مستقبل الطاقة يتجه نحو عصر الطاقة الهيدروجينية

يبدو أن تقنيات تخفيض انبعاثات الكربون ستصبح أحد الأهداف الأكثر فعالية لبرامج التحفيز الاقتصادي في مرحلة ما بعد كوفيد-19، في ظل تركيز صانعي السياسات الاقتصادية على قطاعات الطاقة النظيفة الأكثر تطورًا من الوقود الأحفوري من ناحية سهولة الإنتاج وانخفاض التكلفة المادية.

وأوضح خبراء في دراسة نشرتها جامعة أوكسفورد البريطانية، في 4 مايو/أيار 2020، أن بإمكان الحكومات دعم قطاع الطاقة النظيفة من خلال بناء شبكات النقل الكهربائي وإصلاح أسواق الطاقة لتقليل جاذبية الوقود الأحفوري، بينما سيتولى القطاع الخاص مسألة التمويل والبناء.

وركزت الدراسة أيضًا على قطاع بطاريات أيون الليثيوم، الذي يتطور تدريجيًا وسط توقعات بتفوقه على التقنيات التقليدية في الأعوام الخمسة المقبلة، على الرغم من عدم قدرته حتى الآن على منافسة التقنيات المستخدمة حاليًا، من الناحية المادية والتشغيلية.

ولكن، حتى إن ألغى قطاعا توليد الطاقة والسيارات الكهربائية أي انبعاثات كربونية تمامًا، فإنهما سيكونان قد أوقفا نصف الانبعاثات العالمية فقط، في حين أن الزراعة مسؤولة عن 25% منها، أما نسبة 25% الباقية من الانبعاثات فتأتي من الصناعة فهي القطاع ذو التأثير الأكبر.

الطاقة الهيدروجينية

وأشارت الدراسة إلى أن قطاع الطاقة الهيدروجينية هو المالك الأكبر للإمكانيات، وتوقع الخبراء بمستقبل واعد للقطاع ودخوله في صناعات عدة؛ منها الصلب والإسمنت والآليات الثقيلة، وإن استطعنا تخزينها سنوفر طاقة احتياطية للشبكات الكهربائية.

ويتوقع الخبراء تلبية الهيدروجين لربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول العام 2050 بحجم مبيعات يتراوح بين 200 و700 مليار دولار، أي نحو نصف قيمة سوق النفط الحالية، وتتجسد العقبة الوحيدة في حجم الطاقة اللازم لإنتاج الهيدروجين والمقدر بنحو 31320 تيراواط ساعي من الطاقة الكهربائية، في حين أن الإنتاج العالمي من الطاقة الكهربائية في العام 2019 بلغ 26 ألف تيراواط ساعي معظمها أتى من طاقات غير متجددة؛ وفقًا لوكالة بلومبرج.

دعم حكومي

وبإمكان الحكومات دعم القطاع من خلال تقديم إعانات يقدرها الخبراء بمبلغ 150 مليار دولار كجزء ضئيل من الحزم التحفيزية الاقتصادية، لتخفيف تكاليف الطاقة الهيدروجينية إلى ما دون تكاليف الوقود الأحفوري. ومن خلال تشريعات تجبر صناعات الصلب والإسمنت والآليات الثقيلة على التحول التدريجي نحو الطاقة الهيدروجينية، وفي حال نجاح التشريعات في تحقيق انخفاض في التكاليف وزيادة في الطلب فقد تنتقل الطاقة الهيدروجينية إلى مجالات أخرى كصناعة الأسمدة وتخزين الطاقة الكهربائية.

حل مشكلات التخزين

ولحل مشكلات التخزين، صمم فريق بحثي من جامعة نورث وسترن الأمريكية، وصنعَ موادًا جديدة هجينة من مزيج معدني وعضوي، تمتاز بمسامية فائقة وقدرة فريدة على تخزين الهيدروجين والميثان، ما يساعد في تعزيز التحول إلى الجيل المقبل من المركبات الخضراء، والاستغناء عن مشتقات الوقود الأحفوري المضر بالبيئة.

وتخزن المواد الجديدة كمية كبيرة من الهيدروجين والميثان، من المواد الممتزة التقليدية، عند درجات ضغط أكثر أمانًا وبتكاليف أقل بكثير؛ وقال الباحث عمر فرحة، قائد الفريق البحثي «طورنا طريقة تخزين أفضل لغازي الهيدروجين والميثان من أجل مركبات الطاقة النظيفة المستقبلية. مستخدمين المبادئ الكيميائية لتصميم مواد مسامية بترتيب ذري دقيق ما يحقق مسامية فائقة.»

وصمم الفريق البحثي الأطر فائقة المسامية، المسماة إن يو 1501، من جزيئات عضوية وأيونات أو مجموعات معدنية تتجمع ذاتيًا، لتشكيل أطرًا متعددة الأبعاد، بلورية جدًا ومسامية.

والممتزات؛ مواد صلبة مسامية، تربط الجزيئات السائلة أو الغازية بسطحها. وبفضل مساماتها النانوية، تعادل عينة من جرام واحد من هذه المادة (بحجم قطعتين نقديتين) مساحة سطحية تغطي 1.3 ملعب كرة قدم.

وقال فرحة، الأستاذ المشارك في قسم الكيمياء، في كلية وينبرج للفنون والعلوم، والعضو في معهد نورث وسترن الدولي لتقنية النانو، إن «المواد الجديدة قد تشكل قفزة كبيرة في مجال تخزين الغاز عمومًا، إذ تتطلب صناعات وتطبيقات عديدة، استخدام الغازات المضغوطة؛ من الأكسجين والهيدروجين والميثان وغيرها.»

وتحتاج المركبات العاملة بالهيدروجين والميثان حاليًا، إلى ضغط عال، إذ أن ضغط خزان الهيدروجين أكبر 300 مرة من الضغط الموجود في إطارات السيارات. إلا أن تكلفة الوصول إلى ضغط عال مرتفعة، بسبب انخفاض كثافة الهيدروجين، ويبقى الوصول إليه خطر لأن الغاز سريع الاشتعال.

وقد يساعد تطوير مواد ممتزة جديدة، قادرة على تخزين الهيدروجين والميثان عند درجات ضغط منخفضة، في الوصول إلى تطوير الجيل المقبل من سيارات الطاقة النظيفة.

اهتمام عالمي

وشهدت الشهور الأخيرة اهتمامًا متناميًا بوقود الهيدروجين، وتطوير مركبات تعمل به، إذ عمدت شركات سيارات كبرى إلى إطلاق مركبات تعتمد على هذا الوقود المراعي للبيئة، بالتوازي مع جهود من حكومات عدة لتهيئة بنًى تحتية داعمة للاعتماد عليه ليكون بديلًا لمشتقات الوقود الأحفوري المضر بالبيئة.

الوقود الهيدروجيني

والهيدروجين عنصر أساس في الانتقال نحو الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وأحد أنواع الوقود البديلة الواعدة لتطبيقات الطاقة المستقبلية، ومصدر بديل خالٍ من ثاني أكسيد الكربون، وينتج عن طريق تقسيم الماء بالطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. وهو ناقل طاقة قابل للتخزين بكميات كبيرة والنقل لمسافات طويلة، ومادة خام لعديد من التطبيقات الصناعية.

وليس الحديث عن إنتاج الوقود الهيدروجيني بأمر جديد، وكان من المفترض أن تكون خلايا الوقود الهيدروجيني أهم اختراع في العصر الحديث، ووصل الحديث عنها إلى ذروته خلال أزمة الغاز في سبعينيات القرن الماضي، لتكون مصدرًا للطاقة النظيفة لتشغيل السيارات والمحطات الكهربائية، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة، لأن إنتاجه مكلف جدًا. ونتيجة لذلك، اقتصر الوقود الهيدروجيني غالبًا على المختبرات، مع محاولات خجولة يسعى المهندسون من خلالها استخدامه لصنع مركبات ومولدات احتياطية تعمل بالطاقة الهيدروجينية لم تنتشر على نطاق واسع.

مشكلات التخزين

رحب كثير من المتخصصين وأنصار البيئة باستخدام غاز الهيدروجين كوقود صديق للبيئة لفترة من الوقت، ولكن اقتصر استخدامه على نطاق ضيق لأسباب عملية؛ لأن استخدامه يتطلب ضغطه في خزانات كبيرة وهذا يجعل نقله وتخزينه أمرًا صعبًا.

تجارب عربية طموحة

وعربيًا؛ تعتزم أرامكو؛ عملاق النفط السعودي، إنشاء أول محطة هيدروجين لتعبئة مركبات خلايا الوقود الهيدروجيني، في المملكة العربية السعودية، ويأتي المشروع الجديد ثمرة تعاون بين أرامكو وشركة إير برودكتس؛ الشركة العالمية الرائدة في مجال الغازات الصناعية، ويُتوقَّع أن يبدأ تشغيلها خلال الشهور القليلة المقبلة.

وتعتزم سلطنة عُمان، أيضًا، إنشاء أول محطة هيدروجين أخضر، في منطقة الدقم على الساحل الشرقي للبلاد، في إطار خطةٍ لتنويع مصادر الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون وتأمين حاجة البلاد من الهيدروجين ومشتقاته؛ مثل الميثانول والأمونيا، وتصدير الفائض.

المصدر

شاهد أيضاً