ابوظبي – عبدالرحمن نقي : استضاف مجلس سعادة الدكتور عبدالله المحياس الأسبوعي في ابوظبي محور السياحة الثقافية واستدامة الثقافة للحديث عنه مع المفكرة الكاتبة آن الصافي وقالت الصافي: لأنه يتماشى مع اهتماماتي الشخصية والمهنية. هذا الموضوع هو جزء من مشروع “الكتابة للمستقبل” الذي أعمل عليه، والذي أصدرت حتى اللحظة 3 أجزاء من كتاب فكري ثقافي وجزء رابع قيد الإعداد، أتحدث فيه عن معالم هذا المشروع عبر مقالات وأوراق. يشمل هذا المشروع تطبيقات عملية في مجموعات قصصية وروايات وأعمال سردية ومسرحيات وقصص مخصصة للأطفال واليافعة.
يهدف مشروع “الكتابة للمستقبل” إلى استكشاف تأثيرات العصر الراهن على فكر الإنسان ومسارات المجتمعات. يتناول المشروع قضايا مثل البيئة والاستدامة، الثقافات الأصيلة والموروثات الثقافية، ثقافة التسامح، قضايا مجتمعات المدن المتعددة الثقافات، الكتابة الخضراء، الاقتصاد الجديد، وغيرها من المواضيع الحيوية. يسعى المشروع إلى تقديم رؤى وأفكار تعزز فهمنا لأهمية الثقافة والتراث في بناء مجتمعات مزدهرة ومستدامة.
أهمية السياحة الثقافية:
السياحة الثقافية ليست مجرد وسيلة لاكتشاف تاريخ وثقافة الشعوب، بل هي أداة لتعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة وتبادل المعرفة والتقاليد. تسهم السياحة الثقافية في دعم الاقتصاد المحلي من خلال جذب السياح وزيادة الإنفاق على الخدمات والمنتجات المحلية، كما تساهم في خلق فرص عمل متنوعة في مجالات مثل الضيافة والإرشاد السياحي والحرف اليدوية.
استدامة الثقافة:
تعني استدامة الثقافة الحفاظ على التراث الثقافي والموروثات الثقافية للأجيال القادمة. في ظل التحولات السريعة والاكتشافات العلمية المتسارعة، يصبح الحفاظ على الهوية الثقافية ضرورة ملحة لبناء مجتمعات قوية وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
السياحة الثقافية واستدامة الثقافة ليست فقط أدوات لتعزيز الاقتصاد المحلي، بل هي أيضاً وسائل لتعزيز التفاهم والتواصل بين الثقافات المختلفة. من خلال دعم هذه القطاعات، يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة للأجيال القادمة.
السياحة الثقافية واستدامة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة
السياحة الثقافية هي نوع من السياحة التي تركز على استكشاف الثقافات المختلفة بما في ذلك تاريخها، تراثها، تقاليدها، فنونها، وأسلوب حياتها. في دولة الإمارات العربية المتحدة، تجسد السياحة الثقافية من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة والمعالم التي تعكس العمق التاريخي والثقافي لهذه الدولة الفتية والمزدهرة.
أهمية السياحة الثقافية:
تعد السياحة الثقافية جزءًا أساسيًا من قطاع السياحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تشمل زيارة المواقع التاريخية، والمتاحف، والمهرجانات، والأحداث الثقافية. تقدم السياحة الثقافية تجربة غنية وفريدة للزوار، مما يسهم في تعزيز التفاهم والتبادل الثقافي بين الشعوب. كما تساهم في نمو عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يشملها قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية.
وقفات عند بعض معالم المشهد الثقافي في دولة الإمارات:
المهرجانات والمؤتمرات والملتقيات الثقافية:
تستضيف الإمارات العديد من المهرجانات الثقافية السنوية التي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم، مثل مهرجان دبي للتسوق، ومهرجان أبوظبي للفنون، ومعارض الكتاب في الشارقة وأبوظبي. إضافة إلى الجوائز والمسابقات العالمية مثل الجائزة العالمية للرواية العربية وجائزة الشيخ زايد للكتاب. تساهم هذه الفعاليات في نشر الثقافة الإماراتية وتعزيز التبادل الثقافي بين الدول.
العمارة التقليدية والحديثة:
تعكس العمارة في الإمارات تناغمًا فريدًا بين التراث والحداثة. من برج خليفة الشاهق إلى الأبراج التراثية في الشارقة، يظهر التنوع المعماري المذهل الذي يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. تشمل المعالم البارزة مسجد الشيخ زايد ومتحف اللوفر وقصر الوطن وقصر الإمارات في أبوظبي، ومتحف المستقبل وبرج العرب في دبي، بالإضافة إلى الحصون القديمة مثل قصر الحصن في أبوظبي.
الفنون والحرف التقليدية:
تشتهر الإمارات بالحرف التقليدية مثل صناعة الفخار، والنسيج، والصناعات اليدوية التي تُعرض في الأسواق التقليدية مثل سوق العرصة في الشارقة. توفر هذه الأسواق فرصة للزوار لتجربة واقتناء المنتجات التراثية الأصيلة.
دور السياحة الثقافية في الاقتصاد:
- زيادة الإيرادات:
تدفقات السياح الأجانب والمحليين تساهم في زيادة الإيرادات الوطنية عبر الإنفاق على الفنادق، والمطاعم، والتسوق، والأنشطة الثقافية.
- تنمية البنية التحتية:
الاستثمار في تطوير وتحسين المواقع الثقافية والأثرية يؤدي إلى تحسين البنية التحتية العامة، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي. تشهد الإمارات تطوراً في البنية التحتية السياحية المستدامة مثل الفنادق الصديقة للبيئة والمباني الخضراء، محققة درجة عالية من الثقة في هذا القطاع.
- إتاحة فرص العمل:
توفر السياحة الثقافية فرص عمل متعددة ومتنوعة تشمل الوظائف المباشرة مثل المرشدين السياحيين، موظفي الفنادق، منظمي الفعاليات، والعاملين في المتاحف والمواقع الأثرية، بالإضافة إلى الوظائف غير المباشرة في قطاعات النقل، المطاعم، الصناعات الحرفية والتقليدية، والخدمات اللوجستية.
- تعزيز الاستدامة:
تعتمد السياحة الثقافية المستدامة على الحفاظ على الموارد الثقافية والطبيعية للأجيال القادمة. تعمل حكومة دولة الإمارات على تعزيز السياحة المستدامة من خلال سياسات واستراتيجيات تركز على حماية البيئة والحفاظ على التراث الثقافي وتحقيق التنمية المستدامة، مثل “مبادرة دبي الخضراء” و”استراتيجية السياحة المستدامة لأبوظبي”.
من خلال الحفاظ على التراث الثقافي وتطوير البنية التحتية المستدامة، تسهم الإمارات في بناء مستقبل مشرق ومستدام للأجيال القادمة.
أهمية الحفاظ على الموارد الثقافية والطبيعية للأجيال القادمة
- الحفاظ على التراث:
تتم حماية المواقع الأثرية والثقافية وصونها من الاندثار عبر ترميمها وتطويرها بشكل مستدام. مثال على ذلك، يبرز حصن عجمان كأحد المعالم الأثرية في الدولة، حيث تم ترميمه وتحويله إلى متحف متكامل يحوي نماذج من المقتنيات الأثرية، والمخطوطات، والأسلحة القديمة، وصوراً من الحياة الاجتماعية القديمة.
التعليم والتوعية:
نشر الوعي بأهمية التراث الثقافي والمحافظة عليه بين السكان المحليين والسياح. عبر الأنشطة المدرسية والفعاليات الدورية والقنوات الإعلامية بتنوعها. من النماذج الأكاديمية التي أنشئت لدعم هذه القطاع، معهد الشارقة للتراث يُعدّ صرحًا علميًا وأكاديميًا وثقافيًا يعمل على ترسيخ المعارف التراثية والفنون الشعبية من خلال برامج مهنية متنوعة بإشراف نخبة من الأكاديميين والخبراء. كذلك، أكاديمية الشعر في أبوظبي تُعنى بتدريس الشعر النبطي وهو تحت إدارة هيئة أبوظبي للتراث التي تنظيم الأنشطة الثقافية المتعلقة بالحقل التراثي.
التشجيع على السياحة المسؤولة:
توجيه السياح نحو ممارسات سياحية مسؤولة تضمن تقليل التأثير البيئي السلبي ودعم المجتمعات المحلية.
استخدام التكنولوجيا المتقدمة:
استخدام التكنولوجيا المتقدمة في إدارة السياحة يمكن أن يساهم في تحقيق الاستدامة. يمكن تطبيق التقنيات الذكية لتقليل استهلاك الموارد وتحسين كفاءة العمليات السياحية. مشاريع مثل “المدن الذكية” التي تتبناها دبي وأبوظبي تعزز من تطبيق هذه التكنولوجيا.
استراتيجيات اقتصاد المستقبل:
تشمل استراتيجيات اقتصاد المستقبل، مثل “مئوية الإمارات 2071” وخطة “اقتصاد الخمسين”، تعزيز السياحة المستدامة عبر التكنولوجيا المتقدمة، وفتح أسواق جديدة، ودعم الشركات العائلية، وحماية وتحفيز الاستثمار في حقل السياحة مجملاً والسياحة الثقافية تحديداً.
قطاع السياحة ونمو الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة
السياحة الثقافية ليست فقط وسيلة لاستكشاف تاريخ وثقافة الإمارات، بل هي أيضاً أداة فعالة لدعم الاقتصاد المحلي وتعزيز التفاهم الثقافي، مما يسهم في بناء مستقبل مستدام ومشرق للأجيال القادمة.
يعتبر القطاع السياحي من القطاعات الأساسية التي قادت نمو الاقتصاد الإماراتي، حيث ارتفعت مساهمة قطاع السياحة والسفر في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 60.2% خلال عام 2022، لتصل إلى قرابة 167 مليار درهم. في عام 2023، من المتوقع أن تصل هذه المساهمة إلى نحو 180.6 مليار درهم بنمو 8.3% عن عام 2022.
إحياء التراث بمشاريع سياحية واعدة:
توجد العديد من المشاريع الهادفة على أرض الواقع والتركيز هنا نحو ما أجده غاية فيالأهمية:
إحياء تراث صيد اللؤلؤ
- زراعة اللؤلؤ في الإمارات
كان موسم صيد اللؤلؤ في الإمارات يُسمى “الغوص الكبير”، ويمتد من 1 يونيو إلى 30 سبتمبر، حيث توفر الطقس المثالي للغوص. مع تقدم التكنولوجيا، أصبحت زراعة اللؤلؤ أسهل من صيده، حيث يتم إدخال نواة مستديرة ونسيج مفرز للؤلؤ إلى المحار، مما يزيد من إنتاج اللؤلؤ بنسبة 60%، مقارنةً بالطريقة التقليدية.
يمكن أن تكون مبادرة إحياء تراث صيد اللؤلؤ بالطرق التقليدية عبر استخدام السفن الخشبية التقليدية فرصة جيدة للاستثمار في السياحة. هذه التجربة الفريدة تتيح للشباب الإماراتي والسياح من جميع أنحاء العالم المشاركة في تجربة تراثية غنية.
هنا من الممكن أن يتح باب استخدام الميتافيرس والألعاب الإلكترونية لتحقيق ذات الغاية بشكل يعزز الإقتصاد المحلي.
- التخييم بالطرق التقليدية
توجد العشرات من المشاريع في هذا المجال، بتشجيع السياحة الصحراوية من خلال التخييم بالطرق التقليدية يعزز من تجربة الحياة البدوية ويتيح للزوار فرصة للاستمتاع بجماليات الطبيعة الصحراوية. يمكن للشركات المحلية تنفيذ مشاريع توفر الخيم التقليدية والخدمات المرتبطة بها لتعزيز هذا النوع من السياحة بشكل يوفر ذات تفاصيل الحياة البدوية بحيث يمضي السياح والمهتمين الأسابيع والأشهر في ذات الأجواء التراثية.
- بيوت ضيافة الطلبة والسياح
استضافة الطلبة والسياح من قبل الأسر المحلية، ليتم اختيار هذه الأسر بمعايير وتسمى الأثر النموذجية، يمكن عبر هذه الآلية أن تكون طريقة لتعريف السياح والدارسين بالعادات والتقاليد واللهجة المحلية. كذلك تهيئة منازل شعبية من الطراز القديم لتكون مساكن للسياح يمكن أن تقدم تجربة حياة تراثية عريقة بحيث تقدم ذات الوجبات الشعبية وتقديم العروض الفلكلورية.
التحديات
تواجه السياحة الثقافية تحديات مثل الإفراط في التجارة، ونقص مشاركة المجتمع، والتأثير البيئي. مع التخطيط والإدارة السليمة، يمكن التغلب على هذه التحديات لتحقيق فوائد كبيرة للمجتمعات المحلية والحفاظ على التراث الثقافي.
استدامة السياحة
تعزز الإمارات الاستدامة في القطاع السياحي من خلال مبادرات مثل “الاستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية 2031″، التي تهدف إلى تحقيق استدامة السياحة باستخدام الابتكار والتكنولوجيا. كما تركز على السياحة المسؤولة لتقليل الانبعاثات الكربونية، مما يسهم في تحقيق مستهدفات الدولة للحياد المناخي 2050.
الخلاصة
السياحة الثقافية في الإمارات ليست فقط وسيلة لدعم الاقتصاد الوطني، بل هي أيضًا جسر للتواصل والتفاهم بين الثقافات. من خلال الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، تضع الإمارات نفسها كنموذج يحتذى لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، مما يتيح فرص عمل جديدة ويعزز الاستدامة للأجيال القادمة.