الإصابات الدماغية تنتج تأثيرات خطيرة

تحقيق: راندا جرجس

تستهدف الإصابات الرضية الرأس بشكل عام، نتيجة تعرض الشخص لجرح في الدماغ أو نتيجة رضوض بسبب حادث ما، ويؤدي ذلك للتأثير على أجزاء أخرى كالجمجمة، الدماغ، فروة الرأس، ما ينجم عنه، حدوث مشكلات جسدية، وإدراكية، واجتماعية، وسلوكية للمصاب، حيث تعتبر الإصابة الدماغية الرضية سبباً رئيسياً للعجز الدائم أو الوفاة، وخاصة في حالات الأطفال والشباب، وأثبتت الدراسات أن الذكور يتعرضون لإصابات الدماغ أكثر من النساء، ولذلك يحتاج المريض لعدد كبير من التخصصات الطبية وإعادة التأهيل، التي تساعده في التكيف مع النظام الحياتي الجديد، وأيضا لمساندة أسرته وجميع المحيطين به.
يقول الدكتور مشعل القاسمي، استشاري الرعاية الأولية، إن الإصابات الدماغية شديدة الصدمة الأكثر شيوعاً، ووضوحاً للعائلة والأصدقاء، والتي تكون خفيفة الصدمة والارتجاج المتكرر، ويمكن أن تؤثر تأثيراً شديداً على المريض وعمله وأسرته، وخاصة عندما لا تكتشف مبكراً ولا تعالج، ومن الأعراض الشائعة المتعلقة بهذه الإصابة على المدى القصير هي: الصداع المتعلق بالنشاط، التهيج، حساسية الضوء، الدوخة والارتباك العقلي، بينما الإصابة المتكررة تؤدي إلى مشاكل لمدى الحياة مع الإدراك والسلوك (التغييرات الشخصية)، كما يمكن لبعض الأفراد أحيانا أن يفقدوا وظائفهم وعلاقاتهم طويلة المدى، أو حتى ينتهي بهم المطاف إلى السجن دون أن يدركوا حدوث هذه التغييرات، ويعد الفص الجبهي للدماغ هو الأكثر إصابة في كثير من الأحيان، حيث تتمثل وظائفه في مراقبة أو توفير البصيرة لسلوك الشخص، ولذلك ربما يقل إدراك المرء لوجود هذه المشكلة، ويتم ملاحظة ذلك التهيج، والتهور وسوء الحكم من المحيطين به، وفي كثير من الأحيان لا يربطون هذه العوارض مع الصدمات السابقة، أما الإصابات الأخرى الناجمة عن الصدمة، فغالباً ما تغطي على إصابة الدماغ في وقت مبكر، ما يلفت الانتباه ويشتت من التشخيص المبكر للإصابة في المخ، كما يمكن أن تكون الأشعة المقطعية، والتصوير بالرنين المغناطيسي طبيعياً في مواجهة الإعاقة الكبيرة.
يضيف: إن كل إصابة دماغية صادمة لها تأثيرات سلبية مختلفة عن غيرها، اعتماداً على أجزاء الدماغ التي أصيبت، ولأن الفص الجبهي يتحرك بسهولة أكبر في الجمجمة، فهو الأكثر عرضة للإصابة، كما أنه المسؤول عن العديد من وظائف الدماغ الرئيسية كتشكيل الذكريات، ولذلك يعاني معظم مرضى الإصابات الدماغية شديدة الصدمة مشاكل في الذاكرة على المدى القصير، كما تحدث مشكلة في عملية التفكير والعثور على الكلمات الصحيحة.

طرق التعايش

يوضح د. القاسمي أن بداية التعامل مع الإصابات الدماغية هي التفاصيل التي يرويها المريض للطبيب المعالج، لكي يمكن معالجة العديد من القضايا البدنية والإدراكية والسلوكية بمجرد تحديدها، كما ينبغي على المحيطين بالمريض أن يتعلموا كيفية التعامل معه، حيث إن الغضب على شخص كان يعاني من الإصابة الدماغية الصادمة، ربما يؤدي إلى الصراع ويمكن بسهولة الخروج عن السيطرة بسبب الافتقار المحتمل للتثبيط، وفــي بعض المواقف لا يستطيع أن يمسك نفسه، لذلك فمن الأفضل عدم التسبب بالتفاقم عمداً، كما يجب الحذر من بعض الأدوية الموصوفة، حيث إن لها تأثيرا سلبيا غير مناسب على المصاب، ويعد الالتزام بالحصول على ساعات كافية من النوم أمرا أساسيا، ومن الأمور الهامة أيضاً في المساعدة الوظيفية وطريقة التعايش مع الإصابات الدماغية، وضع لوحة ملاحظات لتدوين كل ما يلزم المريض، مع استخدام تذكيرات الهاتف والروزنامة، مع المراقبة لتجنب أي تطبيقات تزيد من الارتباك، وكذلك تجنب تكرار الإصابة التي تأتي بردود أفعال خطيرة.

مسببات الإصابة

يشير الدكتور خالد أنور، استشاري الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل إلى أن الإصابات الدماغية الرضية تحدث عندما يتعرض الدماغ لصدمة خارجية، ولعل أكثر أسبابها شيوعاً يشتمل على: حوادث السيارات والإصابات الرياضية وفي أماكن العمل، ويمكن تصنيف تلك الإصابات استناداً إلى شدة وآلية وقوع الإصابة وغيرها من العوامل مثل وقوع الإصابة في مكان محدد من الرأس أو على نطاق واسع، وربما تفضي الإصابات إلى أعراض جسدية، معرفية، اجتماعية، عاطفية، سلوكية، علماً أن النتائج تتراوح بين الشفاء الكامل والعجز الدائم وحتى الوفاة، ولذلك يجب أن تبدأ إعادة تأهيل المرضى مبكراً، لتحقيق أقصى درجات الفائدة للناجين من هذه الإصابات، كما أنها تساهم في تحسين الوظائف الجسدية، المهارات المعرفية، البصرية والإدراكية، ومهارات التواصل عند المرضى ممن تماثلوا للشفاء، ويتم عن طريق خضوع المرضى لبرنامج إعادة تأهيل شامل بأسرع وقت ممكن بغية تعزيز فرص العلاج الوظيفي والشفاء التام، بمساعدة خبراء وفريق طبي من التخصصات، كمعالجة وظائف النطق واللغة، والمعالجة الفيزيائية وإعادة التأهيل، التغذية، العلاج الطبيعي والوظيفي، للعمل على تقوية العضلات وتحسين التوازن والحركة، إعادة بناء المهارات للقيام بالأنشطة اليومية، وتقديم نصائح مفصّلة حول التغييرات التي تطرأ على بيئة المنزل والعمل، وكذلك تقديم التجهيزات والمشورة المرتبطة بإدارة أعراض هذه الإصابة، وأيضاً ممرضين لهم خبرة في هذا المجال خضعوا من قبل لتدريب نوعي ودقيق في مجال إعادة التأهيل العصبي، للنجاح في إدارة حالات الإصابة الدماغية الرضية بكفاءة عالية، كما أن للتكنولوجيا دوراً مهماً، من حيث استخدام الموارد السريرية والتكنولوجية والعلاج المائي والآلي، وذلك تبعاً لشدة الحالة المرضية، كما يشكل وجود متخصصي الطب النفسي جزءاً محورياً من الفريق لدعم المريض وعائلته على حد سواء، حيث إن هناك عبئاً كبيراً يقع على كاهل أفراد أسرة مرضى هذه الإصابات، ويضطلعون بأدوار جديدة اعتاد المريض القيام بها في السابق، مع احتمالات تعرضهم للقلق والتوتر والصدمات النفسية خلال فترة تقديم الرعاية.

سلامة الجهاز العصبي

يوضح الدكتور ثائر درويش، مختص جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، أن الجهاز العصبي، يضم الدماغ والحبل الشوكي والأعصاب الطرفية، ويعتبر من أهم الأجزاء داخل جسم الإنسان، التي تحتاج إلى اهتمام بالغ وعناية فائقة، كونه يشكّل شبكة من الخلايا العصبية التي تساعد الجسم على التعامل مع التغيرات المحيطة به، وبالتالي فإن جراحة الجهاز العصبي من أهم التخصصات الدقيقة في عالم الجراحة، كما أنه يعنى بالوقاية والتشخيص والتدخلات الجراحية للأمراض والمشاكل التي تصيب هذا الجهاز، وتعدّ عمليات العمود الفقري هي الأكثر شيوعاً في جراحة الأعصاب، مثل الانزلاقات الغضروفية وتضيق القناة العصبية داخل العمود الفقري، الكسور، تثبيت الفقرات وتبديلها، الالتهابات، الأورام، وانحراف العمود الفقري، النزيف، وتشوهات الأوعية الدموية، تليها جراحة الدماغ في حالات إصابات الدماغ والجمجمة، الأورام الدماغية، ارتفاع ضغط الدماغ الناتج عن الحوادث، السكتة الدماغية، تشوه الأوعية الدموية، ولا ننسى جراحة الأعصاب الطرفية بعد التعرض للحوادث وتضيق قناة العصب في اليدين مثلاً، ما يؤدي إلى الضغط على العصب بالإضافة إلى حالات أورام الأعصاب الطرفية، وتتمثل أعراض إصابات الدماغ في القيء والغثيان والصعوبة في الكلام والخدر والشلل وفقدان الذاكرة، بالإضافة إلى مشكلات في التركيز، وربما يعاني المريض في وقت لاحق من ارتفاع في ضغط الدم وانخفاض في معدلات ضربات القلب، واتساع في حدقة العين، والتنفس غير المنتظم، وتختلف أنواع العلاجات باختلاف نوع الإصابة، وربما تشمل تناول الأدوية أو إعادة التأهيل أو جراحة في الدماغ، ويحتاج نصف المصابين تقريباً إلى عمليات جراحية لإزالة أو تأهيل الأنسجة التالفة أو تخفيف الضغط، بينما يحتاج العديد من الذين يعانون من إصابات دماغية إلى مختلف أنواع التأهيل، كالتأهيل الفيزيائي والعلاج النطقي واللغوي وكذلك النفسي. في حين لا يحتاج المصابون بإصابات دماغية طفيفة إلى أية علاجات خارج نطاق الأدوية.
يستكمل: أما فيما يتعلق بإصابات الحبل الشوكي، فتتلخص مسبباته في التغيّرات التنكسيّة، والالتهابات، وانسداد الأوعية الدموية، والضغط الناجم عن كسر في العظم أو الأورام، ونظراً لطريقة عمل الحبل الشوكي وتركيبته، فإن الأضرار التي تصيبه ربما تُحدث أنماطاً معينة من الأعراض تختلف باختلاف مكان الإصابة مثل الضعف العام وفقدان الإحساس، بالإضافة إلى الشعور بالألم أو فقدان القدرة عليه بمكان الذراعين والساقين، إلى جانب التغيرات في ردود الأفعال وفقدان التحكم بالمثانة والتبول اللاإرادي، إضافة إلى فقدان السيطرة على الأمعاء وبالتالي السلس البرازي وضعف الانتصاب ونقص التعرّق والشلل والألم، كما أظهرت الدراسات أن نسبة الإناث مقارنة بالذكور الذين يعانون من أمراض العمود الفقري التي تتطلب إجراءً جراحياً تصل إلى حوالي 3:1، ومع ذلك فإن أغلب الذين يوافقون على إجراء التدخلات الجراحية هم من الذكور.

نتائج

يؤكد د. درويش أن جراحة الدماغ والأعصاب، أصبحت مع تطور العلم والتقنيات الجراحية آمنة بشكل كبير، كما أن المريض يتعافى بشكل سريع، وتختلف فترة التعافي والتماثل للشفاء باختلاف نوع العملية الجراحية، ومع تطور تقنيات جراحة الأعصاب الدقيقة وتقنيات التنظير الداخلي، تقلّصت فترة التماثل للشفاء من أسابيع إلى عدة أيام، وتجدر الإشارة إلى أنه ونظراً لطبيعة الدماغ والحبل الشوكي الدقيقة والحساسة، من المهم جدًا الحفاظ على صحة وسلامة الجهاز العصبي بأكمله. ولحسن الحظ، هناك العديد من الطرق البسيطة لتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض ذات الصلة، كإجراء الفحوص الطبية المنتظمة وممارسة التمارين الرياضية، حيث تساعد الرياضة على تقوية العضلات التي تدعم أسفل الظهر وإبقاء العمود الفقري مرناً، بينما تعدّ تمارين المشي والسباحة وركوب الدراجات وإنقاص الوزن جميعها مهمة وأساسية لحماية الظهر والحفاظ على سلامته، كما يعتبر الحفاظ على حالة صحية جيدة ووزن مثالي مفتاحاً رئيسياً للحفاظ على صحة العمود الفقري، حيث إن أي زيادة في الوزن ستضاعف الضغط على الظهر، ما يساهم في ظهور آلام ومشاكل العمود الفقري. وأخيراً، فإن تعلم كيفية رفع الأشياء والأغراض الثقيلة بطريقة آمنة، والنوم على فراش صحي ومريح والجلوس على كرسي يدعم منحنيات الظهر الطبيعية وتناول الطعام الصحي، كلها تشكل جزءاً لا يتجزأ من حفاظ الإنسان على جهاز عصبي سليم ومعافى.

إصابات المراهقين

يحدث نضج الدماغ الكامل في أوائل العشرينيات، وعندما يصاب المراهق بإصابة دماغية صادمة، فربما نرى زيادة في مشكلات سلوكياتهم، حيث إن فصهم الجبهي لم يكتمل بشكل كلي بعد، والتي يعتبرها الأهل تصرفات متطرفة، غير مدركين أنها ناتجة عن إصابة عصبية، كما أن المراهق عندما يصاب بإصابة دماغية صادمة في مراحل النمو يكون معرضاً للعجز الكامل، ولذلك نجدهم لا يستجيبون بشكل جيد للنهج التأديبي، ويكون اختيار المشورة الهادئة لتوفير البصيرة عادة من أفضل الطرق في هذه الحالات.

شاهد أيضاً