الإجهاد العاطفي والعقلي يفقد الرغبة في الحياة

يعيش الكثير من الأشخاص في أجواء الحياة اليومية المرهقة والمجهدة، حيث يخرجون في الصباح إلى العمل أو قضاء المهمات المكلفين بها خلال اليوم، ثم يعودون إلى المنزل ويقومون بتلبية حاجات الأسرة، وليس ذلك فحسب وإنما يجلسون في جو من الفوضى والضوضاء مع الأطفال أو الأولاد ومشاكلهم التي لا تنتهي.
يمكن أن يحدث في ظل هذا الجو المشحون بعدم الراحة مشاكل إضافية معتادة، وصدمات أخرى لم تكن على البال، وهذا النمط من الحياة له تأثير سلبي كبير على الحالة العقلية والعاطفية للشخص.
ويتساءل البعض هل نولد بحالة الإرهاق العاطفي والذهني إلى جانب الاكتئاب؟، أم أن هذه المشكلة ترتبط بحدوث صدمة شديدة؟ والإجابة التي قدمتها الأبحاث والدراسات أن الشخص يولد وهو يحمل مزيجاً من الحالتين.
كما أن كل شخص يولد ولديه هرمون السيروتونين، وهو المسؤول عن تعديل المزاج والشعور بالسعادة، وتتوفر طرق كثيرة للحصول على هذا الهرمون، ومنها التعرض لضوء الشمس وكذلك تناول الأغذية التي تحتوي على الكربوهيدرات أو من خلال ممارسة بعض التمرينات الرياضية.
ونتناول في هذا الموضوع الإشارات والعلامات التحذيرية التي تظهر على الجسم، وتبين أن هناك استهلاكاً شديداً وإرهاقاً للجوانب العقلية والعاطفية للشخص، وهو ما ينعكس على قدراته الدماغية ومدى تفاعله مع الآخرين، والتي تفقده الرغبة في الحياة.

معدل السيروتونين

يحتاج الشخص إلى تنمية الجوانب العاطفية والعقلية من أجل الاستمرار الجيد في الحياة، وعدم الإصابة ببعض الأمراض النفسية والاضطرابات الأخرى، أو الحفاظ على القدرات العقلية وعلى المشاعر والأحاسيس الإيجابية، ويعتبر هرمون السيروتونين أحد أهم النواقل العصبية الكيميائية التي تستخدمها الخلايا العصبية في الدماغ لعملية التواصل والتنسيق فيما بينها.
ويلعب السيروتونين دوراً كبيراً في صحة وسلامة العقل، وكلما كانت كميته في المستوى الطبيعي، كان الشخص أفضل في التركيز وأقل في التوتر والقلق، وأكثر سعادة وسروراً ومستقراً من الناحية العاطفية.
ويولد كل فرد ولديه المعدل الطبيعي من هرمون السيروتونين، ولكن يمكن أن يحدث بعض الطفرات الوراثية التي تنتج جينات تتسبب في إفراز مستويات عالية من السيروتونين، أو العكس حيث تنتج كميات منخفضة من السيروتونين.
ويولد البعض بمستويات منخفضة من هرمون السيروتونين، وهؤلاء يمكن أن يعيشوا بصورة طبيعية إلى حد ما، ولكن يتأثرون أكثر ويرهقون من مجموعة الأحداث المجهدة أو المؤلمة، والتي قد تسبب لهم الاكتئاب أو استنزافهم عقلياً وعاطفياً.

الغضب والتهيج

وتوجد مجموعة من الأعراض التي تظهر ويمكن من خلالها التعرف على العلامات التحذيرية للاكتئاب والإرهاق الذهني والعاطفي، ومنها التهيج والغضب الذي يرتبط بعلاقة معقدة بينه وبين الاكتئاب والإرهاق الذهني.
وتفسير ذلك أنه عندما تكون الأمور بشكل جيد في حياة الشخص، فإنه لا يتعرض للضغوط أو القلق من أي شيء، ولكن في حالة عدم قدرة هذا الشخص على التعامل مع أشياء معينة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، فإن هذا الشخص يبدأ في الشعور بالغضب والتهيج.
ويتحول هذا الغضب والتهيج إلى نمط يعيش به هذا الشخص، وتمثل بذلك هذه العلامة القشة التي تكسر ظهر الجمل، لأن الإجهاد يصبح أكثر من اللازم بالنسبة لهذا الشخص، ويصير جزءاً من حياته اليومية، ويكون الإزعاج حالة مستمرة لأنه لا يستطيع كسر هذا النمط من المعيشة.
ويوضح الخبراء أن أحد الأسباب وراء حدوث حالة التهيج، هو الوعي بأحداث معينة، مثل حادث سيارة أو فقدان شخص عزيز، كما يمكن أن تكون أحداث بعينها أو أماكن معينة وراء حدوث حالة الغضب، حيث يتذكر هذا الشخص موقفاً صادماً أو مرهقاً أو مكاناً له تأثير سلبي عليه، وارتبط ذلك بمشاعره وبتصرفاته وانفعالاته، وإذا كنت تشعر بنفس الإجهاد في حياتك باستمرار، فسوف يتسبب ذلك في استنزافك عقلياً وعاطفياً.

فقدان الدافع

تبين إحدى الدراسات أن عدم وجود الحافز والدافع لدى الشخص هو دليل على أنه مريض بمشكلة الإرهاق الذهني والعاطفي، ويرجح الباحثون أن يكون افتقاد الفرد للدافع جزءاً من مشكلة الإرهاق العقلي.
وفسر الباحثون أن أحد الأسباب التي تجعل الأشخاص غير متحمسين للحياة هو نتيجة الإرهاق، بمعنى أن الفرد الذي يعاني من حالة الإرهاق العقلي والعاطفي سيفقد الدافع نحو أشياء كثيرة، وخاصة في حالة الإصابة بالاكتئاب، ويصاب الكثير من الأشخاص بحالة فقدان الاهتمام بالأنشطة التي اعتادوا على الاستمتاع بها، كما تقل لديهم القدرة على الشعور بالضغط.

عدم الصبر

ويعد عدم الصبر لدى الشخص، علامة شائعة للاكتئاب والإرهاق الذهني والعاطفي، ويمكن أن يشمل عرض التهيج مشكلة عدم الصبر أيضاً، كما يشير بعض الخبراء أن عدم الصبر أصبح من سمات هذا العصر، وكثيراً ما يكون نقص الصبر والتهيج شائعاً لدى الأشخاص الأصغر سناً، أما مع الفرد الأكبر سناً فيكون الحزن هو الأكثر ظهوراً.
وتتحول الأشياء الصغيرة لدى هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من الاستهلاك الذهني والعاطفي إلى أشياء كبيرة، وتصبح الأشياء الكبيرة ضخمة أكثر، وغالباً ما ينشغلون تماماً مع العائلة والزملاء وينقطعون عن فاعليات الحياة، والسبب أنهم غارقون ولا يلتفتون إلى الحديث، لأن عقولهم مشغولة في مليون مكان مختلف، ولا يمكنهم التركيز على شيء واحد.

خلل الشهية

يدل اضطراب الشهية على أن الشخص يمكن أن يعاني من مشكلة الاستنفاد العاطفي والذهني، لأن الجسم يحتوي على بعض الهرمونات والناقلات العصبية، وفي حالة الجوع يتم إنتاج بعض هذه الهرمونات بواسطة أجسامنا.
ولكن عندما يعاني الجسم من خلل هرموني، مثل انخفاض مستويات السيروتونين، فإن ذلك يؤدي إلى اختلال في وظائف جميع الهرمونات والناقلات العصبية المشاركة في هذه العملية، مما يؤدي إلى حدوث مشكلة فقدان الشهية.
ويتحكم اثنان من الهرمونات بشكل أساسي في حالة الشهية، وهما هرمون اللبتين وهرمون جريلين، فعندما يكون لديك معدلات عالية من الليبتين في الدم تقل الشهية، وفي حالة وجود كميات كبيرة من جريلين تزداد الشهية، وغالبا ما تتأثر هذه الهرمونات في حالة الاستهلاك العاطفي والذهني.

الحزن يثبط المشاعر

ترتبط مشاعر الحزن بالجيل الأكبر سناً بشكل كبير، ويرجع السبب في شعور الأشخاص بحالة الحزن عند اكتئابهم أو استنفادهم عقلياً وعاطفياً، أنهم لا يستطيعون تحمل الضغوط المرتبطة به، كما أن الحزن يثبط المشاعر أيضاً.
وعندما يصبح الشخص مرهقاً عقلياً وعاطفياً، فإن عقله ينشط ويتفوق، لكنه يحاول أن يعطل هذا النشاط، وهذا الشعور الغامر يدفع الشخص إلى الانهيار، مما يجعله يبكي حتى يصبح متعباً للغاية، ومرهقاً لا يستطيع أن يظهر أي عاطفة، وتشير دراسة حديثة أن الأشخاص الذين يعانون من حزن شديد، غالباً ما يكون لديهم مستويات منخفضة من السيروتونين.

العزلة والانفصال

يميل الشخص الذي يعاني من الاكتئاب أو استُنزف عقلياً وعاطفياً إلى التركيز على الداخل بدلاً من الخارج، أي يفضل التركيز على الأشياء التي تعكس ذاته من الداخل بدلاً من النظر إلى الصورة الأكبر، ويشغل نفسه بكل ما يصدر عنه ويكبر الصغائر، ويتهم نفسه بأشياء ليست موجودة به، ويصل الأمر إلى عزل النفس عن الآخرين وينفصل عن بقية العالم.
أما وجود الناس حول هذا الشخص المصاب والحديث معه يمثل أحد طرق علاج الاكتئاب أو المشكلة لإجهاد الذهني والعاطفي، ولكن بالنسبة للشخص المصاب يهرب من الناس ولا يرى فيه فائدة لحالته، ويعتقد أن التفاعل الاجتماعي عبئاً آخر من شأنه أن يضيف إلى إجهادهم.

التمارين والعلاج بالكلام

تعتبر التمارين والتأمل علاجاً جيداً لحالة الإجهاد العاطفي والذهني والاكتئاب، كما أن إيجاد الحافز ضروري عندما يعاني الشخص من هاتين الحالتين، وعلى الطبيب المعالج أو الأخصائي النفسي أن يكشف نقص الحافز.
ويمكن أن يكون الحافز في حالة العلاج هو الحصول على فوائد الصحة الجسدية من التمارين والتأمل، لأنها ليست قاصرة فقط على الحالة التي يعاني منها الفرد، وإنما تمتد فوائدها إلى منع الإصابة بمشاكل نفسية وصحية وبدنية أخرى.
وينصح الباحثون باستخدام طريقة العلاج بالكلام، من خلال مناقشة قضاياهم ومشاكلهم وأحوالهم من خلال تدخل الأصدقاء والعائلة أو يتحدثون إلى طبيب نفساني أو معالج نفسي.

اضطراب النوم

تشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن مشكلة اضطراب النوم تعتبر علامة مباشرة على حالة الاكتئاب والإرهاق الذهني والعاطفي، ولاحظ الباحثون أن الشخص الذي يكون في حالة اكتئاب ومصاب بمشكلة الاستنفاد العقلي والعاطفي، يقوم أكثر من مرة منزعجاً من النوم، ويصبح مصاباً باضطرابات النوم.
وتوجد حالتان للنوم، وكلتاهما تمثل علامة تحذير لهذه المشكلة، وهما إذا كان الشخص ينام فترات طويلة أكثر من اللازم، أو عندما ينام قليلاً وبشكل فيه نوع من الاضطراب.
ويوضح الباحثون أن السبب في عدم قدرة الأشخاص على النوم عندما يعانون الاكتئاب أو الإرهاق الذهني والعاطفي، هو حدوث تعطل في الإيقاع البيولوجي للجسم، بالإضافة إلى أن الاكتئاب يمكن أيضاً أن يرتبط بالاضطراب العاطفي الموسمي، حيث يصاب بعض الأشخاص بالاكتئاب عندما تتغير الساعة أو يتغير الوقت وتصبح الأيام أقصر.
كما أن الشخص المعتاد على تناول مضادات الاكتئاب، يصبح في حاجة إلى النوم الكافي، لأن الدواء لن يكون فعالاً في حالة عدم حصول الجسم على الراحة المناسبة.

شاهد أيضاً