنه شخص استثنائي، أو أنه مميز، وبالتالي فإن أحداً
لايتمكن من فهمه أو التعامل معه، إلاّ هؤلاء الذين يماثلونه من الطبقات الاجتماعية العليا.
وتجد الكثيرين من المصابين بهذا الاضطراب يتصفون بحس عالٍ في مجال الاستحقاق، ولذلك فهم عندهم توقعات بتلقي معاملة أفضل، أو أن الآخرين يخضعون لتوقعاتهم بشكل تلقائي.

خيالات النجاح والسلطة

يستغرق المصابون بالشخصية النرجسية في خيالات لا نهائية، تشمل النجاح والسلطة والجمال والذكاء والحب، وتملأ هذه الخيالات عليهم مشاعر الفراغ الداخلي، وبالتالي فهم يتجاهلون كل الحقائق والآراء التي تفند معتقداتهم.
ويستغل المصاب الآخرين في تحقيق ما يطمح إليه من ثناء مستمر ومجاملة، ويبحث عن أمثال هؤلاء الذين يلبون احتياجاتهم الوسواسية بكثرة الحديث عنه وعن تميزه.
ويستغل الشخص النرجسي الآخرين، فهم مجرد أداة يصل بها لغايته، وبالتالي فهو لا يكترث بمشاعرهم ولا يتعاطف معهم.
ويعتقد دائماً بأنه يستحق المعاملة الأفضل، وبأن كل ما يطلب يجب أن ينفذ تلقائياً، وتتسم تصرفاته بالعنجهية، ويكون أمراً روتينياً في تصرفاته وسلوكياته، وبالرغم من ثقته المبالغ بها في نفسه وما يتسم به من الغرور والعظمة، إلا أنه حساس للغاية من الإهانات والشتائم، وتجده يتأثر بأقل الكلمات والإهانات.

شروط الجمعية الأمريكية

يتم تشخيص اضطراب الشخصية بصفة عامة عن طريق مختص نفسي، ويتم من خلال رصد الأعراض في عدد من الجلسات النفسية، وربما احتاج المصاب إلى ملء بعض الاستبانات.
ويمكن تشخيص حالة المريض بأكثر من اضطراب واحد، وذلك لأن أعراض اضطراب الشخصية النرجسية تتشابه مع بعض أعراض اضطرابات شخصية أخرى. ويتم تشخيص هذا الاضطراب بناء على الشروط الموضوعة من قبل الجمعية الأمريكية للأمراض النفسية، وذلك عند توافر عدد من الشروط في الحالة، وهي المبالغة في رؤية الأهمية الذاتية. وينشغل المصاب بأوهام النجاح أو السيطرة أو التفوق، ويكون لديه اعتقاد بأنه إنسان مميز للغاية، وبالتالي فإنه لا ينبغي عليه التواصل إلا مع أناس من نفس مستواه وتفكيره.
ويحتقر المصاب الآخرين، ويشعر بالحقد عليهم، ويستغلهم، ويفتقد القدرة على التواصل مع المحيطين، أو تقدير مشاعرهم، وبالتالي فإنه يتصرف معهم بكبر وغطرسة.

شعور الرفض والعزلة

يبدأ الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية في طلب المساعدة والبحث عن علاج عندما يشعر بالرفض والعزلة، أو عندما يتعرض للفشل في العمل أو الدراسة والعلاقات الشخصية، وتتولد لديه مشاعر الاكتئاب.
ولا يقبل المصاب بهذا الاضطراب عامة أي تشويه للصورة الشخصية التي يراها لنفسه، ويرفض تقبل أي خطأ في شخصيته.
ويعتمد علاج اضطراب الشخصية النرجسية على العلاج النفسي بصفة أساسية، وفي العادة يحتاج العلاج صبراً ووقتاً طويلاً، حيث تترسخ مكونات الشخصية في الإنسان مع مرور الوقت.
ويكون الهدف القصير التعامل مع مشاكل ضعف الثقة، والهدف الطويل تغيير القناعات والسلوكيات وإعادة تشكيل الشخصية.
ويمكن أن توصف بعض الأدوية التي تساعد في تخفيف حدة الأعراض المزعجة والمنهكة للقوى، وذلك مثل مضادات الاكتئاب التي تحسن حالة المصاب المزاجية.

أنواع العلاج

تشمل أنواع العلاج النفسي لهذا الاضطراب العلاج المعرفي السلوكي، ويهدف لاكتشاف الأفكار والسلوكيات الخاطئة وإحلال الصحيحة مكانها.
وتشترك الأسرة فيما يمكن أن يسمى بالعلاج الأسري، وذلك بهدف التعرف إلى مشكلاتها ومواجهتها، ويعد النوع الثالث هو العلاج الجماعي، وفيه يقابل المريض أشخاصاً آخرين يعانون من نفس الاضطراب، والهدف من ذلك هو تبادل الخبرات، واكتساب الشجاعة للحديث عن مشكلته.
يشير الأخصائيون إلى أن اضطراب الشخصية النرجسية لا يتحسن في مرحلة الكهولة والشيخوخة، وذلك يعود إلى زيادة التحديات، ولأن الأمر يصبح أكثر سوءاً مع تقدم المصاب في العمر. ويمكن أن يلجأ بعض المصابين بهذا الاضطراب إلى الاعتماد على أنفسهم أو المقربين منهم، وذلك يكون جزءاً من رد فعل الشخصية النرجسية، ويستطيع المصاب ملاحظة فوائد العلاج وتطبيقها على نفسه، ومنها كيفية التعامل مع ضغوط الحياة المختلفة.

تجنب المضاعفات

نستطيع توفير الوقاية من هذا الاضطراب، عبر الحرص على توفير العلاج في أسرع وقت، ومعرفة كيفية التعامل معه، ويمكن أن يتطور اضطراب الشخصية النرجسية في بعض الحالات إلى عدد من المضاعفات، وذلك مثل الإدمان والاكتئاب وأفكار أو محاولة انتحار، وعلاقات فاشلة ومشكلات في العمل والدراسة.
وينبغي على المريض التزام العلاج المقرر له من جلسات وكذلك الأدوية، ويتعلم عن المرض وأهم أعراضه وأسبابه، ويتخلص من الاكتئاب أو الإدمان، وهو ما يمكن أن يحرمه من الانتفاع بالعلاج، ويجب المسارعة بالعلاج، وإشراك الأسرة في خطة العلاج.

اختبار التداعيات الضمنية

يشير عدد من الدراسات إلى أن رد الفعل الأمثل تجاه المصابين باضطراب الشخصية النرجسية، هو الرثاء للحالة التي يكونون عليها، وذلك لأن الشخص النرجسي يعاني افتقاد احترام النفس والثقة بها، وهذا الأمر يختفي وراء الغطرسة والنرجسية التي يتعامل بها مع الآخرين، ومن خلال إجراء ما يعرف باختبار التداعيات الضمنية، تم تأكيد صحة هذا التحليل. ويقيس هذا الاختبار مدى سرعة ربط الإنسان بين الكلمات التي تشير إلى الذات والنفس، وبين الكلمات التي تدل على السعادة أو الحزن.
وأظهرت إحدى الدراسات الجديدة أن المصابين باضطراب الشخصية النرجسية، يسارعون إلى الربط بين المفردات التي تعبر عن الذات مثل أنا ونفسي ويخصني، وبين كلمات تتسم بالحزن مثل الموت والعذاب والألم، وذلك بالرغم من تصريحهم قبل بداية الاختبار للباحثين في الدراسة، بأن لديهم إحساسا عاليا بالثقة في النفس واحترام الذات.

شاهد أيضاً