«مِن إن بلاك: إنترناشونال».. هلوسة سينمائية

مارلين سلوم

حين تنظر إلى ساعة يدك، (أو هاتفك)، وأنت تشاهد فيلماً في السينما، فهذا خير دليل على فشله، وعلى مَلَلك من الجلوس، فالوقت يمر ببطء شديد، وأنت تمني النفس بأن الآتي سيكون أفضل، ولابد من البقاء علّك تفهم، و«تفاجأ» في «لحظة ما» بما يبهرك! هذه «اللحظة» لا تأتي في «مِن إن بلاك: إنترناشونال»، بل تشعر بالغبن، وبأن الدعاية الأمريكية الضخمة التي أوحت للجمهور بأن الجزء الخامس من هذه السلسة هو أكشن عالي الجودة، خدعة، و«دعاية» تجارية ليس أكثر.

ماذا تقول عن فيلم مدته ساعة و54 دقيقة، يصيبك بالملل، وأنت تحاول فهم ما يريد، وما هو الحدث المهم والرئيسي، والأحداث «مائعة» متأرجحة بين الثرثرة الفارغة، وقشور أفلام الحركة والغموض، لتنطلق نحو الحماس والأكشن الحقيقي في آخر 30 دقيقة منه؟ هذا فعلياً ما يحصل وأنت تشاهد «مِن إن بلاك» بجزئه الجديد الذي يحمل عنوان «انترناشونال». ويبدو أن صنّاعه، أو الشركة المنتجة «كولومبيا بيكتشرز» اعتقدت أن صفة «العالمية»، ستجذب الجمهور من مختلف الدول، وأن تصويره ما بين باريس، ومراكش، وصحراء الربع الخالي وإيطاليا، ولندن، والفضاء، سيدخل الفيلم الأمريكي بقوة إلى الصالات بعد فشل الأجزاء السابقة من هذه السلسلة. لا شيء يشفع للفيلم، طالما أنه «فارغ» من أي مضمون حقيقي، ويعجز عن محاورة عقل الجمهور، أو كسب تعاطفهم مع شخصياته.

نبدأ من القصة، تسأل نفسك، ماذا يريد الكاتبان مات هولوي، وآرت ماركوم؟ كل ما يصلك من هذه «الزحمة» بين البشر والكائنات الفضائية العجيبة، أن مؤسسة «الرجال بالبزات السوداء» تواصل سعيها لحماية الأرض من تلك المخلوقات، وهذه المرة تسعى لصد غزو من مجموعة تدعى «القفير». في الوقت نفسه تحمي المؤسسة مخلوقات عجيبة أخرى، وتتعاون معها في سبيل القضاء على «القفير»، وحماية الأرض.

لا القصة تسير باتجاه واحد، وواضح، ولا الإخراج يسهّل عليك مهمة فهم ما الذي يريد قوله وسط هذه الفوضى. يقدم لك الأحداث باعتبارها ابنة هذا الزمن، وينطلق من باريس عام 2016، ثم يعود بالذاكرة 20 عاماً إلى الوراء، ليقفز مجدداً إلى الحاضر. وفي كل تنقلاته، ترى مخلوقات، وصراعات، واتفاقات، وصخباً.. هل يعتبر أن وجود المخلوقات الغريبة على الأرض سيكون أمراً طبيعياً، لدرجة «التزاوج» بينهما، ووجود مخلوقات نصفها آدمي، ومخلوقات فضائية تدخل في أرواح بعض البشر فتتقمصهم، وتأخذ أجسادهم، وأشكالهم؟

المخرج إف جاري جراي، لم يتمكن من استغلال مهاراته لإنقاذ العمل. ولا وسامة كريس هيمسوورث، ونجوميته، خصوصاً في سلسلة أفلام «ثور»، تمكنت من التأثير في الجمهور وانتشال الفيلم الذي يعتبر سقطة ل«كولومبيا بيكتشرز». هيمسوورث يبدو بشخصية العميل «إتش» تافهاً، متباهياً بوسامته، وغير مقنع بأدائه لحركات الأكشن. هو المدلل لدى العميل «هاي تي» (ليام نيسون) المسؤول عن مركز إدارة العمليات في لندن، ما يثير غضب وغيرة زميله العميل «سي» (رافي سبول) الذي يحاول تتبع خطوات «إتش» وتحركاته ليفهم ما وراء تلك العلاقة الغريبة بين الطرفين.

في المقابل، نرى الطفلة مولي التي تساعد في هرب كائن فضائي يدخل عن طريق الخطأ إلى غرفتها، فتكبر، ويكبر فيها حب العمل في الفضاء الخارجي للكرة الأرضية، ودراسة الكائنات الغريبة، وتحركاتها، فتصل بفضولها إلى داخل منظمة «مِن إن بلاك»، وتخضع لاستجواب من قبل رئيستها العميل «أو» (إيما تومسون)، ونظراً لشغفها وذكائها المميز، تضمها إلى فريق العمل كمتدربة. مولي (تيسا تومسون) تصبح «العميل إم» وبفضل ذكائها تتمكن من العمل مع أقوى عميل «إتش»، ويخوضان معاً أصعب مهمة لمواجهة «القفير».

هل المفروض حماية المخلوقات الغريبة من البشر أم العكس، أم حماية الطرفين من طرف ثالث؟ سؤال يدور في بالك طوال فترة مشاهدتك للفيلم، ولا تصل إلى إجابة واحدة، أو مقنعة. فالعملاء في المؤسسة يتعاونون مع بعض الكائنات العجيبة، ويحاربون كائنات أخرى. ثم يتبين أن بين العملاء خائن، يضللهم، ويستغلهم من أجل مصلحته الخاصة، ومن أجل الحصول على جوهرة ثمينة تتحول إلى سلاح فائق التطور قادر على إحداث تدمير شامل. والصراع ينتقل أيضاً إلى معركة مع تاجرة السلاح ريزا (ريبيكا فيرجسون)، المخلوقة البشرية، والعجيبة في آن.

تشعر بأن الفيلم عبارة عن تشكيلة «هلوسات» لا ترضي حتى عشاق أفلام الخيال العلمي، والأكشن، وأن ميزانيته 110 ملايين دولار لم تستغل لتقديم عمل يليق بتكنولوجيا وابتكارات وتحديات العصر الحالي. ويبدو أن «مِن إن بلاك» يفشل في كل مرة يحاول فيها استعادة أمجاد الجزء الأول 1997 إخراج باري سونينفيلد، وبطولة ويل سميث، وتومي لي جونز، وآن لهذه السلسلة أن تتوقف، خصوصاً في زمن الإنتاج السينمائي العالي الجودة والتكلفة، والمنافسة التي تبلغ مداها بين أبطال «مارفل»، و«دي سي»، وأفلام الخيال العلمي المبهرة، والمقنعة.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً