التليف الرئوي أحد الأمراض المزمنة الفتاكة

تعتبر الرئتان أحد أهم أعضاء الجسم، وأي مشكلة تصيبهما تجب سرعة علاجها دون إهمال، وذلك لأن تضرر الرئة يقود إلى مشكلة التوقف عن التنفس ثم الموت.
وتنقسم الرئتان إلى أقسام من الخلايا الليفية، وهذه الخلايا تبني الأنسجة الليفية التي تكون مسؤولة عن شكل الرئة المطلوب، ولكل جزء من هذه الأنسجة وظيفة من خلال نظام وبرنامج ينظم عملها.
وتوجد أيضا الخلايا الرئوية، وهي المسؤولة عن بناء الحويصلات الهوائية التي توصل الأكسجين إلى الجسم، وتطرد ثاني أكسيد الكربون الضار، بالإضافة إلى الخلايا المناعية والعصبية وغيرها من الخلايا.
تتعرض الرئتان للإصابة بعدد من الأمراض، ومنها تليف الرئتين، الذي يصيب إحدى الرئتين أو كلتيهما، ويحدث نتيجة انقسام الخلايا الليفية بصورة عشوائية وكبيرة، وبالتالي تحدث زيادة في هذه الخلايا وهو ما يؤثر على عمل الخلايا الأخرى بشكل سلبي.
ويؤدي إلى أن تفقد الرئة وظيفتها بصورة تدريجية، ويعد التليف الرئوي من الأمراض المزمنة، ويشمل ما يتجاوز الـ200 حالة طبية أو مرض، ويتم تقسيم هذه الحالات بحسب الأسباب والأعراض الخاصة بها.
ونتناول في هذا الموضوع مرض التليف الرئوي بالتفاصيل، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلة، مع طرق الوقاية والعلاج.

تليف التدخين الأسهل

يعرف التليف بصفة عامة بأنه تغير في توزيع الخلايا ووظائفها، ويصيب العديد من الأعضاء مثل القلب أو الرئتين.
ويصيب التليف الرئتين في التجويف الصدري، والسبب الرئيسي وراء هذا المرض غير معروف تماما، بالرغم من وجود عوامل وأسباب عديدة تزيد من خطر الإصابة به، وعلى رأسها التدخين.
ويعد التليف الذي ينتج عن التدخين أكثر سهولة في الشفاء من التليف مجهول السبب، حيث تعود أنسجة الرئة إلى طبيعتها بمجرد الإقلاع عنه، وترتبط بعض أنواع التليف بمهن معينة، مثل الأعمال الزراعية والصناعات الثقيلة والعمل في المناجم.
ويمكن أن تكون الإصابة بسبب الالتهاب، وبخاصة في الحويصلات الهوائية والأنسجة، وكذلك الإصابة بالتهاب المفاصل المزمن والتهاب الذئبة الحمراء.
ويؤدي إلى التليف استنشاق بعض المواد العضوية وغير العضوية بشكل مزمن، وذلك مثل غبار الحبوب والسيليسكا.

آلية الإصابة

يحدث خلل في التئام الجروح بسبب التليف الرئوي، وهو ما يجعل هناك مبالغة في الالتئام، وبالتالي تكوين الألياف والندبات في النسيج المصاب بالتليف.
ويزيد النسيج المتليف بشـكل تدريجي بسبب تكرار خلل التئام الجروح، ويجعل هذا النسيج الرئتين تعملان بصعوبة، حيث يقلل من مرونتهما، ويعمل على تقييدهما ويمنعهما مـن الانتفاخ والحركة بحرية خلال الدورة التنفســية، وبالتالي لا يمكن تبادل الأكسجين مع الدم.
ويزيد ضيق التنفس بشكل تدريجي كلما تفاقم التليف الرئوي، ويمكن أن تساعد الأدوية والعلاجات المختلفة في تحسين نوعية الحياة، وتخفيف الأعراض على المصاب، وذلك لأن التليف الذي يصيب الرئة بسبب التليف لا يمكن إصلاحه، ويمكن اللجوء إلى زراعة الرئة في بعض الحالات.

عوامل عديدة

يعتبر التعرف على السبب وراء الإصابة بالتليف الرئوي مهمة صعبة، وما زال سبب الإصابة بالتليف الرئوي مجهول السبب حتى الآن.
ويمكن أن تعود الإصابة بتليف الرئة إلى عدد من العوامل، وتشمل العوامل المهنية والبيئية، فإن التعرض فترة طويلة للتسمم والملوثات يؤدي إلى إصابة الرئة بالتليف.
وتتضمن هذه السموم والملوثات غبار السيليكا، وألياف الأسبستوس، وغبار المعادن الثقيلة والفحم والحبوب، وكذلك روث الحيوانات والطيور.
وتدخل ضمن عوامل الإصابة بهذا المرض العلاجات الإشعاعية، حيث تظهر على من يخضعون لعلاج سرطان الرئة أو الثدي بالعلاج الإشعاعي علامات تدل على تليف الرئة، وذلك بعد مرور فترة زمنية، ربما بضعة أشهر، وأحيانا سنوات.
وتعود شدة التليف إلى حجم الجزء المتعرض للإشعاع من الرئة، وكمية الإشعاع التي تعرض لها، وعند استخدام العلاج الكيميائي كذلك، ووجود مرض رئوي آخر.

أدوية وأمراض

تؤدي بعض الأدوية للإصابة بالتليف، وبخاصة أدوية العلاج الكيميائي والتي تستخدم في قتل خلايا السرطان، وربما أدت أدوية القلب المعالجة للضربات غير المنتظمة في الإصابة بهذا المرض.
وتتسبب كذلك بعض المضادات الحيوية في تليف الرئة، وبعض الأدوية المضادة للالتهابات، ويمكن أن تعود الإصابة بالتليف الرئوي للإصابة ببعض الأمراض، وعلى سبيل المثال التهاب الجلد والعضل، ومرض النسيج الضام المختلط، والإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة الحمامية المجموعية.
وتؤدي كذلك الإصابة بالساركويد، وتصلب الجلد والالتهاب الرئوي إلى التليف الرئوي، وتزيد نسبة الإصابة في البالغين، وبخاصة في مرحلة منتصف العمر والمسنين، على الرغم من تشخيص بعض الحالات المصابة في الأطفال والرضع، كما تزيد نسبة إصابة الرجال بالتليف على النساء.
ويعتبر المدخنون، سواء كانوا من الشرهين أو السابقين، أكثر عرضة للإصابة بالتليف ممن لمن يسبق لهم التدخين، وتزيد نسبة الإصابة في الأشخاص الذين يعانون من انتفاخ الرئة.

ضيق التنفس

تختلف أعراض التليف الرئوي من مصاب لآخر، وكذلك يختلف مسار المرض، حـيث يصاب بعــــــض الأشخاص بإعياء شــــــديد وبشـــكل سريع، والبعــض الآخر يصاب بأعراض بسيطة تزداد سوءا بشكل بطيء، وذلك على مدى زمني طويل يصل إلى شهور أو حتى سنوات.
ويعتبر أبرز الأعراض التي يعاني منها المصاب بالتليف الرئوي ضيق التنفس، ويظهر هذا الأمر في العادة بعد أن يكون التليف ألحق أذى بالرئة يصعب علاجه، وربما كان ضيق التنفس في البداية مصاحباً لأي مجهود مبذول مثل ممارسة الأنشطة الرياضية، ويمكن أن يزداد الأمر سوءا بمرور الوقت، حتى يحدث ضيق التنفس أثناء وقت الراحة.
ويلاحظ في حالة التليف الذي يحدث بسبب نقص مزمن في الأكسجين تحدب الأظفار، وهو ما يتسبب في زيادة سمك الأنسجة تحت الأظفار.

ضغط الدم الرئوي

يتعرض المصاب بالتليف الرئوي إلى عدد من المضاعفات، ومنها ارتفاع ضغط الدم في الرئتين، أو ما يسمى بفرط ضغط الدم الرئوي، وهو الحالة التي لا يتجاوز تأثيرها شرايين الرئة فقط، وذلك عندما يضغط النسيج الندبي على الأوردة والأوعية الشعرية الصغرى.
ويتسبب هذا الضغط في زيادة مقاومة تدفق الدم في الرئتين، ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع ضغط دم الشرايين الرئوية والبطين الأيمن.
وتعتبر بعض أنواع فرط ضغط الدم الرئوي أمراضاً خطيرة، حيث تسوء حالة المصاب بشكل تدريجي، وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون قاتلة.

القلب الرئوي

يمكن أن يحدث فشل القلب بالجانب الأيمن، وهو ما يطلق عليه القلب الرئوي، وهذه الحالة تحدث عندما يجب أن يضخ البطين، أي الحجرة السفلية اليمنى، الدم بقوة أكبر من المعتاد، وذلك حتى ينقل الدم عبر الشرايين الرئوية المسدودة بشكل جزئي.
ومن أخطر المضاعفات فشل الجهاز التنفسي، وهو في الغالب المرحلة الأخيرة لمرض الرئة المزمن، حيث تنخفض مستويات الأكسجين بشكل خطر في الدم.
ويزيد التليف الرئوي من خطر تطور سرطان الرئة، في حال استمرار الإصابة به لمدة طويلة، ويؤدي تفاقم التليف الرئوي إلى مضاعفات أخرى مثل هبوط الرئة وتجلط الدم.

الأدوية والأكسجين البيتي

تحسن بعض علاجات التليف الرئوي من الأعراض بشكل مؤقت، ويمكن أن تبطئ تطور المرض، وتساعد كذلك في تحسين جودة الحياة، وذلك لأنه لا يوجد علاج يمكن أن يعكس تندب الرئة الذي يحدث في التليف الرئوي، وأيضا يمكن أن يوقف تطور المرض.
ويقوم الأطباء بتقييم الحالة، وذلك بهدف تحديد العلاج المناسب، وتعتبر أهم خطوة في العلاج تجنب سبب الإصابة بالمرض، وعلى سبيل المثال الامتناع فورا عن التدخين، وتجنب مصادر التلوث مثل الغبار الصناعي، وتجنب زيادة الوزن وعلاج الارتجاع المريئي، لأنه أحد أسباب التليف الرئوي.
ويمكن أن يوصي الطبيب ببعض الأدوية التي تساعد في إبطاء تطور تليف الرئة مجهول السبب، وربما أوصى بالأدوية المضادة للحموضة لعلاج الارتجاع المريئي.
ويعتبر الأكسجين البيتي أحد الأركان المهمة في علاج تليف الرئة، وبالذات في المراحل المتقدمة من المرض، وذلك بهدف المحافظة على النسبة الطبيعية من الأكسجين في الدم، وهو الأمر الذي يخفف معاناة المريض اليومية، ويساعده في القيام بأنشطته اليومية.

إعادة التأهيل والزرع

يتوافر سبيلان للعلاج: الأول إعادة التأهيل الرئوي، ويهدف إلى معالجة الأعراض وتحسين الأنشطة اليومية بصفة عامة.
ويركز إعادة التأهيل على النشاط الجسدي للمصاب، وذلك لرفع قدرة التحمل، وطريقة التنفس لتحسين فعالية الرئتين، والتغذية الملائمة والدعم والإرشاد.
ويمكن أن يلجأ الطبيب في حال فشل كل العلاجات المتاحة إلى استئصال الرئة المتليفة وزرع أخرى للمريض، ويمكن أن يقوم بزراعة رئتين في حالة تليف الاثنتين.
ويعتمد هذا الإجراء على خطورة الحالة وعمر المريض، ويجب ملاحظة أن القيام بهذا الإجراء يترتب عليه مضاعفات، منها الإصابة بالعدوى، أو رفض الجسم للرئة المزروعة.

نصائح مفيدة

تشير دراسة حديثة إلى أن مرض التليف الرئوي لا ينتقل بالوراثة، وأثبتت الأبحاث أن حوالي 15% من المصابين بهذا المرض يوجد لديهم فرد في العائلة مصاب أيضاً بالمرض.
ولا بد من اتباع بعض النصائح المفيدة للشخص المصاب بتليف الرئة، ومنها يجب أن يمتنع المصاب عن التدخين، بل وتجنب الجلوس مع أي مدخن، ويجب عليه كذلك الحرص على تناول الغذاء الصحي، وذلك لأن المصابين بهذا المرض يفقدون وزناً كبيراً بسبب صعوبة تناول الطعام.
وينبغي الاهتمام بممارسة الرياضة بشكل يحافظ على صحة الرئتين، ويخفف التوتر الذي تعرّض له المصاب، وذلك بعد استشارة الطبيب المعالج عن نوعية التمارين المتاحة، وبالاعتماد على الحالة الصحية للمريض.
وينبغي كذلك أن يحصل المريض على الطعوم الملائمة، وذلك أن الإصابة بالتليف تزيد من نسبة الإصابة بالعدوى، وبالتالي يجب أن يحصل المصاب وأفراد الأسرة على طعم الإنفلونزا السنوي، وكذلك طعم الالتهاب الرئوي، مع الحرص على تجنب الأماكن المزدحمة في الشتاء.

شاهد أيضاً