يوسف أبو لوز
ما من دورة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، بخاصة في العقدين الماضيين إلا وتحضر ثقافات وآداب وفنون دول العالم في آسيا وأوروبا وإفريقيا، ويتمثل هذا الحضور الثقافي الدولي في مساحات العرض التي توفرها إدارة المعرض لهذه الدول، وهي مساحات واسعة تؤشر على وجود قارئ منتظم من قارات العالم بحكم طبيعة الخريطة السكانية الإماراتية التي تستقبل أكثر من مئتي جنسية من العالم في بيئة اجتماعية ثقافية تعايشية تسامحية. والثقافة هي القاسم المشترك في بيئة التعايش والتسامح. الثقافة بكل مكوناتها ومفرداتها الإنسانية التي تلتقي مع مكونات ومفردات الثقافة الإماراتية العربية.
معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب لهما الفضل، بالمقابل، في التعريف بثقافتنا العربية في قارات العالم. المعرضان حاضران دائماً في باريس، وفرانكفورت والهند والصين واليابان ولندن، وفي العامين الماضيين تولت هيئة الشارقة للكتاب ترجمة العشرات من العناوين الإماراتية والعربية إلى لغات حية مقروءة في العالم الأمر الذي يتيح لقارئ تلك اللغات أن يكوّن فكرة ولو أولية عن طبيعة الأدب العربي، بخاصة الرواية والشعر.. والشعر بشكل خاص هو عمود الثقافة العربية وهويتها الإبداعية والجمالية، ويسعد المرء هنا أن غالبية الترجمات التي تولتها هيئة الشارقة للكتاب توجهت إلى الشعر والرواية إماراتياً، وعربياً.
قبل أيام شاركت جمعية الناشرين الإماراتيين في معرض بكين الدولي للكتاب على مدى خمسة أيام هي عمر المعرض، كما هو دأبها دائماً على الحضور في معارض الكتب الدولية. ولا تقتصر مشاركة الجمعية التي تأسست عام 2009 على تقاليد عرض الكتب المتعارفة، بل فوق ذلك يعقد ممثلو الجمعية المشاركون في معارض الكتب اجتماعات ولقاءات تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي والنشري وصناعة الكتاب وتوزيعه مع النخب النشرية العالمية سواء على مستوى أفراد يمتلكون دور نشر خاصة أو على مستوى مؤسسات نشرية كبرى.
هذا العمل الثقافي المنتظم في العقدين الأخيرين والمبني على رؤية مؤسسية عملية من جانب معرضي الكتاب في أبوظبي والشارقة، ومن جانب هيئة الشارقة للكتاب وجمعية الناشرين الإماراتيين يعكس محلياً وعربياً وعالمياً رؤية الإمارات للثقافة الإنسانية المتسامحة بوصفها قوة ناعمة ودبلوماسية عالمية تحمل فكر الدولة القائم على ثقافة الحياة والتعايش والسلام. فكر يرفض التمييز والتعصب والتطرف، ويرحب بالحوار والتكامل المعرفي، وتلاقي الثقافات والحضارات.
علينا أن نشير إلى هذه الثوابت الإماراتية الثقافية أكثر من مرة.. لا من باب الدعاية والاستعراض.. فالثقافة الإنسانية التي تدعو إلى العدل والخير والتعاون هي أبعد ما تكون من الدعاية لأنها أصلاً ليست في حاجة إليها عندما تكون الإنجازات والتحققات قائمة على الأرض وليست في الهواء.
الثقافة في الإمارات، تتحدث عنها مؤسساتها المحلية، وتتحدث عنها المشاريع والمبادرات. الثقافة في الإمارات تتحدث عنها مشاريع الترجمة هنا في البلاد، وتتحدث عنها صناعة الكتاب وعائدات هذه الصناعة، كما يتحدث عنها المشهد الثقافي الإماراتي من المحلية إلى العربية إلى العالمية.
yabolouz@gmail.com