«الاكتناز القهري».. إفراط في جمع الأشياء

تتكدس الأشياء غير الضرورية من حوله، مثل أوراق الجرائد والمجلات القديمة والملابس وعلب مساحيق الغسل، ويرفض أن يتخلص منها على الرغم من أنها عديمة الفائدة أو حتى تالفة.
ويتسبب إصراره في الاحتفاظ بها، تحت دعوى أنه ربما احتاجها يوماً ما، إلى أن يصير المكان في حالة من الفوضى. وتسبب كذلك إزعاجاً للأسرة والمحيطين به، ويعرّف الأطباء والأخصائيون هذه الحالة بأنها خلل يسمى باضطراب الاكتناز القهري، وهو اضطراب يصيب الكثيرين منّا بنسبة ما، كما أنه يمكن أن يتسبب في وفاة المصاب في الحالات الحادة.
نتناول في هذا الموضوع مرض اضطراب الاكتناز القهري بالتفاصيل، مع كشف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، ونقدم سبل الوقاية الممكنة وأساليب العلاج التقليدية والحديثة.
تجميع الأغراض
يعرّف الأطباء اضطراب الاكتناز القهري، بأنه الإفراط في تجميع الأشياء الضرورية أو غير الضرورية، والصعوبة الشديدة في اتخاذ قرار التخلص من الممتلكات الشخصية غير الضرورية.
ويطلق البعض على هذا الاضطراب مسمى مرض تجميع الأغراض، ويرجع ذلك إلى إحساس المصاب المستمر بأنه في حاجة إلى استخدام هذه الأشياء فيما بعد. ويعد اضطراب الاكتناز أحد الطرق التي استخدمها الإنسان في قديم الزمن من أجل البقاء على قيد الحياة، وهو يصيب أي شخص بصرف النظر عن العمر أو الجنس أو الحالة الاقتصادية.
ويحيا من يعاني من الاكتناز القهري في بيئة غير صحية، نتيجة تكدس الأشياء غير الضرورية من حوله بصورة مزعجة، وبالتالي تصبح مليئة بالفوضى وغير مريحة. ويميل بعض المصابين إلى الاحتفاظ بالعشرات وأحياناً المئات من الحيوانات الأليفة في منازلهم، على الرغم من افتقادهم القدرة على العناية بها. وتتراوح نسبة الإصابة بين المتوسطة والشديدة، حيث يمكن ألا يظهر أي تأثير على المصاب بصورة مباشرة، وربما أثر المرض على أداء المصاب خلال الحياة اليومية وفي حالات أخرى.
قلق وخوف
يعاني المصاب بهذه المشكلة من القلق والخوف وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، كما أنه ينعزل عن المجتمع ومن حوله، وربما تعمد جمع الطعام والأغراض خشية الموت من الجوع، وأيضاً حماية من المعتدين.
ونستطيع أن نميز بين اضطراب الاكتناز القهري وهواية جمع الأشياء، مثل الطوابع أو العملات القدمية أو نوعية معينة من السيارات، حيث إن محبي جمع هذه الأشياء يبحثون عن أنواع معينة، ويقومون بترتيبها وتصنيفها، وبالتالي يعرضونها في شكل جميل ومنسق.
كما لا يسبب حجم الأشياء التي جمعوها أي حالة من الفوضى في المكان، أو يصيب بالضيق، وهو أحد الأعراض البارزة في اضطراب الاكتناز.
صدمة شديدة
تشير الدراسات إلى أن هناك بعض الأسباب العوامل التي ربما أدت إلى الإصابة بهذا الاضطراب، وذلك لأن السبب الرئيسي مازال مجهولاً.
وتشمل هذه الأسباب التعرض لتجربة قوية، حيث بينت إحصاءات على المصابين باضطراب الاكتناز القهري، أن الكثيرين منهم يمكن أن يكونوا تعرضوا لحادث عنيف وأليم في حياتهم أو صدمة شديدة، مثل وفاة شخص عزيز أو فقدان بعض الممتلكات المهمة، وبسبب هذا ظهرت الحاجة عندهم في جمع الأغراض خوفاً من شعور خسارة أشياء جديدة.
ويمكن أن يعود الاضطراب إلى سبب بيولوجي، حيث يظهر الفحص الإشعاعي للدماغ لدى بعض المصابين، أن الجزء المسؤول عن اتخاذ القرارات يعاني مشكلة أو خللاً ما في إتمام وظيفته بصورة سليمة.
شعور بالأمان
تتسبب التربية الخاطئة أو حالة مشابهة في العائلة تتمثل في معاناة أحد الأشخاص من هذا الاضطراب، وذلك لأن البعض ربما يتشبهون بغيرهم من الأقرباء، وبالتالي يسعون إلى جمع الأغراض بصورة مرضية.
ويعتقد المصاب باضطراب الاكتناز أنه ربما احتاج إلى استخدام هذه الأشياء التي يقوم بجمعها، ويمنح المصاب هذه الأشياء أهمية عاطفية، وذلك أنها تذكره بأوقات سعيدة، أو حيوانات رباها وكانت محببة إليه.
ويتسلل إلى المصاب بهذا الاضطراب إحساس بالأمان، عندما يجد هذه الأشياء البالية تحيط به من كل مكان، وتتسبب العزلة الاجتماعية أحياناً في الإصابة بهذا الاضطراب، حيث يشعر المصاب بالراحة مع احتفاظه بهذه الأغراض، وبسبب الإحساس الشديد بالعزلة والوحدة.
بداية من المراهقة
تختلف أعراض اضطراب الاكتناز وحدّتها من مريض لآخر، ويمكن ألا يظهر تأثير الاضطراب على البعض بصورة مباشرة، وربما أثّر في حالات أخرى للدرجة التي تدمر حياة المصاب.
وتظهر أعراض الاضطراب في العادة بداية من مرحلة المراهقة، بين الحادية عشرة والخامسة عشرة، وتزداد سوءاً مع التقدم في العمر، وربما بدأ بعض الأطفال الأصغر سناً في الاحتفاظ بأشياء، مثل ألعاب محطمة أو أقلام رصاص مكسورة أو أوراق مدرسية قديمة، ويعتبر هذا الاضطراب أكثر انتشاراً بين البالغين بصفة عامة.
وتشمل الأعراض عجز المصاب عن التخلص من الأشياء التي يحتفظ بها بصرف النظر عن قيمتها، وما إذا كان يستخدمها هو أو أحد أفراد الأسرة.
تعلق مرضي
يتعلق المريض بشكل مبالغ فيه بالممتلكات، وذلك لدرجة أنه لا يسمح لأحد باستخدامها أو استعارتها، حتى لو كان شخصاً مقرباً بعض الوقت.
كما يرفض مغادرة أي شيء موجود في المنزل، وتنشر الفوضى في أنحاء المنزل، وهو ما يترتب عليه أن بعض الأماكن لا تصلح لإنجاز المهام بها، مثل استعمال الحمام أو المطبخ.
ويحتفظ المصاب بأكوام من الصحف والمجلات ورسائل البريد، وكذلك أشياء غير ذات نفع، مثل المناديل الورقية أو العملات البالية.
وتتراكم الأطعمة والقمامة بصورة غير طبيعية، ويترتب على كل ما سبق صعوبة تنظيم الأنشطة اليومية أو اتخاذ القرارات، والشعور بالحرج الدائم من الآخرين، وبالتالي انعدام التفاعل الاجتماعي والعزلة.
تقييم نفسي
يقوم الطبيب بعمل تقييم نفسي شامل لمريض اضطراب الاكتناز القهري، من أجل تشخيص الحالة بشكل دقيق، واستبعاد الإصابة بأي أمراض عقلية أخرى، ويطرح العديد من الأسئلة على المريض، حول امتلاكه للأغراض الكثيرة وكيفية تخلصه من بعضها. ويمكن أن يستفسر عن بعض الأمور العاطفية، كما يناقش الأعراض حتى يصل إلى تأكيد الإصابة بالمرض، ويمكن للطبيب أحياناً أن يتحدث إلى أفراد العائلة والأصدقاء، وتساعده صور وفيديوهات غرف المعيشة التي تمتلئ بالأغراض.
ويعد اضطراب الاكتناز القهري أكثر شيوعاً بين من يعانون اضطرابات نفسية أخرى، مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، وفي العادة فإن المصاب لا يطلب المساعدة أو يبحث عن علاج، عكس الإصابة بأمراض مثل القلق والاكتئاب.
تحدٍّ قوي
يجهل كثير من المصابين باضطراب الاكتناز الأثر السلبي للتجميع المبالغ للأشياء والأغراض المختلفة، ويعتقدون أنهم ليسوا مرضى، أو أنهم في حاجة إلى العلاج.
ويمثل العلاج تحدياً قوياً، حيث يوفر الاحتفاظ بهذه الأشياء والحيوانات الأليفة الخاصة بهم شعوراً بالراحة، وتظهر لدى المصابين ردة فعل عكسية، عند قيام أحد بمحاولة التخلص من هذه الأشياء.
وتتجلى في الإصابة بحالة من الغضب والإحباط، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى جمع أشياء أخرى من نفس النوعية وبشكل سريع، وذلك لتلبية احتياجاتهم العاطفية التي ترتبط بحيازة هذه الأغراض.
نفسي ودوائي
ينقسم العلاج إلى نفسي ودوائي، بالإضافة إلى العلاج السلوكي المعرفي، ويعتبر هو العلاج الأساسي والأكثر انتشاراً بالنسبة لهذا الاضطراب.
ويقوم المعالج بالاستفسار من المريض عن السبب وراء تكديسه كل هذه الأغراض، كما أنه يقوم بمساعدته في تعلــم أساليب ترتيب وتصنيف الأشياء، حتى يتجنب أن تشغل حيزاً كبيراً، مع التخلص من الممتلكات غير المفيدة أو المهمة.
ويتعلم المصاب كيفية اتخاذ القرار ومهارات التعامل مع الآخرين، وتعد زيارة منزل المريض بشكل دوري من ضمن مهام المعالج، والتي تهدف إلى مساعدته على إزالة الفوضى منه، وأن المريض تعلم أساليب المحافظة على العادات الصحية، مع توجيهه إلى ممارسة أساليب الاسترخاء.
مساعدة الأسرة
يتطلب العلاج في العادة مساعدة أفراد الأسرة والأصدقاء في التخلص من الأشياء المجمعة، وبالذات لدى كبار السن المصابين بأمراض أخرى تسبب الإحباط لهم، وكذلك بالنسبة للأطفال، حيث يؤدي اعتقاد الآباء أن التخلص من توتر الأطفال، يمكن أن يكون بالسماح لهم بالاحتفاظ بهذا الكم من الأغراض إلى نتيجة عكسية.
ويزيد ذلك من حالة التوتر لديهم، وبالتالي فإن علاج الأطفال من هذا الاضطراب يجب أن يكون مع تعليمات للأهل، حول كيفية التعامل مع أطفالهم المصابين باضطراب الاكتناز القهري.
وتعتبر الأدوية الأكثر استخداماً في علاج اضطراب الاكتناز القهري، هي المستخدمة في علاج التوتر والاكتئاب، لأنه لا يتوافر حالياً علاج خاص بهذا الاضطراب.

إجراءات مساعدة
تشير دراسة حديثة إلى أن مريض اضطراب الاكتناز القهري يحتاج إلى اتباع إجراءات تساعد بجانب العلاج في الشفاء، ومن هذه الإجراءات الالتزام ببرنامج العلاج، حيث إن العلاج يكون في العادة صعبا، ولذلك تحدث بعض التعقيدات.
ويساعد العلاج المريض على الإحساس بأنه أفضل، ويخفف من عملية الاكتناز، ويمكن الاستعانة بالمقربين لاتخاذ قرارات تحديد أحسن الأساليب في تنظيم الأغراض والتخلص من الفوضى، وربما يستغرق هذا الأمر بعض الوقت قبل أن يرجع المصاب إلى المنزل النظيف المرتب.
وتؤدي الإصابة بالاكتناز القهري إلى حدوث عزلة اجتماعية، وهو الأمر الذي يؤدي بالمريض إلى جمع أغراض وأشياء أكثر، ويكون الخروج من هذه الدائرة بالتواصل مع الآخرين، من خلال زيارة الأصدقاء والتخلص من شعور الوحدة والعزلة.
ويجب إيجاد طريقة للتخلص أو نقل الأغراض التي في حوض الاستحمام أو الحمام، وكذلك في طريق الموقد أو الثلاجة، حتى يمكن للمصاب الحفاظ على نظافته الشخصية والاهتمام بالتغذية الجيدة.
ويجب كذلك على المريض تذكير نفسه بأنه ليس مضطراً للعيش في فوضى وتوتر، وأنه يستحق أفضل من هذه الحياة.

شاهد أيضاً