عثروا على جثة صديقه على قارعة الطريق.. صحافي سوداني يروي

قصة مُرعبة كأنها مُزجت بعناصر مأساة إغريقية موغلة في السوداوية والقتامة يرويها الصحافي السوداني خالد عبدالكريم، بكلمات مؤثرة تبكي الحجر، عن صديقه الذي ظلت جثته قابعة داخل عربته الملقاة بقارعة الطريق لأيام أمام ناظري أصدقائه الذين عجزوا عن الوصول إليه ونجدته بسبب شدة القصف الجنوني المُخيف وتطاير الرصاص كالمطر والقذائف العمياء الطائشة ودوي الدانات والراجمات وكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة.

الصحافي خالد عبدالكريم سرد لـ”العربية.نت” تفاصيل مؤلمة لمأساة صديقه مجاهد علي عبد الرحمن، أحد مواطني حي النصر بمدينة كوستي بالنيل الأبيض، ويقيم بالخرطوم 2، رفقة بعض أبناء مدينة كوستي، بعدما قدم إلى الخرطوم كغيره سعيا وراء الرزق الحلال قبل أعوام عديدة، قائلا: “يوم السبت 15 أبريل داهمت مجاهد الحرب بغتة، مثلما فعلت بملايين الناس بالسودان. اشتداد القصف المخيف أجبر مجاهد ورفاقه على التزام شقتهم السكنية بلا حراك، مع معاناتهم المضاعفة بسبب سكنهم على”مرمى حجر” من مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم”.

سيارة مدمرة جراء اشتباكات السودان - فرانس برس

سيارة مدمرة جراء اشتباكات السودان – فرانس برس

رصاص غادر

وتبعا لذلك، ظل مجاهد ورفاقه لا يبارحون مكمنهم نهائيا ليومين متتاليين. وفي اليوم المشؤوم استغل الراحل بوادر هدوء نسبي للخروج بعربته سعيا لتأمين مؤونتهم، إلا أن الأقدار رسمت طريقا مغايرا لما أراد، فقد أصابته رصاصات غادرة سكنت جسده وأنهت حياته إلى الأبد.

في المقابل، رفاق مجاهد في السكن استبد بهم القلق والتوتر بعد تطاول ساعات غيابه، وخرجوا يقصون أثره عسى أن يجدوا خيطا يدلهم عليه بطرقات المدينة الخاوية إلا من نعيق الغربان، ومشاهد الموت والدمار.

هول الصدمة والذهول لغياب مجاهد المفاجئ شلّ تفكيرهم، إلا أنه لم يثنهم عن موالاة البحث مستغلين سوانح قليلة ولحظات الهدوء الحذر أثناء القصف المدفعي والصاروخي والجوي العنيف.

بعد مضي ثلاثة أيام من عمليات البحث المضنية والقلق المستبد، لاحت أمامهم شبح عربة مجاهد رابضة في سكون قرب مقابر فاروق بالخرطوم. إلا أن قسوة القصف منعتهم من الوصول إليه وظلوا يحومون حوله دون أن تمتد أيديهم إليه لنجدته أو الاطمئنان عليه.

وظلوا في هذا العذاب حتى تمكنوا أخيرا من الوصول للعربة، وكم كانت صدمتهم قوية ومزلزلة عندما وجدوا مجاهد قد فارق الحياة، ليس هذا فحسب، إنما بدأت جثته في التحلل.

ضحايا على قارعة الطريق

مجاهد لم يكن وحده من أسبل الجفن في ذلك المكان، فحوله وجدت العشرات من جثث الضحايا من العسكريين والمدنيين داخل العربات أو ملقاة بالعراء على قارعة الطريق.

تراجيديا قصة مجاهد علي عبد الرحمن المحزنة الذي يؤرخ لحياته القصيرة بأنه كان شعلة حياة ونشاط انطفأت، تظل واحدة من مئات القصص والحكايات المأساوية لضحايا الاقتتال الدائر بين الجيش والدعم السريع، الذين لاتزال جثثهم ملقاة بالمستشفيات أو بالطرقات أو تحت الأنقاض، بمناطق شتى بالعاصمة الخرطوم، والمبكي أن بعضها صار طعاما مستباحا تنهشه القطط والكلاب، وتنكب عليه جيوش الذباب والحشرات الزاحفة والطائرة بلا رحمة، في مشاهد تقشعر لها الأبدان.

الصحة السودانية تطالب برش الجثث “المتعفنة” بالمبيدات

إزاء ارتفاع عداد الموتى وانتشار “جثث ضحايا الحرب” على نطاق واسع بمواقع مختلفة في العاصمة المترامية الأطراف، دعت وزارة الصحة السودانية، المواطنين لرش الجثث “المتعفنة” بالمبيدات المتوفرة في المنطقة وترقيمها، وتصويرها من عدة زوايا حتى لو بكاميرا الموبايل قبل مواراتها الثرى. ونصحت وزارة الصحة، المتعاملين مع “جثث الحرب” ارتداء ملابس واقية.. قفزات وكمامات وتغطية الأحذية بأكياس بلاستيكية على أقل تقدير.

وطالبت بتفتيش ملابس الضحايا وتحريز مقتنياتهم الشخصية، وإذا وجدت بطاقة بين طيات ملابسه يتم وضع الاسم الموجود على البطاقة في الديباجة التي عليها الرقم التعريفي للجثة، ويوضع في علبة بلاستيكية ويحكم غطاؤها ويتم دفنها مع الجثة مع وضع شاهد لكل قبر يكتب عليه الرقم التعريفي للجثة. وشددت الوزارة على عدم تجريد الضحايا من ملابسهم، فهذه الجثث لا تنزع منها ملابسها، فإذا كانت غير متعفنة يتم غسلها بنضح الماء عليها فقط. ودعت الوزارة لتجميع البيانات المذكورة وتسليمها لأي مكتب لوزارة الصحة في البلاد.

شاهد أيضاً