التهابات المفاصل..أنواع متعددة وآلام مزعجة

تحقيقات: الصحة والطب

يعانى العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم التهاب المفاصل بكافة أنواعه المتعددة، وهو يستهدف جميع الفئات العمرية، والنساء أكثر من الرجال، وينتشر أكثر ما بين عمر 40-60 عاماً، ويعد من الأمراض المزعجة، حيث أعراضه تكون على هيئة تورم وآلام شديدة في المفاصل، وربما يؤدي الأمر إلى تشويه في شكل المفصل، ما يجعل المصاب يجد صعوبة في الحركة وممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي، وفي السطور القادمة يتحدث الخبراء والاختصاصيون عن التهاب المفاصل وأنواعه وطرق التعامل معه.
يقول الدكتور محمد كمال علي استشاري جراحة العظام: «مرض المفاصل التآكلي أو خشونة المفاصل التآكلية، هو من أكثر أمراض المفاصل المزمنة المنتشرة، وربما يُصيب هذا المرض أي مِفصل في الجسم، إلا أن الركبة تعد الأكثر تأثراً، حيث تتكوّن المفاصل الطبيعية من قطعة غضروفية مطاطية صلبة تُغطي نهايتي العظم المكوّن للمفصل، وهي المسؤولة عن الحركة السلسة له، ولهذا فإن مرض خشونة الركبة هو تحلل لهذا الغضروف، ويحدث نتيجة احتكاك العظمتين ببعضهما ما يُسبب الشعور بألم، وظهور انتفاخ، وتقليل حركة الركبة، وربما يؤدي إلى تكوين نتوءات عظمية حول المفصل التي بدورها تزيد من صعوبة الحركة».

عوامل خشونة الركبة

يشير د. كمال إلى أن زيادة الوزن تعتبر من أبرز العوامل الخطرة التي تؤدي للإصابة المبكرة بخشونة الركبة في مرحلة الشباب بسبب الضغط الزائد على هذه المنطقة، ومن العوامل الرئيسية التي تسبب ذلك، هو وجود اعوجاجات الطرف السفلي مثل تقوّس الساقين أو التصاق الفخذين أو قصر أحد الطرفين لما في ذلك من زيادة الضغط على جزء من المفصل دون الآخر، لذلك يُنصح بمتابعة الوزن باستمرار والحرص على الوصول للوزن المثالي مع الأخصائي، وأيضاً ضرورة تعديل ضغط وزن الجسم على المفصل، وهي العملية التي تغني عن الاستبدال المبكر للمفصل، حيث شهدت هذه الجراحات تطوراً هائلاً، وأصبح المريض يستطيع الوقوف والحركة ومزاولة حياته اليومية، سواء تمت هذه العمليات بالمثبتات الداخلية أو الخارجية المتصلة بالكمبيوتر.

الخلايا الجذعية

يذكر د.كمال أن طرق العلاج تبدأ بالأدوية التي تعطى عن طريق الفم، المسكنة للألم والمضادة للالتهاب، مع الاستعانة بجلسات العلاج الطبيعي للمحافظة على مدى حركة المفصل، كما توجد أيضاً الحقن التي يتم أعطاؤها داخل المفصل لزيادة اللزوجة لبعض الوقت، وفي هذا المجال أثبتت حقن المفصل بالخلايا الجذعية جدارتها، خاصة أنها نوع من الخلايا التي يتم فصلها من الشخص نفسه، سواء من الدهون المتراكمة أو من النخاع العظمي، كما أظهرت الأبحاث الأولية نتائج مبشرة في إمكانية تصليح المفصل مبكراً، أو إزالة الآلام المصاحبة للخشونة.
يستكمل: أما إذا كان الألم المصاحب للخشونة شديداً ولا يتأثر بالأدوية، ويسبب أعاقة للمريض في مزاولة نشاطه اليومي فعندها نلجأ إلى التبديل الكامل للمفصل، وفي هذا المجال أيضاً حدث تطور هائل في المفاصل الصناعية بعد دخول الكمبيوتر، وخاصة مع وجود ( robot) أو (navigation system ) مع الجراح في تركيب المفاصل للحصول على أدق النتائج، حيث أصبح المريض يستطيع الجلوس على الأرض، وثني الركبة بالكامل مثل الطبيعية، ويظل المفصل على حالته لفترة أطول من السابق ولا يحتاج للتغير بعد فترة قصيرة، كما في السابق.

أنواع الالتهابات

يقول الدكتور طارق أسلام، استشاري الأمراض الروماتيزمية، إن التهاب المفاصل هو من أكثر الأمراض شيوعاً بين الأشخاص من الجنسين ومختلف الأعمار، حيث يعانيه حوالي 20% من سكان الإمارات، يصاب منهم 1% بالتهاب المفاصل الرثياني على وجه التحديد، ويعد أحد أهم أسباب الإعاقة، أو يحد بشكل كبير من قدرة المصابين على المشي والاستحمام وارتداء الثياب واستخدام السلالم، وبالتالي يعوق قدرتهم في أن يعيشوا حياة طبيعية كاملة، كما يؤدي هذا الالتهاب إلى تشوهات شكلية دائمة في المفاصل، التي لا ترى إلا من خلال التصوير بالأشعة السينية، وإن كانت تظهر بشكل واضح في بعض الحالات (كالأصابع العقدية)، ويمكن أيضاً أن تصيب بعض أنواع التهابات المفاصل أعضاء أخرى من الجسم كالقلب والرئتين والكليتين والجلد وفي حالات نادرة الدماغ، وتنقسم التهابات المفاصل إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي:
* التهاب المفاصل الميكانيكي أو التنكسي، يعد من أشهر أنواع التهاب المفاصل التي تسبب الإعاقة، ويعرف أيضاً باسم الفصال العظمي، وعادة ما يصيب الركبتين والوركين وأسفل الظهر والعنق، وفي بعض الحالات الإبهام أو مفاصل الأصابع الأخرى، وهناك عوامل خطورة تُسهم في الإصابة بهذا المرض كالمهن المجهدة بدنياً أو زيادة الوزن، إلى جانب التاريخ الطبي العائلي، ويحدث في هذا المرض خسارة في الغضروف، وهو نسيج رخو يشبه العظم في تركيبته ويتموضع بين اثنتين من العظام ضمن المفصل ليلعب دور وسادة تمنع الاحتكاك، وعند إمحاء الغضروف بشكل كلي، يحدث احتكاك العظمين ببعضهما بشكل مباشر ما يؤدي إلى الشعور بآلام مبرحة.
* التهاب المفاصل الالتهابي والمناعي الذاتي، هو من أشهر الأنماط الفرعية التي تنجم عن مجموعة متنوعة من الحالات أو الاضطرابات على مستوى الجهاز المناعي للجسم، ما يدفعه إلى مهاجمة المفاصل مؤدياً إلى التهاب في بطانتها، وحدوث تورم وألم عفوي يظهر مع لمس المفاصل، مسبباً إعاقة للحركات اليومية، ويستهدف هذا النوع المفاصل الصغيرة في اليدين والقدمين والمعصمين والمرفقين والكاحلين، وهو عادةً ما يصيب الجهتين معاً، ويمكن أيضاً أن يصيب أجهزة الجسم الأخرى، ولذلك يوصف بأنه «داء جهازي».
* التهاب المفاصل الناجم عن ترسب البلورات، هو واحد من الأنواع التي يحدث فيها تورم مفاجئ للمفصل مع ألم واحمرار شديدين، وكذلك ارتفاع مستويات حمض البول في الدم، ويُعد الأبخس الكبير في القدم أشهر المفاصل إصابة بالنقرس، إلا أنه يمكن أن يصيب أيضاً الركبتين والمعصمين والكاحلين، أما النمط الفرعي الآخر فيُعرف بالنقرس الكاذب، وهو ينجم عن ترسب بلورات الكالسيوم في المفاصل.

الرياضة علاج

تشير الدكتورة غيتا حارفي، المتخصصة في أمراض الروماتيزم، أن الكثير من الأشخاص يعتقدون بشكل خاطئ أن التهاب المفاصل يصيب كبار السن فقط، على الرغم من أن هناك التهاب المفاصل الذي يستهدف الأطفال دون سن 16 عاماً، أو التهاب الفقار الروماتويدي، والذي عادة ما يصيب الرجال في سن المراهقة أو سن العشرينات وغيرها، ومن المعروف أن أفضل طريقة لتجنب الإصابة بالأمراض هي من خلال عيش نمط حياة صحي، وتناول نظام غذائي متوازن من الأطعمة الصحية، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على نظافة جسمك، وغيرها من الأمور المناسبة لتحقيق الصحة المثالية، وتجنب الإصابة بالأمراض.
تؤكد د. غيتا أن الوعي والمساعدة في تثقيف المجتمع يرفع من مستوى الإدراك الصحي وتوسيع نطاق الوعي، حيث إن التهاب المفاصل أصبح لا يقتصر على معاناة الآباء والأمهات والأجداد من مشاكل في المفاصل، ولكنه يؤثر في ملايين الناس في جميع أنحاء العالم، كما تشير الأرقام في منطقة الخليج إلى معاناة 20٪ من السكان، ويصيب واحداً من بين كل 5 أشخاص في دولة الإمارات، كما أظهرت الدراسات وجود تأخر لمدة 12 شهراً في تشخيص المرض، وذلك لعدة أسباب أهمها نقص الوعي بهذا المرض، لذلك أصبح من الضروري اتخاذ تدابير وقائية.

أخطاء شائعة

تذكر د.غيتا أن هناك بعض المعتقدات الخاطئة، حيث يظنون أن التهاب المفاصل يتفاقم مع الطقس البارد، أو عن ممارسة رياضة معينة، على الرغم من أن التمارين الرياضية لها فوائد عديدة لمرضى التهاب المفاصل، فهي تساعدهم على السيطرة على الوزن، وتقليل الإجهاد على المفاصل وزيادة مرونتها، وتحد من التهابها وتيبسها، وتقوية العضلات، وتقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم، كما تساعد في تحسين الحالة المزاجية للمريض، وأيضاً إطلاق الإندروفين من خلايا الدماغ، وهو هرمون مسؤول عن حالة الشعور بالسعادة، كما تساعد على تخفيف آلام التهاب المفاصل وتيبسها، ومكافحة الإجهاد، ووفقاً لبعض الدراسات، فإن النشاط البدني من شأنه تقليل الألم وتحسين الوظيفة الجسدية بنسبة حوالي 40٪.
تضيف: يجب أن يكون مصاب التهاب المفاصل نشطاً، ولهذا تختلف أنواع الرياضة التي يجب ممارستها تبعاً لمستوى الصحة العامة ولياقة المريض، وينصح بالبدء بنصف ساعة ثلاث مرات في الأسبوع، وزيادتها تدريجياً بمقدار 5 دقائق لكل جلسة كل أسبوع، ومن المفيد ممارسة مجموعة متنوعة من التمرينات للحصول على أفضل نتائج، وبشكل عام، فإن رياضة المشي، السباحة، اليوغا، البيلاتيس، همي أفضل التمارين.

ما قبل الرياضة

توصي د.غيتا ببعض الخطوات الأساسية التي يجب اتباعها قبل ممارسة التمارين الرياضة، وهي كالآتي:
* الإحماء قبل الرياضة من 2 إلى 5 دقائق، حيث إنه يجب رفع درجة حرارة الجسم بمقدار درجتين فهرنهايت، ما يؤدي إلى تسخين العضلات، لتكون الألياف العضلية أكثر مرونة، وعندما يبدأ الجسم في العرق تصبح العضلات دافئة.
* التمدد بعد الإحماء لمدة 20ـ30 ثانية، حيث تكون العضلات الدافئة أكثر تقبلاً لتمارين التمدد، من خلال تثبيت الوضع الذي يمد عضلات معينة.
* يُفضل ممارسة الرياضة مع مختص على علم بالاحتياجات الطبية، وإعادة التأهيل لمريض التهاب المفاصل، يمكن وضع خطة لممارسة رياضة بشكل فردي لكل مريض.
* إذا كان المريض لا يمارس الرياضة بانتظام، فهو يحتاج إلى البدء في ممارسة التمارين الرياضية ببطء، وبدلاً من الجري لمدة 5 دقائق، يفضل أن يكون لمدة 1ـ2 دقيقة يليها 5 دقائق من المشي أو الجري، ثم زيادة وقت الجري ببطء وتقليل المشي، كما أن برنامج تدريب القوة باستخدام الأوزان مفيد أيضاً، فعندما تكون العضلات أقوى، تقوم بدعم المفاصل بشكل أفضل، ويقل خطر الإصابة.

تمارين مفيدة

توضح د.غيتا أن هناك بعض الدراسات طويلة الأجل التي أظهرت أن الأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي يمكنهم الاستفادة من تمارين رياضية ذات كثافة معتدلة، وتشمل الفوائد الأخرى فقداناً أقل لكثافة العظام وضرراً أقل للمفاصل الصغيرة المرتبطة بالتهاب المفاصل الروماتويدي وتقليل الألم، أما بالنسبة للأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل العظمي في الركبة أو أي مكان آخر، فتشير الدراسات إلى أن خطط الرياضة التي تجمع بين تمارين القوة وتمارين الأيروبك من شأنها تقليل أعراض التهاب المفاصل، وتحسين حركتها ووظائفها، وتعزيز التوازن والسيطرة على الوزن، كما أن النشاط البدني يساعد مريض التهاب المفاصل على تخفيف أعراض المرض، وهو المفتاح لمساعدته على البقاء نشطاً والتمتع بالاستقلالية والتنقل بحرية، وهناك بعض أنواع التمارين الرياضية التي تفيد مريض التهاب المفاصل:
ــ تمارين تحسين نطاق الحركة، وهي تساعد في الحفاظ على حركة المفصل الطبيعي وتخفف من التيبس، مرونة المفصل أو تزيدها، وتشمل حركات مثل رفع الذراع فوق الرأس، أو دفع الكتفين إلى الأمام والخلف.
ــ تمارين التقوية، وهي تساعد على بناء عضلات قوية من شأنها دعم المفاصل وحمايتها (مثل تمارين الأوزان).
ــ تمارين الأيروبك أو تمارين التحمل، التي تعمل على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وتساعد في السيطرة على الوزن، وتحسين اللياقة البدنية العامة.
ــ تمارين اليوغا أو «تاي تشي» التي تساعد على تحسين التوازن ومنع السقوط وتعزيز الاسترخاء.

التدخين يزيد الخطر

أظهرت الدراسات أن خطر الإصابة بالأمراض القلبية يزداد بما يقارب الضعفين لدى المرضى الذين يعانون التهاب المفاصل الالتهابي، وهو ما يُعطي التشخيص المبكر أهمية إضافية لجهة دورها المحتمل في وقاية هؤلاء المرضى من الإصابة بالأمراض القلبية، ونظراً لأن التدخين يزيد بدوره من خطر الإصابة بالأمراض القلبية، فقد أصبح تقديم المشورة بضرورة الإقلاع عن التدخين جزءاً من البروتوكول المتبع لمعالجة التهاب المفاصل الالتهابي.

شاهد أيضاً