كما كل عام، مع قدوم رمضان يعاني العديد من العائلات السورية من صعوبة في تأمين مستلزمات هذا الشهر، لاسيما أنه يأتي وسط تحدّيات اقتصادية صعبة فرضتها الحرب التي تشهدها البلاد منذ نحو 12 عاماً.

لكن المبادرات التي تعمل عليها بعض مؤسسات المجتمع المدني تخفف من أعباء الأسر ذات الدخل المحدود وتلك التي لم يعد لديها معيل جرّاء الحرب.

وفي الأسبوع الثاني من شهر رمضان، بدت التحدّيات أكبر هذا العام خاصة بعد نحو شهر ونصف من الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا، وخلف أكثر من 50 ألف قتيل دمار هائل في البنى التحتية بكلا البلدين المجاورين.

إلا أن عشرات المبادرات انطلقت لتخفيف الأعباء عن العائلات الفقيرة في مختلف المناطق، لكن أكثرها عدداً كانت في شمال غربي البلاد وشرقها، حيث المدن الأكثر تضرراً من الحرب والزلزال على حدّ سواء.

من مطبخ الفردوس الإغاثي للأيتام

عائلات بلا معيل

وتعتمد آلاف العائلات السورية، خاصة النازحة ضمن البلاد، على المساعدات التي تقدّمها مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لعدم قدرتها على تأمين مستلزماتها الأساسية في ظل غياب معيلها الذين إما قُتِلوا في الحرب أو اعتقِلوا في ظروفٍ غامضة ولم يعد يُعرف عنهم شيئاً، وفق ما أفادت أكثر من عائلة لـ”العربية.نت”.

وأكد ياسر الخابور، الذي يدير “مطبخ الفردوس الإغاثي للأيتام” في مدينة الرقة أن “المطبخ مبادرة انطلقت عام 2018، وهي تعمل طوال العام كلّ اثنين وخميس باستثناء رمضان، إذ يصبح العمل يومياً على مدار الشهر كلّه”.

افطار في سوريا (رويترز)

كما أضاف قائلا لـ”العربية.نت” “عملنا يقوم على جهود شخصية من أصدقائنا وإخواننا المغتربين من الخيّرين من أبناء المدينة، حيث نجمع المبالغ المالية من بعضنا البعض لنقوم بشراء المواد اللازمة من الخضار واللحوم والفاكهة، ثم نطبخ الوجبات الغذائية”. ولفت إلى أن عدد العائلات المستفيدة يبلغ 400 عائلة، لكنه ارتفع إلى 700 مع قدوم رمضان هذا العام، فيما يعمل 27 متطوّعاً ضمن المبادرة.

ولا تختلف مبادرة “إفطار صائم الرقة” كثيراً عن “مطبخ الفردوس الإغاثي للأيتام”، لكن المبادرة الأولى تستهدف 3 فئاتٍ في آنٍ واحد.

الأزمة الاقتصادية

فقد قال موسى الحسن مسؤول البيانات في مبادرة “إفطار صائم الرقة”: “مبادرتنا تتواصل للعام الثامن على التوالي ونعمل على تقديم وجبات الإفطار للصائمين، وينظّم الأمر مجموعة شباب متطوّعين من أهالي مدينة الرقة”.

وأضاف لـ”العربية.نت” أن “الدافع الأكبر لاستمرارهم يعود لتردّي الأوضاع المعيشية لسكان المدينة نتيجة الأزمة الاقتصادية الراهنة وانخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي”.

متطوّع في سيارة تحمل سلات غذائية بمدينة الرقة

كذلك أوضح أن “الجهات الداعمة للمبادرة هي أبناء الرقة المقيمين في المدينة والمغتربين ولا يتّبعون لأي جهات”، لافتاً إلى مساعدة 3 فئات عمرية كالأيتام القصر بالدرجة الأولى، وذوي الاحتياجات الخاصة في المرتبة الثانية، يليهم الكبار في السنّ الذين لا معيل لهم”.

ويهدف الحسن والمتطوّعون الذين يعملون معه والبالغ عددهم 100 شخص، إلى رفع عدد العائلات المستفيدة من مبادرتهم إلى 2000 أسرة في العام القادم عوضاً عن 1500 في رمضان الحالي.

ويقوم هذا الفريق التطوّعي بتوزيع سلّاتٍ غذائية تتضمن الخضار والفاكهة واللحوم والمعلبات في عموم مدينة الرقة، حيث يمنع تصوير المستفيدين ويكتفي مسؤوله الإعلامي بتوثيق العمل فقط.

“ظروفي صعبة”

فيما قالت امرأة تنحدر أيضاً من مدينة الرقة “ظروفي المعيشية الصعبة أرغمتني على اللجوء للمبادرات الخيرية لتأمين المستلزمات الغذائية لعائلتي المكوّنة من 3 أطفال، حيث غاب والدهم منذ سنينٍ طويلة بعد اعتقاله في ظروفٍ غامضة في العاصمة دمشق”.

وأضافت لـ”العربية.نت” أن “قلّة فرص العمل للنساء في المدينة هي سبب آخر للجوئي إلى الجمعيات الخيرية والتي اعتمد على مساعداتها طوال العام وليس فقط في شهر رمضان، بعدما اختفى زوجي خلف القضبان منذ 2014”.

كذلك، كشف أكثر من ناشط مدني متطوّع لدى “المبادرات الرمضانية” أن أكثر المستفيدين من تلك المبادرات الإنسانية هم من النساء والفئات الأكثر فقراً في المدينة وهو حال مختلف المبادرات في عموم الأراضي السورية.

يذكر أن الحرب السورية أدت إلى تفشي الفقر والبطالة في البلاد بشكلٍ كبير، ففي عام 2022 الماضي، بلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 90% من إجمالي عدد السكان، بحسب تقريرٍ سنوي أصدرته منظماتٍ دولية وبيّن أيضاً وجود 12 مليون سوري من أصل 16 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي.