الشارقة – عبدالرحمن نقي : حصلت الباحثة الإماراتية غنيمة حسن عبدالله البحري على درجة الدكتوراة وبامتياز من جامعة الشارقة على رسالتها “السياسة الاجتماعية لمواجهة العنف ضد المرأة في مجتمع الإمارات” بإشراف: الأستاذ الدكتور حسين العثمان وضمت لجنة المناقشة: الأستاذ الدكتور محمد أبو العينين، الدكتور محمد الحوراني، الدكتورة نورة قنيفة.
وخرجت الدراسة بجملة من التوصيات والتي من شأنها تحسين السياسة الاجتماعية لمواجهة العنف ضد المرأة في مجتمع الإمارات، والرامية لخلق مجتمع آمن لجميع الأفراد، وخال من كل أشكال العنف والإيذاء والاستغلال القائم على النوع الاجتماعي .
ودعت الدكتورة غنيمة البحري الى إصدار تشريع خاص بحماية المرأة من العنف، بحيث يوضح التعريف القانوني للعنف بكل أشكاله وصوره، ويتوسع في آليات إثبات العنف خاصة العنف العاطفي واللفظي، ويوضح آليات التدخل القانونية من مختلف الجهات، ويغلظ العقوبات على المعنفين، ويلزمهم بالخضوع إلى برامج التأهيل النفسي، مع ضرورة تكثيف برامج التوعية والتثقيف بهذا القانون لتصل إلى كافة الفئات والجاليات وبمختلف اللغات.
وطالبت بالتوسع في إنشاء دور الإيواء لتشمل كافة الإمارات لضمان توافر وإتاحة هذه الخدمات للجميع، على أن تستفيد الجهات المعنية بتصميم وتنفيذ هذه الدور من التجارب المحلية الرائدة في بقية الإمارات.
وناشدت بإنشاء خط وطني موحد لتلقي بلاغات العنف ضد المرأة من كافة الإمارات لضمان سهولة تواصل الضحايا مع هذا الرقم ولتوحيد معايير الرد والاستجابة، مع التوصية بتبني نفس آلية عمل خط عمليات الشرطة في توزيع الاتصالات على الخطوط المحلية، ففي حال تواصلت أي ضحية من أي إمارة على هذا الرقم يتم تحويها بشكل فوري وآلي إلى الرقم المحلي المستخدم حاليا في الإمارة المعنية بتلقي البلاغ، بمعنى أن الخطوط المحلية ستنضوي تحت هذا الرقم الموحد وستؤدي مهامها كالسابق ولكن مع تنظيم تنسيق أفضل في ظل توحيد المعايير والمؤشرات.
واكدت أهمية اعتماد دليل وطني لمصطلحات وإجراءات وتصنيفات العنف ضد المرأة بحيث تتوحد المعايير الوطنية المستخدمة في تعريف ورصد العنف وتحديد أشكاله وصوره ودرجات خطورته، ومن ثم تحديد سرعة الاستجابة للبلاغات تبعا ذلك لضمان جودة وكفاءة الخدمات في مختلف الإمارات والجهات.
وطالبت البحري بإنشاء نظام الإحالة الوطني الإلكتروني لربط كافة الجهات التي تقدم خدمات متنوعة للمرأة المعنفة، بحيث يستخدم هذا النظام للتبليغ عن الحالات وإحالة الملفات بين الجهات لتقوم كل جهة بتقديم الدعم للحالة وفقا لاختصاصها لضمان جودة العمل التشاركي ومنعا للازدواجية في العمل.
وطالبت بإنشاء قاعدة بيانات وطنية ذات معايير موحدة تدخل فيها كافة الجهات المعنية البيانات الإحصائية الخاصة بها، ومن ثم يتم إعداد تقارير ربعية وسنوية إحصائية تعرض على متخذ القرار وراسم السياسة ليبني قراراته وسياساته على الأدلة المتوفرة بعد اتضاح الصورة حول حجم المشكلة وخصائصها. كما يوصى بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الاستفادة من هذه البيانات لرسم خارطة توضح المناطق الساخنة التي تنتشر فيها بلاغات العنف، وللتنبؤ بمستقبل القضية من حيث حجمها وأنماطها، وللكشف المبكر عن أكثر الفئات عرضة لها في المجتمع، وما يتبع ذلك من وضع سيناريوهات استباقية للتعامل معها، واعتماد مؤشرات وطنية حول العنف ضد المرأة في مجتمع الإمارات، تساعدنا على معرفة وضعها الراهن فيما يتعلق بحجم المشكلة وخطورتها وشدتها، ومن ثم مراقبة أثر مختلف التشريعات والبرامج والخدمات في تحسنها.
وأكدت التوسع في برامج التمكين المالي والمهني للنساء المعنفات، وما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في قانون المنافع المالية الخاص بالمواطنات بحيث لا يشترط لصرف المنفعة وقوع الطلاق للضرر، إلى جانب أهمية التوسع في تنفيذ الدورات وبرامج التمكين المهني والحرفي لجميع الضحايا، ومساعدتهن في الحصول على وظائف لكسر حلقة العنف الناتجة عن اعتمادهن على المعنف في تأمين الاحتياجات، إلى جانب السعي إلى تأسيس المزيد من الصناديق الداعمة لمشاريع النساء المعنفات من مختلف الجنسيات لمساعدتهن على فتح مشاريعهن الخاصة.
وتمنت بالتوسع في إجراء البحوث والدراسات الكمية والنوعية في مجال العنف ضد المرأة في مجتمع الإمارات والسياسات المرتبطة بها، للوصول إلى فهم أعمق وأشمل عن واقع المشكلة في المجتمع، والتوسع في عقد شراكات مع المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية لرأب الفجوة بين القطاع الأكاديمي والعاملين في الميدان ولتفعيل دور هذه المؤسسات في البحوث الموجهة للسياسات والداعمة لمنظومة العمل الاجتماعي.
وأكدت البحري أهمية تعزيز برامج التوعية والتثقيف المجتمعي، من خلال إطلاق أجندة وطنية توعوية تتضمن قائمة بالمواضيع الهامة التي يجب نشر الوعي عنها في مجال العنف ضد المرأة، وتحديد الجهات المسؤولة عبر القطاعات المختلفة عن تنفيذ هذه الحملات والبرامج، ومتابعة تنفيذها وقياس أثرها على أرض الواقع، مع الاستفادة من الفرص المجتمعية المتوفرة كتقنيات الذكاء الاصطناعي، والمتطوعين، ومؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، والمناهج الدراسية وخطب الجمعة، وأندية الجاليات والسفارات لإيصال هذه الرسائل التوعوية لأكبر شريحة في المجتمع ولمختلف الأعمار وبمختلف اللغات، وبطرق تراعي الفروقات الثقافية القائمة، مع ضرورة التركيز على إبراز بعض قصص النجاح الملهمة للنساء المعنفات اللواتي نجحن في كسر حلقة العنف لتكون هذه القصص بمثابة الدافع للأخريات.
وتمنت البحري تطوير برامج بناء القدرات للعاملين مع الضحايا في مختلف القطاعات، وما يتضمنه من مشاريع مختلفة لرفع معارف ومهارات العاملين في هذا المجال، كإطلاق منظومة الترخيص المهني للمهنيين والممارسين الذين يقدمون خدمات للضحايا في جميع القطاعات لمراقبة أدائهم، ولتسجيلهم في برامج التعلم المستمر لاستدامة تطوير معارفهم. إلى جانب إطلاق مشاريع أخرى كاعتماد دبلومات أكاديمية وبرامج دراسات عليا تخصصية في الجامعات في مجال العنف ضد المرأة وسياساتها، إلى جانب أهمية القيام بمراجعة قوانين الموارد البشرية على المستوى الاتحادي والمحلي للتأكد من أن هؤلاء الممارسين والمتخصصين يتلقون مزايا ورعاية لائقة لتجنب إصابتهم بالإرهاق أو الاحتراق الوظيفي.
وناشدت البحري بأهمية تطوير العمل التشاركي بين القطاع الحكومي والخاص والأهلي، وذلك من خلال تعزيز برامج المسؤولية المجتمعية لتساهم هذه القطاعات بشكل أكبر في دعم المشاريع الخدمية والتوعوية والبحثية الخاصة بالقضية، إلى جانب مساهماتها في دعم مشاريع التمكين من خلال تمويل المشاريع الخاصة بالتعليم والتدريب وتوفير الوظائف للضحايا. إلى جانب التفعيل الجاد لدور مؤسسات المجتمع المدني خاصة في مجال تقديم الخدمات والتوعية وتنظيم الجهود، ويوصي الباحث في هذا الإطار ببناء شبكة افتراضية تجمع كل منظمات المجتمع المدني على المستوى الوطني لتبادل الخبرات والممارسات الجيدة في مجال دعم قضايا المرأة، ولتنسيق العمل بينها بشكل أفضل.
وقالت الدكتورة البحري ان من أبرز النتائج انه قد سعت هذه الدراسة إلى التعرف على حجم العنف الممارس تجاه النساء في مجتمع الإمارات، وتحديد أبرز أشكاله وصوره، إلى جانب التعرف على أكثر مرتكبي العنف، والكشف عن الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للنساء المعنفات في مجتمع الإمارات من واقع سجلات دور إيواء النساء المعنفات في دولة الإمارات. بالإضافة إلى ما سبق، هدفت الدراسة إلى التعرف على أبعاد السياسة الاجتماعية لمواجهة العنف ضد المرأة في مجتمع الإمارات، وتحديد أبرز نقاط القوة والضعف في أبعاد هذه السياسة من منظور النساء المعنفات ومقدمي الخدمات، إلى جانب منظور المسؤولين ومتخذي القرار في هذا الشأن، كما سعت إلى التعرف على أهم الفرص المتاحة لتحسينها وأهم التحديات التي قد تعرقل هذه الجهود، إلى جانب الكشف عن توقعاتهم حول مستقبل هذه السياسة وما يجب وضعه على أجندة متخذ القرار من أولويات لضمان تحسينها.
لتحقيق أهداف الدراسة، تم استخدام منهج تحليل الوضع الراهن بالاعتماد على البيانات المتوافرة، إلى جانب الاعتماد على أدوات مجموعات النقاش المركزة والمقابلات من أجل الوصول إلى معلومات أكثر عمقا عن السياسة والمتأثرين بها، فقد تم توظيف هذا المنهج في الدراسة من خلال مراجعة البيانات المتوافر عن الضحايا في دور إيواء النساء المعنفات في دولة الإمارات لعامي 2021-2022 للتعرف على حجم مشكلة العنف ضد المرأة وخصائصها، ومن ثم نفذ الباحث عددا من مجموعات النقاش المركزة مع عينة من النساء المعنفات، ومقدمي الخدمات من مختلف القطاعات، وعددا من المقابلات الشخصية المعمقة مع عينة من المسؤولين للتعرف على أبعاد ومحاور السياسة الفعلية، ومعرفة أبرز نقاط القوة والضعف الموجودة فيها، والكشف عن أهم التحديات أو المخاطر التي قد تواجهها، والتعرف على أهم الفرص المتاحة لتحسينها، بالإضافة إلى فهم مرئياتهم حول مستقبل السياسة وأولوياتها في المرحلة المقبلة.