مسؤولية قادة تونس الجدد

كمال بالهادي

قيادات حركة النهضة تريد مجدداً التموقع ضمن المشهد الجديد، مع يقين الناخبين بأنه ليست لها رؤى حقيقية لإنقاذ البلاد من الوضع المتردي الذي تعيشه، وكانت أحد أسبابه.
يتوجه الناخبون التونسيون مجدداً يوم الأحد السادس من أكتوبر/تشرين الأول لاختيار 217 نائباً ضمن مجلس نواب الشعب، في انتخابات تشريعية يلفّها الغموض والخوف من نتائجها التي قد تحدد ليس فقط مستقبل تونس للسنوات الخمس القادمة؛ بل مستقبلها لعقود طويلة، وذلك قبل أن يعودوا بعد أسبوع لاختيار رئيس جديد للبلاد من بين المترشحين الاثنين اللذين فازا في الدور الأول.
مراكز سبر الآراء التي تجري استقراءات لنوايا التصويت دون أن تتمكن من نشرها بسبب قانون الانتخابات الذي يمنع نشر استبيانات الرأي، لعدم التأثير في اختيارات الناخبين، كانت توقعت أن يعيش المشهد السياسي التونسي انقلاباً جديداً شبيهاً بما حدث في الرئاسيات، وقد تُفرز صناديق الاقتراع حزباً جديداً ذا أغلبية من خارج دائرة الحكم الحالية، وهذا الحزب هو الذي سيكلّف بتشكيل حكومة جديدة، كما توقعت الاستبيانات تراجعاً كبيراً في حضور بعض الأحزاب الكبرى في البرلمان الجديد، ما قد يجعلها أقلية وقد تحال إلى المعارضة إذا قرر الطرف الفائز عدم التشاور مع تلك الأحزاب لتشكيل الحكومة الجديدة.
هذا السيناريو المتوقع سيثير مخاوف من إمكانية إدخال البلاد في حالة ركود جديدة، مثلما حدث عام 2011، عندما تم الدفع بشخصيات وزارية في مناصب عليا في الدولة إلى أخذ زمام القيادة، دون امتلاك الحد الأدنى من القدرات ودون امتلاك معرفة كيفية تسيير الدولة، وهو ما نتج عنه ارتكاب أخطاء جسيمة كلفت الدولة خسائر فادحة، ولا أدل على ذلك من قضية البنك الفرنسي التونسي التي خسرت فيها الدولة التونسية نزاعها القضائي، وحكم عليها بدفع 1.5 مليار دولار؛ أي ما يناهز 4 مليار دينار، نتيجة خطأ في التعامل مع الملف من قبل الوزير في حكومة الترويكا سليم بن حميدان.
وحتى قادة في حزب النهضة اعترفوا بارتكاب أخطاء في كيفية إدارة الدولة؛ لأنه لم تكن لديهم الكفاءة في تسيير الإدارات، ولكن ماذا ينفع الاعتراف بعد أن تكون الدولة قد تورطت في متاهات كبرى. السيناريو المتوقع اليوم هو أن تعود تونس لمرحلة 2011، و تعود لإنتاج الأخطاء ذاتها مع فارق كبير هو أن الدولة في 2011 كانت لديها الإمكانيات المادية لسد الثغرات، أما الآن فإنها غارقة في الديون، والوضع أكثر عسراً مما كان عليه في 2011.
الشيء الثاني الذي يثير مخاوف من تشريعيات 2019، هو حالة التنصل من المسؤولية، وإعادة ركوب الأحداث ونسف فكرة التوافق. فحزب حركة النهضة على لسان رئيسه راشد الغنوشي، حمّل مسؤولية الفشل في السنوات الخمس الماضية لحزب نداء تونس، مع أن الجميع يعرف الحقيقة وهي أن النهضة هو الحزب الحاكم فعلياً في البلاد منذ سقوط نظام ابن علي؛ بل إن الجميع يُدرك أن حزب النهضة كان شريكاً رئيسياً في البرلمان، أين تقع هندسة القوانين وأين يتم التصويت سنوياً على ميزانية الدولة؟.
ومنذ 8 سنوات كانت النهضة تقرر مصير الميزانية، وهذا يعني أنها كانت تمتلك الحكم الفعلي في البلاد، ولكن ماذا يعني هذا التنصل من المسؤولية؟ في واقع الأمر لا يعني إلا نتيجة واحدة وهي تلوّن حزب النهضة مع المتغيرات، ورغبته في ركوب قطار الثورة مجدداً مع من يعتبرها «قوى ثورية»؛ أي أن قيادات هذا الحزب تريد مجدداً التموقع ضمن المشهد الجديد مع يقين الناخبين بأن حزب النهضة ليست له رؤى حقيقية لإنقاذ البلاد من الوضع المتردي الذي آلت إليه البلاد؛ لأنه لو كانت له رؤى عميقة لتمكن من تنفيذها ضمن الحكومات الثماني الماضية التي أسهم في تشكيلها.
المتنازعون على مقاعد البرلمان الجديد، يعرفون أن مستوى المديونية لم يسبق أن عاشته تونس في تاريخها المعاصر، وأن الحلول الاقتصادية المتخذة إلى حد الآن، لم تنجح في جلب الاستثمارات الخارجية، دون أن نغفل أن ما تسمى «دولة المافيا»، ويُعنى بها المتهربون من الضرائب الذين يُديرون اقتصاداً موازياً فاقت قيمته نصف الاقتصاد الكلي، هي الآن في حالة استقواء على الدولة، ما يجعل مهمة القادة الجدد مستحيلة إن لم نقل صعبة للغاية.

belhadikamel85@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً