نتنياهو وخيارات حافة الهاوية

عوني صادق

نتنياهو يقاتل باستماتة من أجل البقاء على رأس الحكومة، لأنه لم يزهد بعد في الحكم، ولأن هذا المنصب حمايته ومصدر اطمئنانه إن نجح في البقاء
مثلما كانت الانتخابات المعادة، والتي انتهت في 17 سبتمبر/‏أيلول الماضي، محاولة من جانب نتنياهو لإنقاذ رقبته وتحصين نفسه من المحاكمة ودخول السجن، فإن المفاوضات التي جرت بعدها كانت للغرض نفسه، وهو ما يعيد إليها السبب في إجراء الانتخابات التي جرت، وتعثر المفاوضات في التوصل إلى صيغة تحمي نتنياهو من نهاية تشبه نهاية أولمرت، وستكون السبب في إجراء انتخابات ثالثة، إن أجريت!
اجتماع الأحد الماضي بين (الليكود) و(أزرق أبيض)، انتهى من دون التوصل لاتفاق. وبعد الاجتماع تبادل الطرفان الاتهام بعرقلة المفاوضات. واتهم (الليكود) خصمه بأنه يتعنت لجر البلاد إلى انتخابات ثالثة! وقيل إن نتنياهو سيعيد التفويض إلى رئيس الاحتلال رؤبين ريفلين. يذكر أن المفاوضات تجرى على قاعدة «خطة ريفلين» التي لا تخرج في جوهرها عن محاولة نتنياهو لإنقاذ رقبته!
والحقيقة أن نتنياهو، حتى هذه اللحظة، يقاتل باستماتة من أجل البقاء على رأس الحكومة، لأنه لم يزهد بعد في الحكم، ولأن هذا المنصب حمايته ومصدر اطمئنانه، إن نجح في البقاء. وقد كان في استطاعته التوصل إلى صفقة مع ريفلين بمجرد إعلانه اعتزال العمل السياسي، وطلب عفو رئاسي، كان سيستجاب له في ضوء ما يشبه الإجماع على اعتزاله.
بعد ظهور النتائج غير النهائية للانتخابات المعادة، نشرت صحيفة (هآرتس- 2019/‏9/‏18) مقالاً لرئيس تحريرها ألوف بن، توقف فيه عند وضع نتنياهو بعد الانتخابات، فقال: «أرانب الساحر نفذت أمس، وإنقاذه يقتضي منه إيجاد أرانب جديدة، أو الضغط على الزر الأحمر وإرسال محاميه لعقد صفقة قضائية مع مندلبليت»- المستشار القضائي للحكومة! وبالفعل لقد جرب كل ما في جعبته من حيل وألاعيب قبل الانتخابات وبعدها، وثبت فشلها جميعاً. وما ذهب إليه رئيس تحرير هذه الصحيفة هو ما كان يفترض أن ينتهي إليه الوضع فور ظهور نتائج الانتخابات، لو كان نتنياهو أقل عناداً وأقل ثقة بقدرته على التلاعب بالطبقة السياسية والجمهور «الإسرائيلي». مع ذلك، ربما ما زال في إمكان نتنياهو أن يناور على خيارين، لكن كلاهما يمثل «حافة الهاوية» بالنسبة إليه، وهما:
* الأول، التخلي عن حلفائه من الأحزاب الدينية. ربما يقال إن من الصعب أن يتخلى نتنياهو عن هؤلاء، وإلا فإنه يفقد مصداقيته! لكنه في الوضع الذي هو فيه لن تفيده «مصداقية» كهذه! وفي هذه الحالة، يستطيع أن يعرض التناوب مع من يفضل بين ليبرمان وجانتس.
* الخيار الثاني، الذهاب إلى حرب واسعة على قطاع غزة، يمكن في أقل الأحوال أن تؤجل الانتخابات الثالثة، وربما تؤجل محاكمته. لكن خطورة هذا الخيار تتمثل في أن نتائجه غير مضمونة، ويمكن أن تجلب له الحرب مصائب جديدة، وإن جاءت لغير صالحه سيُقضى عليه من كل الجهات، وربما يصبح دخوله السجن مؤكداً!
لقد أصبح واضحاً لكل متابع ل«الماراثون» الانتخابي «الإسرائيلي» أن «سلامة نتنياهو» هي القضية الوحيدة التي تقف وراء هذا الماراثون العبثي. فبالرغم من قناعة كل المراقبين «الإسرائيليين»، وفي العالم أيضاً، أن انتخابات جديدة لن تغير النتائج التي ظهرت في المرة الأولى والتي تكرست في المرة الثانية، يصبح الذهاب إلى انتخابات ثالثة هو العبث المطلق، فضلاً عن كلفته المادية!
في الوقت نفسه، صار واضحاً أن بقاء نتنياهو على رأس السلطة لم يعد ممكناً مهما كان الحل الذي يمكن التوصل إليه، بانتخابات ثالثة ومن دونها. وهذا يجعل الحل الوحيد المتاح الذي يُخرج النظام السياسي «الإسرائيلي» من متاهته، وفي الوقت نفسه يحمي نتنياهو من دخول السجن، هو طلب العفو الرئاسي واعتزال العمل السياسي، أي أن الحل الوحيد يتمثل في الصفقة القضائية!!

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

شاهد أيضاً