«علاء الدين».. أسطورة تتجدد بلغة واستعراضات «مودرن»

مارلين سلوم

ما زالت «ديزني» تملك الخلطة السحرية التي تضعها على أفلامها، فتجدد قديمها، وتقدم جديدها بإتقان، وتبهر الجمهور في كل مرة. «علاء الدين» فيلم يعود إلى السينما بعد 27 عاماً على نجاحه كعمل كرتوني، تمكن من الفوز ب 32 جائزة عالمية عام 1992 منها جائزتا أوسكار. وهذه المرة أرادته «ديزني» عملاً «مؤنسناً»، كما تفعل بمعظم أفلامها «الأسطورية»، لتزيد من تخليدها، وتطويرها، وتقريبها من الجيل الجديد. نجح «علاء الدين»، ومازال الإقبال عليه كثيفاً لأسباب كثيرة.

حين تسمع أن إيرادات «علاء الدين» تجاوزت ال 700 مليون دولار في أسبوعين، تبحث سريعاً عن تكلفته الإنتاجية التي تعتبر ضخمة، فتجد أن «ديزني» التي لم تبخل على هذا العمل الاستعراضي الرومانسي بتكلفة 183 مليون دولار، ليعود إليها 4 مرات زيادة في الأسبوعين الأولين لعرضه عالمياً.

كل فريق العمل مختلف، وحدها القصة الخيالية وأجواؤها الشرقية الساحرة تجمع بين الفيلمين الأول والثاني. جاي ريتشي، وضع لمساته بوضوح، سواء إخراجياً أو تأليفاً، وقد شاركه في الكتابة جون أوجست. وميزة ريتشي أنه لا يلغي القديم، بل يحافظ عليه، ويضيف بعض التطور من دون أن يخل بتركيبة الفيلم، أو أهدافه، أو جمالياته.

من أهم تطورات «علاء الدين»، أنه منح ياسمين (ناعومي سكوت) دوراً أكبر، فهي أميرة ذكية لا تعتمد على جمالها، تحب التقرّب من عامة الشعب في مدينتها «أجرابا». تتمرد على وضعها، وعلى حرمانها من العرش ولقب «السلطانة» من بعد أبيها (نافيد نيجابان)، لأنها أنثى أي «ضعيفة»، وعاجزة عن تحمل مسؤولية حكم وشعب. تقف في وجه الوزير جعفر (مروان كنزاري) الساعي إلى الاستيلاء على العرش. ولأن أعمال السحر التي يحاول من خلالها السيطرة على السلطان لا تكفي، يجبر اللص الظريف علاء الدين (مينا مسعود)، على الدخول إلى كهف بعيد مملوءء بالمجوهرات، كي يجلب له الفانوس السحري.

كثيرة هي اللمسات التي أضافها ريتشي، كما زاد وشريكه أوجست من مدة الفيلم 38 دقيقة ليمتد إلى الساعتين و8 دقائق، بينما لم تتجاوز النسخة الأولى ال 90 دقيقة. إنما هذه الإطالة لا يشعر بها المشاهد، حيث برع الكاتبان في إبعادنا عن الملل، وإن كانت الإضافات استعراضية وليست جوهرية، أي أنها لا تخل بسياق القصة إن تم حذفها. من هنا يمكن القول إن «علاء الدين» القرن الواحد والعشرين استعراضي بامتياز، «مودرن» في بعض رقصاته وأغنياته، يحاكي شباب اليوم ويجذبهم إلى عالم الخيال، والسحر، والأساطير الطفولية مجدداً.

ياسمين في «علاء الدين» لا تنتظر حبيبها لينقذها من الساحر الشرير، بل تنتفض لتقف في وجهه بلا خوف، وتحث قائد الحرس حكيم (نومان أكار) على تحكيم العقل وتلبية واجبه الوطني لإنقاذ المدينة وأهلها من جعفر.. وناعومي سكوت جميلة في هذا الدور، تؤديه بكثير من المشاعر، تمثيلاً وغناء.

أجاد ريتشي اختيار مينا مسعود المصري- الكندي، لدور علاء الدين من حيث الملامح والخفة والتمثيل. جيد مينا، يملك كاريزما تؤهله دخول قلوب المشاهدين سريعاً، كما تتيح له الحصول على أدوار أصعب وأكبر في هوليوود لاحقاً. كذلك مروان كنزاري التونسي- الهولندي، تألق بدور الشرير جعفر، ومساحة دوره ليست قليلة.

أما بالنسبة إلى النجم ويل سميث، فيعتبر بطلاً مؤثراً في الفيلم، ودور جيني إضافة له، كما أضاف هو لشخصية الجني نفسها؛ علماً بأن سميث خاف في البداية من أداء الدور، ليس لصعوبته، بل لارتباطه في ذهن الجمهور بالنجم الراحل روبن ويليامز، الذي أداه صوتاً فقط، واستحق عنه الأوسكار. من يشاهد الفيلم الحالي، يدرك أن انتقاله لأول مرة من الرسم الكرتوني إلى تجسيد الأدوار تمثيلاً، سهّل على كل أبطاله المهمة، لأن الذاكرة «الصورية» لدى الجمهور تلعب دوراً في الربط ما بين الشخصيات ومن يؤديها. لذا سيبقى شكل ويل سميث عالقاً في أذهان الأطفال والكبار، وهو يؤدي «جيني» بخفة ظل محببة، وعلى طريقة سميث المعروفة. كما ساعد المخرج بطله في تقديم الشخصية بشكل متميز، بمنحها مساحة من الكوميديا والاستعراض الغنائي والراقص، من دون أن ينسى اللمسة الإنسانية، خصوصاً في الحوارات المتكررة بين جيني وعلاء الدين، والتشديد فيها على معنى الصداقة الحقيقية، وطمع الإنسان حين يحصل على فرصة ما، وانجرافه خلف مغريات الحياة التي كلما أعطته المزيد من البريق في المظهر، كلما خسر من الجوهر.

التصوير رائع، الإبهار حتى في المشاهد الطبيعية، والجولة التي يقوم بها علاء الدين وياسمين على متن بساط الريح السحري؛ وتم تصوير أجزاء من الفيلم، في وادي رم ووادي الديسي في الصحراء جنوب الأردن.

يأخذ البعض على المخرج زيادة جرعة الأكشن في الفيلم، كذلك مزج اللونين العربي والهندي في الرقصات، وبعضها تتخلله حركات شبابية غربية معاصرة. من الناحية الفولكلورية والتاريخية، الملاحظات في مكانها، إنما من الناحية الفنية، فيبدو المخرج أكثر واقعية في «علاء الدين»، حيث يسعى إلى تقريب المسافة ما بين الأساطير الخيالية وواقع الشباب الحالي، وإضفائه لمسة كوميدية على بعض الرقصات، وصولاً إلى النهاية التي ننصح الجمهور بالبقاء لمشاهدتها، حيث يظهر الممثلون جميعاً والكومبارس في وصلة غنائية استعراضية ظريفة، كل يقدم نفسه بأداء راقص مختلف.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً