«البدلة».. فيلم خفيف على القلب بوصفة الكوميديا الحقيقية

مارلين سلوم

يحق للجمهور أن يذهب إلى السينما؛ للترفيه والاستمتاع بالمشاهدة فقط، دون توتر وأكشن وصراعات، وبلا مهمّة توكل إليه من قبل صنّاع الفيلم. يحق له أن يسترخي أثناء المشاهدة ويترك نفسه للضحك؛ فيصبح أسير المتعة فقط، دون أن يكلفه أحد بحل الألغاز وربط الخيوط، والمشاركة في البحث عن المجرمين، والتحليل والتعمّق واستخراج الأبعاد والمفاهيم والرسائل المباشرة وغير المباشرة.. يحق له أن يضحك من القلب ويشاهد كوميديا حقيقية، كما هي الحال في فيلم «البدلة» المعروض حالياً في الصالات.
«البدلة» فيلم خفيف على القلب، يملك كل مؤهلات الأفلام الكوميدية الحقيقية، التي تعتمد على اللقطة والنكتة الظريفة والموقف المضحك، وأهم ما فيه أنه يملك سر الكتابة الكوميدية غير المبتذلة ولا الساذجة، تلك التي نشتاق إليها وتغيب عن غالبية الأفلام الكوميدية والتي يسعى نجومها إلى إضحاك الجمهور رغماً عنه، ويفشلون. نعم القصة بسيطة جداً، الفكرة لتامر حسني ولا تتجاوز كونها حكاية عادية؛ لكن أيمن بهجت قمر أجاد حياكتها وتفصيلها على مقاس «البهجة» المنتظرة من أفلام العيد، وعلى مقاس «خفة الظل والنكتة المحببة»، فكتب السيناريو والحوار بإتقان شديد.
اكتمل نجاح الفيلم بوجود محمد العدل الذي تولى الإخراج بجدية وحرفية، ليقدم خلطة جميلة ما بين الأكشن والرومانسية والكوميديا. الصورة جميلة، الإيقاع سريع، الأحداث متتالية والمفاجآت كثيرة وإن كان بعضها متوقعاً ينتظره الجمهور، لكن انسجامه واستسلامه للفيلم، يجعلاه يتغاضى عن بعض النقاط، تماماً كما يحصل مع مشاهدتك لأفلام الأبيض والأسود بطولة نعيمة عاكف، إسماعيل ياسين، شكوكو، فيروز وغيرهم.
بداية الفيلم تشكل لك المفاجأة الأولى؛ حيث تجد دلال عبدالعزيز وابنتها (في الواقع وفي العمل) إيمي سمير غانم على وشك الولادة في غرفتين متقابلتين، وحسن الرداد زوج إيمي يتنقل بينهما. وليد جمال (تامر حسني) يحكي قصته أو بالأحرى ولادته الغريبة بصوته، فهو وخاله حمادة عين العقل (أكرم حسني) ولدا في نفس اليوم ونفس اللحظة، وبعد وفاة جديه، تولت أمه تربية شقيقها حمادة وابنها وليد معاً كأنهما توأم. ننتقل سريعاً من الطفولة إلى الشباب، ويجسد المخرج مرحلة الانتقال بتفنن؛ حيث نرى إيمي من الخلف وهي تسير ويتغير شكلها تدريجياً لتصبح دلال عبد العزيز التي تكمل العمل بدور شقيقة حمادة وأم وليد. دلال تتألق بالدور بخفة ظلها، وأكرم وتامر يشكلان ثنائياً كوميدياً ناجحاً.
تامر حسني فنان عرف كيف يعمل ويجتهد لينقل نفسه من مرحلة البدايات وإثبات الذات وسط نجوم الغناء، إلى مرحلة النجومية الشاملة، فهو يملك موهبة حقيقية في التمثيل ولا يفرض نفسه على الشاشة وعلى الجمهور بحكم شهرته في الغناء. يجيد أداء الأدوار الكوميدية ببساطة وتلقائية وسلاسة شديدة، دون افتعال أو مبالغة، ودون إقحام نفسه كفنان يبحث عن مزيد من الشهرة ومنبر إضافي ينشر من خلاله أغنياته. على العكس، في «البدلة» نجد تامر الممثل ويغيب المغني، وهي جزئية مهمة، تتيح له إبراز طاقاته في كل مجال والتألق دون المزج بينهما، خصوصاً أنه محبوب من الجمهور الذي يُقبل على السينما لمشاهدة تامر الممثل الكوميدي الظريف.
أكرم حسني هو الآخر من نجوم الكوميديا الشباب ويستحق أن يأخذ فرصته في أعمال كوميدية عالية الجودة وجيدة الصنع، غير مفبركة على مقاس «التفاهة» والبلاهة والافتعال، ولا التقليد. قدم ثنائياً مميزاً مع تامر، ومنحه «البدلة» المساحة التي يستحقها دون أن يسحب البساط من تحته لأجل عيون تامر.
ضيوف الشرف في «البدلة» كثر، منهم من يحضر بالاسم فقط مثل كمال أبو رية، ومنهم من يمر في مشهد أو أكثر، مثل أحمد شوبير ومجدي عبد الغني وأحمد زاهر وياسر علي ماهر وسلوى محمد علي، مع مشاركة محمود البزاوي وحسن حسني. ماجد المصري يؤدي شخصية القنّاص والقاتل المحترف الدولي ماركوس، ومشاهد المطاردة بالسيارة بينه وبين وليد (تامر) داخل أحد المراكز التجارية في القاهرة أرادها المخرج واقعية وبحضور جمهور حقيقي أيضاً، مع كل ما نجم عنها من أضرار وتحطيم زجاج واجهات محال وكلفة عالية على الإنتاج.
كعادة هذه النوعية من الأفلام تقدم البطلة لضرورة وجود الجنس اللطيف والحبيبة الجميلة، التي تزيد العمل تشويقاً لقصة حب لطيفة بينها وبين البطل. هكذا أدت أمينة خليل بحضورها المحبب دور ريم التي أحبها وليد منذ الطفولة، ومن أجلها يرتدي زي ضابط شرطة ويورط حمادة معه، لتكتمل الحبكة الكوميدية والدرامية.
الإسقاطات كثيرة في الفيلم، والإفيهات المستوحاة من أسماء وأعمال وشخصيات معروفة، مثل مرتضى منصور وكاظم الساهر ورأفت الهجان وأغنية «هلا بالخميس» وغيرها.. هناك أخطاء بلا شك، لكنها لا تؤثر سلباً في العمل، ولا تستفز المشاهدين، ولا يجب الأخذ على القصة خلوها من العمق؛ لأنها تؤدي المطلوب منها في هذه النوعية من الأفلام السينمائية، التي تسعى إلى إسعاد الجمهور وإضحاكهم بلا فلسفة أو سذاجة. وبجانب الإقبال الكبير على المشاهدة في السينما، يلفتك تفاعل الجمهور مع «البدلة» منذ المشهد الأول وحتى النهاية، وضحكات الكبار والصغار المتواصلة. وتستوقفك أيضاً رغبتك في استعادة بعض المشاهد، والراحة التي تخرج بها من الصالة، وحديثك عن العمل حين تنصح معارفك بمشاهدته.

الأرقام واكتمال الأركان

كيف تقيس مدى نجاح الفيلم؟ الكل ينظر إلى الأرقام، وما يحققه «شباك التذاكر»، باعتباره المقياس لمدى نجاح أي فيلم، بينما النجاح الحقيقي معاييره مختلفة، وليست أسيرة المبيعات، والأرقام التي يتلاعب بها المنتجون، وربما أصحاب الصالات كيفما شاؤوا، من دون أن يصدر أي تقرير رسمي يؤكد، أو ينفي. معايير النجاح تقاس باكتمال أركان العمل المعروفة، من قصة، وكتابة، وإخراج، وتمثيل، وحب الجمهور له، ومدى تأثرهم به، والصدى الذي يتركه والرغبة في الحديث عنه إيجاباً لا سلباً. «الضجة» ليست هي أيضاً معياراً للنجاح، فالبعض يثير ضجة «سلبية» فيرفضه الجمهور، والنقاد بشدة.
وبغض النظر عن الأرقام والصراعات الدائرة بين صناع فيلم «البدلة» وصناع «الديزل» لمحمد رمضان، للتأكيد على أحقية كل منهما بالمركز الأول خلال عروض إجازة العيد في مصر، فإن «البدلة» عمل كوميدي ناجح، يستحق التميز وسط ندرة الأعمال التي تتوفر فيها شروط الكوميديا، وتحقق في الوقت نفسه نجاحاً إضافياً لبطلها تامر حسني، ليثبت أكثر فأكثر قدميه في عالم التمثيل، وتحديداً في هذه النوعية «الصعبة» من الأعمال السينمائية. فمن السهل أن تخلق معارك على الشاشة، وتقفز في مشاهد خطيرة، وتؤدي الأكشن، والقتال، والعنف، والضرب، إنما من الصعب أن تخترق قلوب المشاهدين وتحثهم على الضحك، والاستمتاع والبهجة، بلا افتعال.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً