الخثار الوريدي يسبب تورم الأطراف السفلية

يعرف الخثار الوريدي بأنه حدوث تخثر أو تجلط في الدم على الجدار الداخلي لأحد الأوردة العميقة بجسم الإنسان، ويكون غالباً بالأطراف السفلية خاصة الوريدين الفخذي و المأبضي الواقع خلف الركبة. ويضيق الوريد مما يعيق بشكل كبير تدفق الدم المحمل بثاني أكسيد الكربون، والعائد للقلب، وتتجمع الدماء فتتورم الساق وتتضخم وتصبح مؤلمة وتختفي معالمها، ويكتسب الجلد اللمعان نتيجة ضغط الساق المتورمة عليه، أو يصبح لونه أحمر لتجمع الدم خلف الخثار الوريدي.
ينتج الخثار الوريدي بسبب تباطؤ حركة الدم في الأوردة، وذلك لانعدام الحركة لفترات طويلة سواء في المستشفيات بعد العمليات الجراحية، أو في السفر الطويل خاصة بالطائرات.
تكمن خطورة الخثار الوريدي في إمكانية انفصال جزء منه، فيدفعه الدم باتجاه القلب، مما يؤدي إلى انسداد أحد الشرايين الرئوية، أو يصل للدماغ، وفي الحالتين يسبب أضراراً خطيرة تؤدي للوفاة.
ونتناول في هذا الموضوع العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمرض الخثار الوريدي، وكذلك الأعراض التي تظهر نتيجة الإصابة به، وأساليب وطرق الوقاية والعلاج الحديثة.

تجلط الدم

يتكون الدم من كرات حمراء تنقل الأكسجين للخلايا، وكرات بيضاء مناعية ودفاعية ضد البكتيريا والجراثيم، والبلازما التي هي في معظمها ماء وأملاح، لذا فهي تحافظ على درجة حرارة الجسم وتنقل المياه والأملاح للجسم، وصفائح دموية مهمتها الأساسية التجمع والتخثر أو التجلط على أي تمزق أو إصابة بالأوعية الدموية لإيقاف النزيف.
وتتكون الجلطة أو الخثار نتيجة خلل أدى لتجمع الصفائح الدموية وتخثرها من دون وجود إصابة تحتاج إلى الانسداد، وتؤدي عضلات القدمين دور المضخات إذ تضغط على الأوردة فتدفع الدم عائداً إلى القلب.
يساعدها في ذلك صمامات الأوردة التي تمنع تحرك الدم عكس الاتجاه للقلب، ولذلك فإن تحرك الخثار المتكون داخل الوريد أو جزء منه يعني وصوله في نهاية المطاف إلى القلب، ما لم يتم إنقاذ حياة المريض وإعطائه مسيلات الجلطات في الوقت المناسب.

العوامل الثلاثة

تتحكم 3 عوامل في قابلية الدم للتخثر الضار داخل الأوردة وحدوث الخثار الوريدي، وهي معدل تدفق الدم بحيث لا يتباطأ تدفقه، وكثافة الدم فيظل سائلاً بما يكفي دون لزوجة، وسلامة الوعاء الدموي الذي ينساب به الدم، فأي شيء يمنع دوران الدم بطريقة طبيعية أو يغير من طبيعة تخثر الدم ربما يؤدي للخثار الوريدي.
ويؤدي التقدم في السن لأكثر من 60 عاماً لضعف الجسد مما يزيد من احتمالية حدوث الخثار الوريدي العميق، رغم إمكانية حدوثه في أي سن.
وتساعد السمنة على حدوث التجلط داخل الأوردة، لأن الوزن الزائد يضغط على أوردة الساقين والحوض، ويؤثر التدخين كذلك على الدم وعلى الدورة الدموية.
ويمكن أن يؤدي العلاج بالهرمونات البديلة مثل حبوب منع الحمل وغيرها من العلاجات الهرمونية إلى تخثر الدم، واحتمالية حدوث الخثار الوريدي.

متلازمة الدرجة السياحية

تتسبب بعض الأمراض في الخثار الوريدي العميق كالسرطان، الذي تزيد بعض أنواعه من كمية الصفائح الدموية المسؤولة عن تجلط الدم، وتزيد بعض علاجات السرطان بدورها من خطر التجلط.
ويمكن كذلك أن تؤدي حالات فرط خثورة الدم، وأمراض الأمعاء الالتهابية، والدوالي الوريدية في الأطراف السفلى، والإصابات المباشرة للأوردة وحال وجود قصور في القلب مثل مرض فشل القلب الاحتقاني، ومن أصيب بالخثار الوريدي فمن المحتمل أن يصاب به مرة أخرى، كذلك من كان له أقارب أصيبوا به.
ويعمل انعدام الحركة عمل هذه الأمراض في تجلط الدم على جوانب أحد أوردة الدم العميقة، وبالتالي احتمالية حدوث الخثار الوريدي ومن ذلك متلازمة الدرجة السياحية والتي يقصد بها السفر بالطائرة لساعات طوال دون حراك.
وكذلك يؤدي السفر الطويل بأي وسيلة مواصلات أخرى لا يغادر فيها المسافر كرسيه إلى هذه المشكلة، نتيجة تثبيت ساقه عدة ساعات فلا تتحرك عضلات الساق التي تحرك الدم وتدفعه للقلب مع انقباضاتها.

الانصمام الرئوي

يتألم مريض الخثار الوريدي بشدة من ساقه أو مكان إصابته، ويشعر بالشد العضلي والسخونة ويتورم العضو فيما يسمى بالاستسقاء، نتيجة تجمع السوائل أسفل الجلد.
وتتمدد الأوردة السطحية ويلتمع الجلد أو يتحول للون الأحمر أو اللون الأزرق، تبعاً للوريد المصاب، وفي 25% من الحالات لا يشعر المريض بشيء حتى يتطور المرض ويسبب انسداد الشريان الرئوي، وفي حالات يصاحب الألم الوقوف والسير وتتورم الساقان معاً في حالات نادرة.
ويتجاوز تأثير الخثار الوريدي مكان الإصابة، حيث يحدث له مضاعفات خطيرة وربما تكون قاتلة، وأشهر هذه المضاعفات مرض الانصمام الرئوي حين تصل خثرة أو أكثر إلى أحد الشرايين الرئيسية في الرئتين، بعد أن تحرر من مكان تكونها الأوّلي فتسد الشريان كلياً أو جزئياً تبعاً لحجمها.
وتحدث ضيقاً مفاجئاً في التنفس وألماً حاداً في الصدر، وسعالاً مصحوباً ببلغم رغوي يميل للون الوردي وزرقة في الوجه، وإذا كانت الجلطة كبيرة لدرجة انسداد شريان رئيسي وتوقف تدفق الدم فإنها تسبب الوفاة، أما إذا كانت أصغر من أن تحدث انسداداً كاملاً أدت لأضرار في الرئتين، ولابد من تلقي العلاج بالمستشفى فوراً للتقليل من الأضرار المحتملة بعد إنقاذ حياته.

معيار ويلز

يتم تشخيص الخثار الوريدي بمجموعة من الأسئلة تسمى معيار ويلز، ولكل سؤال تشخيصي درجة، وكل مرض محتمل آخر يخصم درجتين من الناتج.
وتكون الأسئلة عن سابق الإصابة بالخثار الوريدي العميق من قبل، وهل الساق كلها متورمة؟، وهل يوجد ألم موضعي على طول الوريد العميق محل الشك في الإصابة؟، وهل كان المريض طريح الفراش وغيرها من الأسئلة؟.
ويتم تحديد درجة التعامل تبعاً لإجابات الأسئلة، فلو كانت النتيجة أقل من نقطتين ضعف احتمال الإصابة بالخثار الوريدي، ولمزيد من التأكد يقوم الطبيب بإجراء تحليل للدم يكشف مستوى مركب يسمى دي دايمر في الدم، والذي يؤكد ارتفاع نسبته وجود جلطة في الدم والعكس صحيح.
ويتجه الطبيب للتصوير بالموجات فوق الصوتية؛ فلو كانت النتيجة نقطتين فأكثر، حيث ترتد الموجات الصوتية عن الجلطة محددة مكانها، أو يلجأ الطبيب للتصوير بالرنين المغناطيسي مع الفحص بالأشعة المقطعية، إذا لم تظهر الموجات فوق الصوتية الجلطة، وفي بعض الأحيان يتم اكتشاف الخثار الوريدي صدفة أثناء القيام بأشعات لسبب آخر.

الوقاية بمنع المسببات

تستخدم المستشفيات جرعات مخفضة من أدوية مانعة للتجلط، وذلك مع المرضى المقيمين دون حراك على أسرّتها لفترات طويلة، للحيلولة دون تعرضهم للخثار الوريدي، وتكون غالبية الأدوية عن طريق الحقن.
ولا يعالج المرضى بأدوية مذيبة للجلطات إلاّ في الحالات الشديدة لآثارها الجانبية الخطيرة، حيث تؤدي لحدوث تزيف حاد للدم ولكنها في نفس الوقت تعمل على إذابة الجلطات واسعة الانتشار.
ويحدد الطبيب المناسب لكل حالة، وفي الحالات فائقة الخطورة ربما يضطر الطبيب لإجراء جراحة لإزالة الجلطة من الرئة، وهي عملية معقدة وتنطوي على خطورة كبيرة، ويندر اللجوء إليها خاصة مع التطور الطبي المستمر.

أدوية السيولة والجوارب

ويتم العلاج بأدوية السيولة التي تمنع تخثر الدم وتزيد من سيولته، مما يعني ضرورة الاهتمام بأي إصابة سطحية مهما كانت صغيرة، لأن الدم لن يتجلط بسهولة حينها.
ويعتمد علاج الخثار الوريدي على إيقاف المسببات، ومنها تقليل السمنة والتخلص من الوزن الزائد، والتوقف عن استخدام العلاجات الهرمونية وأقراص منع الحمل، وزيادة معدل الحركة وتقليل فترات الجلوس أو الوقوف الثابت.
ويتم في بعض الحالات تركيب مرشح داخل الجسم بالوريد الأجوف السفلي أو بأحد الأوردة الدموية الرئيسية الصاعدة للرئة، لمنع وصول الجلطات للرئة خاصة في الحالات التي لا تأتي فيها أدوية السيولة بنتيجة.
ويستخدم كذلك العلاج الميكانيكي والذي يقصد به الجوارب الضاغطة ضد الجلطات التي تصنع بضغط معين وبمقاسات مختلفة ويتم ارتداؤها بطول الساق من أعلى كعب القدم وحتى الركبة.
وتستعمل تلك الجوارب للوقاية في حالات السفر الطويل وكذلك في العلاج من الخثار الوريدي، لأنها تضغط على الساق مما يحسن الدورة الدموية.
ويقلل من احتمالات تجلط الدم ويمنع تورم الساق، ويتم ارتداؤها طوال اليوم حتى وقت النوم ولمدة عام كامل من تاريخ تشخيص المرض.

الموت المفاجئ

تشير دراسة حديثة إلى أن تورم الساق بمقدار 3 سنتيمترات فأكثر عن الساق الأخرى، يؤدي في الغالب إلى تخثر الدم في أحد الأوردة العميقة بهذه الساق، ويحتمل بنسبة 3% أن يؤدي الخثار الوريدي بالساق للانصمام الرئوي والوفاة.
وبنسبة 10%، يمكن ألا تصيب المريض أي مضاعفات أو أعراض تزيد على عدم الشعور بالراحة، ويستمر العلاج لمدة 6 أشهر إلى 12 شهراً.
ويصيب الخثار الوريدي نحو 1000 شخص كل عام، و15% من الوفيات المفاجئة تكون نتيجة الانصمام الرئوي، وتزيد فرصة الإصابة به بعد تجاوز سن 60 عاماً.
ويعتبر تجلط الأوردة العميقة السبب الثاني لوفاة الحوامل بعد النزيف، وتعانيه نحو 7 أو أقل من كل 1000 امرأة حامل، ولا يتعرض الأطفال لهذا المرض نظراً لنشاطهم وكثرة حركتهم، وارتفاع معدل ضربات القلب لديهم، ومع ذلك يصاب به 1 من كل 100 ألف شخص تحت سن 18 عاماً.

شاهد أيضاً