خيال علمي عربي

محمدو لحبيب

في ظل اتجاه العديد من الكتاب الشباب العرب إلى كتابة ما يعرف برواية الخيال العلمي، أصبح التساؤل وارداً هنا: كيف يمكن لكاتب يعيش في مجتمع متخلف من الناحية العلمية عن بقية مجتمعات العالم المتقدم والدول الصناعية الكبرى، أن يتجه لكتابة رواية عن العلم وتطوراته المستقبلية؟ ألا ينبغي أن يكون الاهتمام أولاً بالكتابة عن تطوير حاضرنا حتى نلحق بتلك «البقعة المضيئة»، والتي تتجسد بالإنجازات العلمية في عصرنا الراهن؟
في الواقع يبدو التساؤل مبرراً لو أنه بُني على تعريف محدد لأدب الخيال العلمي، مفاده أن ذلك النوع من الأدب هو تعبير سردي وصفي للبيئة العلمية المزدهرة قبله، لكن الأمر ليس كذلك بالمرة، كما يدل على ذلك تاريخ رواية الخيال العلمي.
تلك الرواية كانت في مجملها ومنذ رواية الكاتب الفرنسي جول فيرن «خمسة أسابيع في منطاد» والتي نشرت سنة 1863م، إلى بقية رواياته والروايات الأخرى التي كتبها رواد هذا النوع الأدبي، محاولة فلسفية لتفسير واستكناه المدى الذي يمكن أن يبلغه التطور العلمي الذي بدأ آنذاك للتو، وربما يصدق عليها القول إنها كانت روايات تحاول تحديد مكانة الإنسان المستقبلية في هذا العالم في ظل التطور المرتقب للآلة ولعوالمها الصناعية.
ومما يعزز ذلك التفسير هو أن كل الكتاب الذين جاؤوا بعد القرن التاسع وفي القرن العشرين وفي قرننا الحالي من الغربيين، كتبوا في نفس التوجه وفي ذات التفكير، وكانوا غالباً يتنبؤون بمنجزات وأشياء قد تحدث في المستقبل، ولم يقتصروا على حاضرهم.
وقد نجح بعضهم فعلاً في التنبؤ بدقة مدهشة بسمات الحقب الزمنية التي جاءت بعد نشر رواياته بعدة عقود، ففي روايته «الوقوف في زنجبار» والتي نشرت سنة 1968، تنبأ الكاتب الإنجليزي جون برنر بشكل الحياة في سنة 2010، وقدم وصفاً دقيقاً لأهم المخترعات التي حدثت بعد ذلك، وصارت معروفة في حياة الناس في تلك السنة من القرن الواحد والعشرين، وليس ذلك فقط، فقد استطاع برنر أن يصف بدقة مدهشة كذلك ما يعرف اليوم بقراصنة الكومبيوتر من خلال روايته «راكب موجات الصدمة» والصادرة سنة 1975م.
وإذاً فإن اتجاه بعض الكتاب العرب لأدب الخيال العلمي لا يعد نشازاً، ولا ترفاً فكرياً، بقدر ما يمكن اعتباره محاولة للتفكير المستقبلي في واقع يحيط بهم من خلال مخترعاته وآثاره التي تنتقل إلينا لحظياً من كل أنحاء العالم، عبر العولمة والثورة الرقمية ووسائط الاتصال المفتوحة.
لكن ما يمكن أن يأخذه البعض على كُتاب الخيال العلمي العربي هو مدى تماهيهم مع واقعهم فعلاً، بمعنى هل يكتب أحدهم حين يكتب وهو يفكر فيما يمكن أن يصل إليه العلم في مجتمعاتنا تحديداً؟ ذلك هو سؤال المحلية اللازم طرحه، وربما يمكن اتخاذه مقياساً نقدياً.

Original Article

شاهد أيضاً