«الانغلاف» يسبب مرض الانسداد المعوي

يعد مرض الانغلاف المعوي نوعاً من أنواع الانسداد المعوي الذي يحدث نتيجة تداخل جزأين من الأمعاء، أي انزلاق جزء من الأمعاء داخل جزء آخر منها، وهو ما يحدث تماماً عند إدخال أجزاء التليسكوب في بعضها لطيه، أو عند إدخال جزء من أسطوانة في أخرى أكبر منها.
ويؤدي الانغلاف المعوي إلى حدوث مشكلة انسداد الأمعاء، وبالتالي يتسبب في توقف حركة مرور الطعام والفضلات داخل أمعاء المصاب، كما يؤثر أيضا على تدفق الدم للأمعاء، وهو ما يعني موت أنسجة الجزء المنطوي من المعدة والتهديد بحدوث ثقب فيها.
تتكون الأمعاء والجهاز الهضمي كله من أنبوب طويل ملتف حول بعضه، والأمعاء نوعان الأولى الدقيقة وهي أنبوب طويل ملتف حول بعضه، ويبدأ من نهاية المعدة، وتنحصر مهمتها في امتصاص المواد الغذائية من الفيتامينات والبروتينات والكربوهيدرات من العصارة الهضمية أثناء مرورها بالمعدة.
ويصل ما تبقى إلى النوع الثاني من الأمعاء، وهي الأمعاء الغليظة التي تستخلص المياه وتمرر الفضلات الباقية لتخرج عبر المستقيم على شكل الفضلات.
ويصيب الانغلاف المعوي الأطفال بصفة خاصة في الأعمار ما بين شهرين إلى عامين، ويصيب الذكور منهم في الغالب، وهو أشهر أنواع الانسداد المعوي التي تصيب الأطفال، وتندر إصابة البالغين بهذا النوع من الانسداد المعوي.

الدقيقة أكثر تأثراً

يشير الأطباء إلى أن أسباب حدوث الانغلاف المعوي ما زالت مجهولة، ويمكن أن ترتبط الحالة بخلل ما في توازن القوى داخل جدار المعدة، أو حدوث مشكلة ما أثناء نمو الطفل والأمعاء، وكثيرا ما يرتبط الانغلاف المعوي بالبرد والشتاء مما يرجح وجود فيروس يسببه.
ويصيب الانغلاف المعوي الأمعاء الدقيقة أكثر من غيرها فيحدث انسداد معوي، فيتراكم الطعام المهضوم مكونا انتفاخا في أنبوب المعدة لا يلبث أن ينثني جزء منه محدثاً الانغلاف.
وتؤدي بعض الحالات إلى حدوث انغلاف الأمعاء، ومنها تقلصات المعدة الطبيعية في حالة وجود زوائد في المعدة، أو أورام سواء حميدة أو خبيثة أو ندبات ناتجة عن جراحة سابقة، أو الإصابة بالالتهابات لا سيما التهاب الأمعاء الناحي، ومتلازمة كرون، وتحدث الإصابة بهذه الطريقة لدى البالغين عادة.

رتج ميكل

يصاب الأطفال بالانغلاف المعوي نتيجة عيب خلقي أو نمو غير طبيعي للأمعاء منذ الولادة، مثل رتج ميكل وهو انتفاخ بسيط في الأمعاء يتكون من بقايا رابط في الأمعاء الدقيقة، يكون موجودا في مرحلة التكون الجنيني وينتهي مع الولادة.
وينتج الانغلاف المعوي عن عدة أمراض كالتكيسات المسراقية وتضخم الغدد الليمفاوية والسكون المعدي والخمول البنكرياسي والتكيسات الليفية، ودخول أجسام غريبة إلى الأمعاء، وكذلك حدوث خلل في التركيزات الطبيعية للأملاح والناتجة عن حالات مرضية.
وتساهم إصابة الصغير بنقص المناعة المكتسبة في احتمالية حدوث الانغلاف، والإصابة السابقة بالانغلاف تعني احتمالية حدوثه مرة أخرى خاصة في الأطفال.

مغص وآلام تشنجية

يظهر على الطفل المصاب بالانغلاف المعوي مغص شديد وآلام تشنجية بالبطن مما يستدعي بكاء الصغير بشكل متكرر، ويتخلل فترات البكاء أخرى هادئة، وبعدها كثيرا ما يتقيأ الطفل المريض، ويظهر عليه الشحوب وضعف الانتباه والسبات.
وترتفع درجة حرارة المريض ويصاب بالإسهال أو الإمساك ويحتوي برازه على المخاط والدم، ومن الممكن أن تظهر مكان الانسداد كتلة يمكن الإحساس بها عند لمس مكانها من الخارج.
ولا تظهر آلام شديدة على بعض الأطفال أو تظهر الدماء في البراز أو كتلة محسوسة في البطن، خاصة إذا لم يؤدِ الانغلاف إلى انسداد معوي كامل، ويحدث مع الكبار أكثر من الأطفال ولا تكون الأعراض واضحة.
ويتشابه كثير من أعراض الانغلاف المعوي مع أمراض المعدة الأخرى، وهو ما يؤخر استشعار أهل المريض لوجوب نقله للمستشفى في بعض الأحيان.
وتختلط على الطبيب في بادئ الأمر أعراض مثل التقيؤ والرغبة المستمرة في النوم واختلاط البراز بالدم لتشابهها مع أمراض أخرى.

التهاب الغشاء البريتوني

يؤدي الانغلاف المعوي إلى انسداد المعدة، فيصبح ما بعد الانسداد فارغا من العصارة الهضمية وتتكتل كل العصارة قبل الانسداد، وهذه الحالة هي من الحالات الطارئة التي تستدعي التدخل الطبي الفوري.
ويحدث بسبب الانغلاف المعوي انقطاع وصول الدم للجزء المنثني من الأمعاء، ما يعني توقف إمداد الخلايا في هذا الجزء بالأكسجين والطاقة اللازمة فتعجل من موتها، ويحدث بالتالي في النهاية تمزق وثقب في نسيج الأمعاء.
وينتج عن انثقاب المعدة التهاب الغشاء البريتوني، وهي من المضاعفات الخطيرة المهددة للحياة، والغشاء البريتوني هو غشاء رقيق مبطن للجدار الداخلي المحيط بأعضاء الجهاز الهضمي والأعضاء الموجودة بالبطن.
ويتميز التهاب الغشاء البريتوني بأعراض محددة، تشمل عدم انتظام التنفس فهو سريع أو بطيء، ويضعف النبض ويتسارع ويبرد الجلد ويصبح شاحبا رماديا، مع ألم وتورم في البطن وشعور بالعطش وانخفاض كميات البول، وربما يصاب الطفل بصدمة تجعله شديد الكسل وفي غير وعيه.

مستشفى الطوارئ

ينقل مريض الانغلاف المعوي بجميع مستوياته إلى مستشفى الطوارئ بسرعة، ليقوم الطبيب بعمله فيسأل عن الأعراض ويتحسس بطن المريض، ويلاحظ وجود كتلة طولية بعض الشيء في المعدة ويطلب عمل الأشعة.
وتشمل الأشعة التصوير بالأشعة السينية وبالموجات فوق الصوتية، والتصوير المقطعي المحوسب وهو يختلف عن الرنين المغناطيسي، رغم تشابه الجهازين إذ يعتمد التصوير المقطعي المحوسب على مجموعة من الصور الملتقطة بالأشعة السينية من زوايا مختلفة، والتي يتدخل الحاسب الآلي لتكوين صور مقطعية أو شرائحية من هذه الأشعة.
ويظهر في الأشعة الانغلاف والانسداد المعوي، وإن كان هناك التفاف من المعدة على نفسها، كما سيجزم الطبيب بعد مشاهدة الأشعة إن كان هناك تمزق أو ثقب في جدار الأمعاء.

الحقنة الشرجية

تعتبر حالة الانغلاف المعوي من الحالات الطارئة التي لا يمكن للمريض معها أن يأكل أو يشرب، فيتم تركيب كانيولا وريدية لتوصيل المحاليل والأدوية لدم المريض مباشرة.
لا يصعب علاج الانغلاف المعوي في كثير من الحالات طالما اكتشف في الوقت المناسب، إذ يقوم الطبيب بعمل حقنة شرجية يتم إدخالها إلى المستقيم، بعد تزييتها بشكل جيد لتسهيل دخولها مع نوم المريض على جانبه.
ويتم دفع هواء أو ماء مخلوط بمادة كبريتات الباريوم، من خلال الحقنة الشرجية إلى داخل الأمعاء من الغليظة وصولاً إلى الأمعاء الدقيقة، ويدفع الهواء الانغلاف ويضغط عليه ما يؤدي لحله، وعودة المعدة لطبيعتها في كثير من الحالات، وتترسب مادة كبريتات الباريوم البيضاء على جدار الأمعاء ما يساعد على وضوح صور الأشعة الملتقطة وظهور الانسداد جليا.
ولا يتم اللجوء للحقنة الشرجية في حالات وجود الصفاق أو التهاب الغشاء البريتوني لتأثيرها الضار في تلك الحالات الشديدة، ويتم الاتجاه للتدخل الجراحي.

استئصال النسيج الميت

ويلجأ الطبيب للجراحة إذا لم تستجب الأمعاء للحقنة الشرجية العلاجية، أو كان الضرر شديدا ووصل لمرحلة موت الأنسجة، أو في حالة وجود ثقب في المعدة، أو في حالة كان الانغلاف في بداية الأمعاء، مما يضعف من كفاءة الحقنة الشرجية.
ويتم في الجراحة شق البطن ويعيد الجراح الأمعاء إلى وضعها الطبيعي، وإذا كان هناك نسيج ميت يتم استئصاله، ثم إعادة تقطيب الأمعاء وفي بعض الحالات تكون الجراحة بالمنظار الجراحي، الذي يحتاج شقاً أصغر من الجراحة المباشرة.
ويعالج التهاب الغشاء البريتوني بالمضادات الحيوية، التي تمنع العدوى وتقضي عليها، وإن كان غالبا ما يصاحب ذلك التدخل الجراحي لعلاج حالة الانغلاف المتأخرة، والتي تسببت في الالتهاب للغشاء البريتوني مع البحث – أثناء الجراحة- عن أي أسباب أخرى لحدوث الالتهاب.
ويعاود الانغلاف المعوي ظهوره في بعض الحالات التي تم علاجها بالحقنة الشرجية، وبنسبة أقل من الحالات المعالجة بالجراحة، ولا بد من متابعة أي أعراض جديدة تظهر بعد العودة للمنزل، وفي حالات نادرة يختفي الانغلاف المعوي من تلقاء نفسه.

معاودة الإصابة

تشير دراسة حديثة إلى أن الانغلاف المعوي يصيب نحواً من 1 إلى 4 حالات من كل ألف مولود، ويصيب أكثر الأعمار ما بين 2 إلى 24 شهرا، وتتسبب عمليات جراحية سابقة في نحو 12% من حالات الانغلاف المعوي عند الأطفال.
يصل طول الأمعاء الدقيقة إلى نحو 6 أمتار عند البالغين، إذا تم فردها خارج الجسم، ونحو 3.5 متر عند الأطفال وهي معرضة أكثر من غيرها للإصابة بالانغلاف المعوي.
يتميز الانغلاف المعوي بموجات بكاء للأطفال تستمر نحو 5 دقائق وتتكرر من 15 إلى 30 دقيقة، وتتخللها أوقات هدوء، لذلك فإن تكرار اختفاء وعودة الألم يساعد الطبيب في تشخيص المرض، ويصيب الانغلاف المعوي الأطفال الذكور أكثر من الإناث.
تساعد الحقنة الشرجية الدافعة للهواء على علاج نحو 90% من حالات الانغلاف المعوي عند الأطفال ونادرا ما يختفي من تلقاء نفسه.
تحتمل عودة الانغلاف المعوي مرة أخرى للظهور بعد علاجه بالحقنة الشرجية بنسبة 10% وبنسبة 5% في الحالات التي تم علاجها بالتدخل الجراحي.

شاهد أيضاً