الإغماء المؤقت رد فعل الجسم للحفاظ على الحياة

يتعرض الكثيرون للإصابة بحالة الإغماء المفاجئ، وهو الأمر الذي يصيب المحيطين بالشخص المغمى عليه بالقلق، ولا يعني الإغماء المفاجئ فقداناً كاملاً للوعي، وإنما يكون لفترة قصيرة، ويصاحبه في العادة سقوط المصاب على الأرض، خاصة إذا أصيب بالإغماء وهو واقف، وكذلك إذا كان جالساً.
ويؤدي للإصابة بهذه الحالة انخفاض تدفق الدم إلى المخ، وربما حدث الإغماء المفاجئ دون إنذار مسبق، وربما كانت هناك بعض الأعراض مثل الدوخة، أو الغثيان، أو التقيؤ، أو رنين في الأذن وعدم وضوح الرؤية، وتختفي كل هذه الأعراض بمجرد عودة الدم للتدفق إلى المخ بشكل سليم.
نتناول في هذا الموضوع مشكلة الإغماء المؤقت، والعوامل والمسببات التي تؤدي إلى حدوثها، مع بيان الأعراض التي تظهر، وتقديم سبل الوقاية وأساليب العلاج المعتادة والحديثة.
حميد ومرضي
يطلق على الإغماء المؤقت فقدان الوعي المؤقت أو الغشيان أو الغشي، وتتراوح مدة الإصابة بالإغماء في الغالب بين ثوانٍ وعدة دقائق.
ويصاحب هذه الحالة ضعف عام في عضلات جسم المصاب، وفقدان للتوتر العضلي، وهو ما يؤدي إلى عدم مقدرته على الوقوف أوالجلوس أثناء الإغماء.
ويمكن أن يكون الإغماء حميداً، وذلك عندما يكون السبب انخفاضاً غير طبيعي في سرعة القلب، وتوتر الأوعية الدموية، أو يكون مرضياً بسبب اضطراب نظم نبض القلب، ومن الجائز أن يحدث الإغماء المؤقت مرة واحدة أو يتكرر حدوثه.
ويحدث الإغماء كرد فعل طبيعي من الجسم بهدف البقاء على الحياة، فعندما تقل كمية الدم والأكسجين التي تصل إلى الدماغ بصورة كبيرة، وهو ما يؤدي إلى وقف الدماغ عمل جميع الأعضاء غير الحيوية حتى يتركز تدفق الدم نحو الأعضاء الحيوية. ويجب التعامل مع جميع حالات الإغماء المؤقت على أنها حالة صحية طارئة، وذلك لأن الإغماء في حد ذاته ليس مشكلة صحية خطيرة، ولكن ربما كان دليلاً على مشكلة أخطر في بعض الحالات.

الأنواع المنتشرة

توجد أنواع مختلفة من الإغماء، إلا أن الأكثر شيوعاً هي 3 أنواع، وهي الإغماء الوعائي المبهمي، ويعتمد هذا النوع على تحفيز العصب المبهم من خلال التعرض لصدمة عاطفية، أو نتيجة رؤية الدم، أو كذلك بسبب وقوف المصاب فترة زمنية طويلة.
ويحدث النوع الثاني من الإغماء، وهو إغماء الجيب السباتي، بسبب تعرض الشريان السباتي الذي يوجد في الرقبة للضغط، أو بسبب تغير وضعية الرأس، أو عند ارتداء قلادة أو ربطة عنق ضيقة على الرقبة.
ويصاب بالنوع الثالث من الإغماء، وهو الإغماء الظرفي، بسبب الضغط أثناء التبول أو الإخراج، أو نوبة من السعال الشديد، ويمكن أن يعود إلى مشاكل صحية تتعلق بالجهاز الهضمي.
الموقفي والموضعي
يشير الباحثون إلى أن الإغماء المؤقت يمكن تقسيمه إلى عدد من الحالات، ومنها الإغماء الذي يكون بسبب انخفاض ضغط الدم، فيؤثر على المخ، وإغماء المواقف الذي يحدث بسبب الإثارة العصبية بشكل كبير، ومن أمثلته القلق والألم والخوف والجوع واستخدام الأدوية.
ويقل الضغط بشكل مفاجئ، وذلك في الإغماء الموضعي، ويحدث هذا الأمر نتيجة تغيير الوضع، وعلى سبيل المثال من الوضع نائماً إلى قائم. وتتسبب مشاكل القلب أو الأوعية الدموية في الإصابة بالإغماء القلبي، وتكون مشاكل المخ الصحية، مثل الصرع والتشنجات، سبباً في الإصابة بالإغماء العصبي.

بعض الأمراض

يؤدي كثير من الأسباب إلى الإصابة بالإغماء المؤقت، ويمكن أن تتسبب بعض الأمراض في التعرض للإغماء مثل فقر الدم، والصرع، والهستيريا، ونقص السكر في الدم.
ويمكن أن يكون السبب بعض أمراض الأوعية الدموية في المخ مثل الصداع النصفي، والقصور الفقري القاعدي، ويؤثر بطء نبض القلب في قدرة الجسم على المحافظة على ضغط الدم بصورة سليمة، وكذلك تدفقه بكمية كافية إلى المخ. ويؤدي إلى هذه الحالة في بعض الأحيان التوتر العضلي وانخفاض ضغط الدم، والإجهاد وقلة النوم والأكل، وممارسة «رجيمٍ» قاسٍ، وكذلك عدم الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية.
ويمكن أن يكون الحمل وراء الإصابة بالإغماء، وذلك نتيجة ضغط الرحم على الوريد الأجوف السفلي، ونقص ضغط الدم.

الجفاف وفوبيا الدم

يحدث الإغماء نتيجة فقد الجسم للسوائل بشكل كبير وسريع، وذلك بسبب الإصابة بالإسهال والقيء والتعرق، ويمكن أن يؤدي لهذه الحالة مرض السكري الذي يعمل على فقد الجسم للسوائل وبالتالي حدوث الجفاف والإغماء.
وتتسبب بعض الأدوية في الإصابة بالإغماء مثل أدوية ضغط الدم الموسعة للأوعية الدموية، ومضادات الاكتئاب المؤثرة على النشاط العقلي.
وتعود الإصابة بالإغماء المؤقت في بعض الحالات إلى مشكلة في الجهاز العصبي، فيتعرض المصاب بهذه المشكلة للإغماء بمجرد سماعه خبراً سيئاً أو تعرضه لحادث، وربما كان سبب الإغماء رؤيته للدم وبخاصة المصابين بفوبيا الدم، وكذلك رؤية جرح عميق أو أدوات طبية كالحقن والشاش والمطهرات.
ويمكن أن يرجع الإغماء المؤقت إلى نوبة من السعال الشديدة، والتعرض للتوتر النفسي والضغط العصبي، وذلك عند الشعور بالخوف الشديد من شيء ما، وهذا الأمر ربما يجعل المخ يفقد الوعي للحظات.

انتبه قبل السقوط

يشير الأطباء إلى أن هناك بعض الأعراض التي يمكن أن يشعر بها الشخص قبل إصابته بالإغماء، ومنها شعوره بالدوار، وذلك لأن توزيع الدم في الجسم يتم بشكل منتظم أثناء الاستلقاء، وعند الوقوف يحدث انخفاض في ضغط الدم بسبب الجاذبية.
وتعتبر العين أول مفتاح ومؤشر يدل على أن الشخص على وشك الإصابة بالإغماء، وخاصة عندما تبدأ برؤية بقع أمام العين، وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يصابون بالإغماء يتعرضون للهاث قبل أن يغمى عليهم، وذلك أن المخ عندما يتعرض لمستويات منخفضة من الدم يجعل الإنسان يشعر بأنه يتنفس بسرعة، وبالتالي يبدأ باللهاث.
ويصاب الشخص المعرض للإغماء برعشة في الأطراف والشفاه، وذلك أن انخفاض تدفق الدم في المخ يمكن أن يؤدي لانخفاض الكالسيوم، وعند حدوث ذلك يشعر المصاب بوخز أو تخدير في أطرافه وخاصة اليدين والشفاه، حيث تتحرك المعادن الحيوية بعيداً عن هذه المناطق.
ويشعر الشخص المعرض للإغماء بالغثيان، الذي يرافقه أعراض أخرى مثل سرعة التنفس، كما يشعر بأنه دافئ، وذلك نتيجة زيادة تدفق الدم ليعوض القلب عن نقص الدم والأكسجين في الدماغ.

إسعافات أولية

ينبغي على أي إنسان عند شعوره بإمكانية حدوث الإغماء إيجاد مكان مناسب للجلوس أو الاستلقاء، ووضع رأسه بين الركبتين بعد الجلوس، والنهوض ببطء بعد الشعور بالتحسن.
ويوجد عدد من الإجراءات للتعامل مع المصاب بالإغماء، حيث يتم تمديد المريض على ظهره، ورفع قدميه عن مستوى القلب بحوالي 30 سم، والهدف هو زيادة كمية الدم الذي يتدفق تجاه الدماغ. وينبغي محاولة تخفيف الضغط من خلال إزالة ربطة العنق والأحزمة والملابس الضيقة، ويمنع الشخص من النهوض بعد استعادته وعيه مباشرة، ويجب الاتصال بالإسعاف وطلب المساعدة الطبية إذا استمر الشخص فاقداً للوعي لأكثر من دقيقة.

امتنع عن السبب

ينصح من يعانون بشكل متكرر من حالات فقد الوعي أو الإغماء المؤقت بالامتناع عن ممارسة الرياضات الخطرة، مثل السباحة أو تسلق الجبال دون وجود مرافق.
ويهدف علاج الإغماء المتكرر بشكل عام إلى منع الحافز أو السبب وراء هذه الحالة، وعلى سبيل المثال يمتنع المريض عن تناول الأدوية التي ربما تكون سبباً في الإصابة بالإغماء.
وينصح المريض بأن يترك عادة النهوض بشكل مفاجئ، أو أن ينتقل بشكل حاد من الاستلقاء إلى الجلوس، وبالنسبة لمن يصابون بالإغماء بسبب محفز وعائي مبهمي، فعليهم أن يتجنبوا المواقف التي تؤدي إلى إغمائهم، وذلك مثل التبرع بالدم.

المراهقون والإغماء

أظهر عدد من الدراسات أن إصابة المراهقين بالإغماء من الظواهر التي تستحق الاهتمام، ويعود ذلك إلى أن الدوار والإغماء ليسا من الحالات المنتشرة بين المراهقين طبقا لإحصائيات عدة، وفي الغالب فإن أعراض الإغماء التي يعاني منها المراهقون تكون أسبابها متنوعة ما بين عادات سلوكية خاصة بالمراهقين أو حالات مرضية نفسية وبدنية.
وتشير الدراسات إلى أن احد أكثر الأسباب وراء الإغماء لدى المراهقين هو فقر الدم، والذي يتسبب فيه أنظمة غذائية غير متوازنة، أو نتيجة اتباع أنظمة غير صحية وقليلة السعرات بهدف إنقاص الوزن.
ويمكن أن يكون وراء الإغماء الإصابة بإحدى الحالات المرضية المعدية، مثل البرد أو أحد الأمراض الفيروسية الأخرى، وربما كان عائداً إلى التهابات بالأذن أو ارتجاج في المخ.
وتشير الدراسات إلى أن معاناة المراهقين من مشاكل سلوكية أو حالات مرضية نفسية، يمكن أن يكون سبباًًًًًًًًً في الإصابة بالإغماء، وتتضمن هذه المشكلات حالات التوتر العصبي والقلق المزمن، أو تعاطي المنشطات والمواد المخدرة، حيث إن أحد الآثار الجانبية لهذه الأدوية هو الإصابة بالإغماء.
وتسبب كذلك بعض العوامل البيئية في الإصابة بهذه الحالة، وذلك عند تعرض المراهق لأبخرة مواد كيميائية مثل الغاز الطبيعي، أو الطلاء، وربما كان سبب إغماء المراهق أحد الأعراض الجانبية لاستخدام عقار طبي للعلاج مدة كبيرة.

شاهد أيضاً