الزرنيخ المسبب للسرطان يتسرب لبعض أنواع الغذاء

تتعالى الصيحات الآن من أجل التأكد من سلامة بعض الأطعمة، لأن الكثير من الدراسات كشفت أضراراً لم تكن معروفة من قبل، وكما هو معروف أن النظام الغذائي يحدد نمط الصحة التي يعيش بها الشخص، فكلما كان الطعام صحياً كلما تمتع الشخص بقوة ونشاط وحيوية، كما يتجنب الكثير من المشاكل الصحية والأمراض. و تعتبر اللحوم بصفة عامة أساس الوجبات الغذائية، وتعتمد عليها المجتمعات في بناء الجسم السليم، ومصدر منتجات اللحوم هي مزارع المواشي والدواجن، وهذه المزارع تستخدم برنامج تربية وتنمية إنتاج اللحوم، والذي غالباً ما يعتمد على بعض الأدوية والعقاقير المصنعة من المواد والمركبات الكيميائية.
تقوم الأبحاث بعمل تجارب على تأثير هذه الأدوية في اللحوم التي نتناولها، حيث ينتقل هذا التأثير إلى الأشخاص عبر أكلها، وتقدم نتائجها للمؤسسات المسؤولة لاتخاذ اللازم في حالة وجود أضرار من هذه الأدوية.
ومؤخراً توصل فريق من الباحثين بمنظمة الصحة العالمية إلى وجود أضرار بالغة من تناول الدواجن، وذلك بسبب وجود الزرنيخ في لحوم هذه الدواجن، والتي تغلغل فيها من خلال الأدوية التي توضع لهذه الدواجن لتحسين الإنتاج.
ونتناول في هذا الموضوع الأضرار الناجمة عن تناول الدجاج الملوث بالزرنيخ، والذي يسبب الإصابة بأمراض السرطان، بل يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في حالة تناول جرعات زائدة.

الإسهال والتقيؤ

ويعتبر الزرنيخ من العناصر الكيميائية ويتواجد في حالة عضوية أو غير عضوية، وله تأثير ضار في صحة الأشخاص والحيوانات والدواجن، ولكن النوع الأشد خطراً الزرنيخ غير العضوي، لأنه يسبب الإصابة بأمراض السرطان.
ودخول جرعات مستمرة إلى الجسم وتناول الأطعمة التي تحتوي على الزرنيخ بكميات كبيرة يتسبب في ظهور الخلايا السرطانية، وتتوفر بعض العلامات على وجود كميات كبيرة من هذا العنصر في الجسم، ومنها الإصابة بالإسهال والتقيؤ المستمر والشعور بألم متكرر في المعدة وضعف العضلات وانخفاض كتلتها.
ويحتوي الدجاج المغلق على الزرنيخ العضوي، لأن بعض مزارع تربية الدواجن تضع الزرنيخ في طعام الدجاج والمواشي ليزيد حجمها بصورة كبيرة ويرتفع الوزن، ويحصد رجال الأعمال أموالاً طائلة دون الاهتمام بما تحدثه هذه اللحوم في صحة المستهلكين.

الربط بالسرطان

يشير أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى أن الزرنيخ يعد مكوناً طبيعياً لقشرة الأرض، والتي يتم توزيعها عبر الهواء والماء والأرض، وتبين المنظمة أيضاً أن الكثير من الأشخاص يتعرضون للزرنيخ، وذلك عن طريق المياه الملوثة في إعداد الطعام وري المحاصيل الغذائية، فضلاً عن استهلاك الأغذية الملوثة به.
ويوضح تقرير منشور حديثاً في صحيفة ديلي هيلث بوست، أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية اعترفت مؤخراً بأن صدور الدجاج تحتوي على عنصر الزرنيخ، والذي يسبب الإصابة بمرض السرطان المميت، لكن المزيد من الأبحاث توضح أن هذه النتيجة تم تأكيدها بالفعل منذ سنوات.
وتذكر جمعية السرطان الأمريكية أن التعرض لمستويات عالية من الزرنيخ تم ربطه بأنواع مختلفة من السرطان، بالإضافة إلى أن ذلك ظهر أيضاً من خلال إجراء دراستين رئيسيتين لمحاولة معرفة ما إذا كان هناك ارتباط بين الزرنيخ والسرطان.

يعزز النمو

ونشرت جريدة نيويورك تايمز تقريراً مفصلاً في يونيو عام 2012 عن إحدى أكبر شركات تصنيع الدواء في العالم، والتي كانت تستخدم الزرنيخ في صناعة أنواع من الأدوية التي تنتجها هذه الشركة، وتستخدم في مزارع إنتاج اللحوم، حيث تقدم إلى الماشية والأبقار والأغنام، للحصول على صفات ومميزات وجودة أكثر في هذه الحيوانات.
وكشف هذا التقرير أن هذه الأدوية تمت الموافقة عليها لأول مرة في عام 1944، لأنها قادرة على قتل الطفيليات المعوية الموجودة في أمعاء الماشية والأغنام والحيوانات، كما يعزز عملية النمو لديها ويجعل لون اللحم وردياً وأكثر جاذبية للمستهلك، وافترض وقتها الأشخاص المنتجون في هذه المزارع بما أن هذه الأدوية تحتوي على الزرنيخ العضوي، فلن يكون له أي ضرر على الأفراد الذين يستهلكون لحوم هذه الحيوانات التي تحتوي عليه.
وأوضح تقرير الصحيفة أن هناك أدلة متزايدة على أن الزرنيخ العضوي لديه القدرة على التحول إلى الزرنيخ غير العضوي، ولذلك قرر مركز الطب البيطري التابع لإدارة الغذاء والدواء ومركز سلامة الأغذية والتغذية التطبيقية بأمريكا تطوير طريقة جديدة لقياس كميات الزرنيخ غير العضوي في هذه اللحوم، لضمان سلامة الأفراد المستهلكين.

تعليق بيع الأدوية

وأضاف التقرير أن عدداً من الباحثين في منظمة الصحة العالمية قاموا بعمل دراسة حديثة، واستخدموا 100 دجاجة تمت تغذيتها على الدواء المكون من الزرنيخ العضوي، وبعدها تم قياس كمية الزرنيخ غير العضوي في أكبادها، وتبين من النتائج أن الدجاج الذي تمت تغذيته على هذا الدواء كان لديه مستويات أعلى من الزرنيخ غير العضوي.
بعد إجراء هذه الدراسة والإبلاغ عن نتائجها، قدمت شركة الأدوية العالمية ما توصلت إليه في دراساتها الخاصة لصحيفة نيويورك تايمز، والتي أجرتها على أدوية «نيترو-3» ووجدتها آمنة تماماً.
ولكن اضطرت هذه الشركة العالمية للأدوية إلى تعليق جميع مبيعات إنتاجها من هذه الأدوية إلى حين إجراء تقييم علمي كامل، بسبب النتائج المختلفة التي قدمتها منظمة الصحة العالمية للأبحاث عن هذه الأدوية، كما أكد أحد العلماء في اتحاد المستهلكين العالميين أن الزرنيخ العضوي يعتبر من أبرز مسببات السرطان، وأن البحث والدراسة التي تمت على هذه الأدوية طال انتظارها، إلى أن ظهرت نتائج دراسات منظمة الصحة العالمية الأخيرة.

إزالة هذه المادة

وأشار المجلس الوطني لإنتاج الدجاج بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أنه تم إنتاج حوالي أكثر من 9 مليارات من الدجاج المخصص للحوم، ويبلغ سعرها الإجمالي 55 مليون دولار وذلك في عام 2017 وحده.
وبعد النتائج الأخيرة التي ظهرت في هذا الجدل الشديد، والذي يجري منذ ما يقرب من عقد من الزمان، قررت إدارة الأغذية والأدوية بأمريكا في النهاية إزالة هذه المادة الكيميائية السامة بالكامل من لحوم الدواجن، للتخلص من أي شبهات والحفاظ على صحة المستهلك.
ولا تزال بعض شركات الأدوية تقول إن كمية الزرنيخ الموجودة في الدواجن منخفضة للغاية، في حين أن معظم المستهلكين ينتقدون إدارة الأغذية والعقاقير لمعرفة هذه المشكلة قبل وقت طويل من الإعلان الرسمي، ولم يتخذوا القرار المناسب وقتها.

أدلة كافية

وذكرت الصحيفة أنه بعد سنوات طويلة من وجود هذه القضية تحت البساط دون لفت الانتباه، أصبحت الآن تجتاح الرأي العام الذي تعرف إلى الأضرار الناتجة عن تناول لحوم الدواجن، وتأمل الجريدة أن لا يلاحظ أحد أن إدارة الأغذية والعقاقير أقرت في النهاية، بأن لحم الدجاج الذي يباع في الولايات المتحدة يحتوي في الواقع على الزرنيخ، الذي يمكن أن يكون قاتلاً بجرعات عالية.
وكشف التقرير أن السبب في استغراق إدارة الأغذية والعقاقير لفترة طويلة في الاعتراف بأن هذه المادة الكيميائية السامة كانت ضارة بالدجاج، والتي كان من السهل تخمينها أو ترجيح ضررها، وربما كان الهدف منه حماية الصناعات الدوائية التي تبيع هذه المادة الكيميائية، أو يمكن أن يكون الهدف ببساطة التأكد من وجود أدلة كافية لدعم ادعائهم، والذي من شأنه تغيير نمط الاستهلاك في العالم إلى الأبد.
وانتهى التقرير إلى أن الأدلة المهمة والموثقة تدعم اتجاه المخاطر التي تحملها هذه المادة الكيميائية على جسم الأشخاص المستهلكين للحوم الدواجن، وليست الدعوة عامة لمقاطعة منتجات الدواجن كلها، ولكن هناك الكثير من المنتجات التي لا تحتوي على مادة الزرنيخ، وللتأكد من ذلك يجب قراءة ملصقات المنتجات بعناية وتدقيق.

الأورام الخبيثة في الرئة

ركزت بعض الدراسات على تعرض بعض الأشخاص للزرنيخ، وخاصة الذين يتعاملون ويستخدمون المبيدات الحشرية التي تحتوي على الزرنيخ، وتابعت هذه الدراسات آلافا من هؤلاء العمال لمدة تصل إلى 50 عامًا، وتوصلت إلى استمرار زيادة أعداد المصابين بسرطان الرئة مع التعرض لفترة طويلة لعنصر الزرنيخ.
وظهرت دراسات وأبحاث وتجارب أخرى من أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، والتي تابعت تأثير وجود مستويات عالية من الزرنيخ في مياه الشرب على الصحة، وبالفعل وجدت هذه الدراسات عددا من المخاطر التي تحدث بسبب تلوث المياه بهذا العنصر، ومنها الإصابة بسرطان المثانة والكلى والرئة والجلد.
وتشير دراسة حديثة واسعة أخرى إلى أنه تبين وجود حوالي 139 مليون شخص مصاب بدرجات من تسمم الزرنيخ، وذلك في 80 دولة حول العالم، ومعروف أن الزرنيخ من أكثر السموم التي تستخدم في قتل الآخرين.
وتوضح الدراسة أن مشكلة الزرنيخ أنه بلا لون أو طعم أو رائحة، وبالتالي يسهل إضافته للأغذية والمشروبات دون أن يشعر أحد بوجوده، كما أن أعراضه تظهر بعد مدة طويلة وتتشابه مع الكثير من الأعراض الأخرى، مثل مشاكل الجهاز الهضمي عموما، وبالتالي يصعب تشخيص الحالة على أنها تسمم الزرنيخ.
ويسهل الكشف عن الزرنيخ في الجسم حتى بعد تحلل جثة المتسمم بشكل كلي، لأنه يوجد في العظام ويصل إلى التربة أيضا.

شاهد أيضاً