تنتشر أمراض الجهاز الهضمي بين قطاعات واسعة من المجتمعات، والتي ترجع في كثير من الأحيان إلى العادات الغذائية الخاطئة، ومن أكثر هذه الأمراض انتشاراً التهاب المعدة.
ويعرف الأخصائيون هذا المرض بأنه خلل والتهاب يصيب الطبقة الداخلية التي تبطن جدار المعدة، ويحدث بسبب اضطراب في إفرازات حمض المعدة، والذي يخبط بجدارها، وهو ما يؤدي إلى احمرار والتهاب جدار البطن،وربما سبب هذا التخبط جروحاً غيرة، غير أنها لا تبلغ حد التقرحات.
يصاب المريض بعدد من الأعراض المزعجة والمؤلمة في هذه الحالة، ويحذر الأطباء من عدم علاج هذه المشكلة بسرعة، حيث يمكن أن تتطور إلى قرح بجدار المعدة.
ونتناول في هذا الموضوع مرض التهاب المعدة بالتفاصيل، والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، وكذلك نقدم الأعراض التي تظهر، بالإضافة لطرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج الحديثة.
آلة الهضم الأساسية
تؤدي المعدة دوراً مهمّاً للغاية، فهي آلة الهضم الأساسية، كما أنها أحد خطوط الدفاع عن الجسم، المهمة ضد الميكروبات المسببة للأمراض المختلفة، والمعدة كيس أجوف غني بالعصارة الهاضمة.
ويمتد هذا الكيس من نهاية المريء وحتى بداية الأمعاء الدقيقة، وتمتلك خاصية التمدد لتستوعب الطعام، وتتمتع ببطانة داخلية قوية، مهمتها حماية المعدة من الإفرازات الهضمية الضارة.
وتتم عملية هضم الطعام عن طريق تكسير الطعام إلى جزيئات صغيرة للغاية، ثم يتم ضغطه بجدار المعدة مدة 4 ساعات، وذلك حتى يتحول إلى سائل ويمر من خلال فتحة الاثني عشر إلى الأمعاء الدقيقة.
أنواع الالتهاب
يصنف الأطباء الالتهابات المختلفة في الغشاء المخاطي أو البطانة، في المعدة بحسب درجة الضرر الذي لحق بالغشاء، أو بحسب مكان الالتهاب في المعدة، أو نوع الخلايا التي أصابها الالتهاب، ولا يدل هذا التصنيف على سبب الالتهاب.
ويعد النوع الأول من التهاب المعدة هو التهاب المعدة التآكلي، وفيه تكون التقرحات على غشاء المعدة، ويكون الضرر الذي يلحق بغشاء المعدة سطحياً، ولا يخترق الطبقة العضلية في الغشاء، وتظهر في التهاب المعدة غير التآكلي أو التهاب المعدة المزمن، تغيرات مجهرية في فحص عينة من الغشاء المخاطي للمعدة.
ويعد التهاب غار المعدة النوع «ب» الأكثر انتشاراً من التهابات المعدة المزمنة، وتسبب هذا التلوث جرثومة الملوية البوابية على المدى الطويل، وربما سبب هذا الالتهاب ضموراً في الغدد المخاطية التي تفرز الحمض، مسبباً حالة تعرف بالتهاب المعدة الضموري.
ويصيب التهاب غدد قاع المعدة بشكل أساسي الغدد المفرزة للأحماض، والتي توجد في جسم المعدة وقاعها، وربما أدت هذه الحالة إلى ضمور غدي كبير، ويمكن أن يتسبب في توقف إفراز أحماض المعدة بشكل تام.
التدخين والمشروبات الغازية
يوجد العديد من الأسباب وراء الإصابة بالتهاب المعدة، حيث يتسبب عدم انتظام مواعيد تناول الطعام في الإصابة بهذه الحالة، وكذلك أسلوب تناول الطعام، وبخاصة الإسراع في تناوله دون مضغ جيد.
وتؤدي بعض نوعيات الطعام إلى التهاب المعدة، ومن أبرز هذه النوعيات المشروبات الغازية والكحوليات، والمخللات والبهارات والإكثار من القهوة، والتدخين.
وتتسبب بعض الأدوية في الإصابة بالتهاب المعدة مثل الأسبرين، وأدوية الروماتيزم، وكذلك الإفراط في تناول المسكنات، ويؤدي إليه أيضاً القلق والتوتر والضغط العصبي والتعرض لصدمة نفسية شديدة.
ويمكن أن يكون وراء الإصابة بالالتهاب مرض الارتداد المعدي المريئي وداء كروان، والإصابات الفيروسية، والعدوى البكتيرية مثل البكتيريا الملوية البوابية، وهي أحد اكثر أسباب الإصابة بالتهاب المعدة.
وتعتبر من الحالات النادرة مهاجمة جهاز المناعة للجسم بصورة خاطئة، وذلك نتيجة الإصابة بالمناعة الذاتية، ويمكن أن يكون وراء التهاب المعدة التعرض للإشعاعات وانخفاض تدفق الدم إلى المعدة.
آلام شديدة
تظهر أعراض التهاب المعدة على شكل آلام شديدة أعلى البطن، من تحت الصدر إلى الصرة، حيث تتعرض الطبقة المخاطية الداخلية للمعدة للتهتك والتآكل بسبب الإصابة بالعامل الجرثومي.
ويشعر المصاب بالغثيان، وتزيد رغبته في القيء، وذلك لأن المعدة لا تكون مستقرة، نتيجة تجمع السوائل المعوية بسبب الالتهاب، ويشعر بالحرقة أسفل الصدر أو أعلى البطن، مع صعوبة الهضم، وربما امتدت الآلام حتى تصل إلى أسفل البطن.
ويصاحب هذه الآلام في بعض الأحيان قيء وإسهال شديد يكون مصحوباً بالدم، وهذا القيء يمكن أن يخفف من الألم، لأنه يخرج كمية من حمض المعدة، ويشعر المريض بعدم الراحة، ويفقد شهيته للطعام، وبالتالي فإنه يخسر كثيراً من الوزن.
اختبار جرثومة المعدة
توجد عدة طرق لتشخيص التهاب المعدة، ومن هذه الطرق اختبار جرثومة المعدة، ومن خلال هذا الاختبار يحدد الطبيب نوع الإصابة بصورة دقيقة.
ويمكن إجراء التحليل عن طريق التنفس أو الدم أو البراز، ويتم التشخيص من خلال منظار المعدة، حيث يتم إدخال أنبوب رفيع وصغير من الحلق ويمر بالمريء ثم إلى المعدة.
وتوجد في نهاية المنظار كاميرا دقيقة، ومن خلالها يستطيع الطبيب رؤية جدار المعدة بصورة واضحة، ويمكن أن يأخذ عينة للتحليل في المختبر.
ويمكن كذلك أن يجري المصاب فحص أشعة سينية، حيث يتناول سائلاً معدنياً أبيض اللون يحتوي على الباريوم، وذلك ليصبح التهاب المعدة أكثر وضوحاً.
مثبطات مضخة البروتين
يعتبر علاج التهاب المعدة من الأمور اليسيرة، خاصة عند معرفة السبب وراء الإصابة بهذه الحالة، ويصف الطبيب بصورة عامة المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا، أو مضادات الحموضة، والتي تقلل من إفراز حامض المعدة، وتسمى بمثبطات مضخة البروتين.
ويصف الطبيب المعالج عدداً من الأدوية الأخرى التي تقوي وتحمي غشاء وجدار المعدة، وتختلف مدة العلاج بحسب تطور الحالة، واستجابة المريض، وفي العادة فإن العلاج يستغرق من 4 إلى 8 أسابيع.
ويؤكد الأخصائيون أن الإهمال في العلاج يمكن أن يزيد الحالة سوءاً، وفي بعض الحالات ربما يصل الأمر إلى الإصابة بالأورام.
ويلجأ الطبيب إلى تغيير النظام الغذائي، وتغيير الأدوية التي يتناولها المريض، أو على الأقل تعديل مستويات الجرعة، كما أنه ينصح المريض بالتحكم في الإجهاد بصورة أحسن، ويمكن علاج الحالات التي تعاني من فقر الدم عن طريق فيتامين «ب12» على هيئة حقن.
ابتعد عن الإزعاج
يشير الأطباء إلى أن أهم خطوة يجب على المصاب بالتهاب المعدة، البدء بها في خطة علاجه، هي الابتعاد عن كل ما يؤدي لإزعاج بطانة المعدة.
ويعتبر سوء التغذية من العوامل التي تعزز الإصابة بهذه الحالة، وربما يزيد من خطر حساسية الغذاء، وتساهم في نقص المغذيات، وأيضا تؤدي لتفاقم أعراض التهاب المعدة.
ويجب أن يتبع المريض نظاماً غذائياً يمتاز باحتوائه في الغالب على الخضراوات والفواكه والدهون الصحية والبروتينات، وتساعد هذه الأغذية على تخفيف حدة الالتهاب، كما أنها تسمح بالحفاظ على وزن صحي، وتقلل من نقص الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة.
ويعتبر من أخطر مضاعفات الإصابة بالتهاب المعدة الإصابة بفقر الدم والجفاف والانتفاخ، وهو ما يمكن تلافيه بالاعتماد على نظام غذائي غني بالمغذيات.
أعشاب مفيدة
يمكن أن تساعد الأعشاب على علاج بعض إصابات التهاب المعدة، ومن هذه الأعشاب بذر الشمر، وهو فعال في تخفيف الالتهاب والانتفاخ وعسر الهضم وحرقة المعدة، ويساعد عضلات الجهاز الهضمي أن تسترخي، وذلك لامتلاكها خصائص مضادة للجراثيم والالتهابات والتشنجات.
ويمضغ المصاب بذور الشمر بعد شيها عقب تناوله للوجبات الثقيلة، أو بشرب منقوع البذور، ويمكن وضع العسل إليه للحصول على طعم أحسن، ويشرب 3 مرات في اليوم.
ويعتبر الزنجبيل من الأعشاب الفعالة لعلاج التهاب المعدة، حيث يحتوي على الخصائص المضادة للبكتيريا والالتهابات، وهي تقلل من تهيج بطانة المعدة والمريء، ويتم ذلك ببلع المريض الزنجبيل الطازج مع العسل.
ويحسن ماء جوز الهند من وظائف المعدة لاحتوائه على معادن وفيتامينات، ويتم ذلك بشربه 4 مرات يومياً، وكذلك عصير البطاطس يساعد على الهضم بصورة صحيحة بفضل العناصر الغذائية والأملاح القلوية التي تقلل من مشاكل التهاب المعدة والإمساك ويطهر الكبد.
ويتم تحضير هذا العصير عن طريق فرم البطاطس، ثم خلطه بالماء الدافئ، ويشربه المريض قبل أن يتناول الطعام بنصف ساعة 3 مرات في اليوم لمدة أسبوع.
الانتظام في الطعام
يشير الأطباء إلى أنه يمكن للإنسان أن يقي نفسه من التهاب المعدة باتباع العادات الصحية، مثل الانتظام في تناول الطعام في مواعيد ثابتة، مع الاحتراس بالنسبة لحجم ونوعية الوجبات.
وينصح كذلك بتقسيم الوجبات إلى 5 بدلاً من 3، ويتم تناولها على فترات متقاربة، مع الابتعاد عن الأملاح والزيوت والمواد الدهنية، وكذلك الاعتدال في التوابل.
وتشمل إجراءات الوقاية تجنب استخدام الأدوية المضادة للالتهابات أو المسكنات، حيث إنها تتسبب في تفاقم مشاكل المعدة، ويمكن استبدال هذه الأدوية مثلا بالنسبة لمن يعانون من آلام العضلات أو المفاصل المزمنة، بالزيوت المضادة للالتهاب كزيت النعناع.
وتوجد أطعمة غنية بمضادات الأكسدة تساعد في تخفيف أعراض التهاب المعدة، وذلك بحسب الدراسات الحديثة، ومن هذه الأطعمة البصل والثوم والقرع والفلفل والحبوب الكاملة، والخضراوات البحرية والمكملات الغذائية مثل الأحماض الدهنية أوميجا3، ويمكن أن يكون فيتامين «سي» مفيداً لمرضى التهاب فم المعدة
ويؤدي نمط الحياة غير المستقر والإجهاد إلى زيادة التهاب المعدة، وتعد التمارين الرياضية وسيلة تساعد في التحكم في الإجهاد وهرمونات التوازن، وبالتالي يحافظ على وزن الجسم صحياً.