حملة فرعون قصة فارغة و«أكشن» فوضوي

مارلين سلوم

«الأكشن يجذب الجمهور»، حقيقة لا بد من التسليم بها؛ لكن هل كل «ضرب» على الشاشة هو «أكشن» بمفهومه وشروطه الفنية؟ وهل الضرب والحركات القتالية والقفز وتجميع «أبطال» ليشكلوا فرقة أو عصابة تهاجم عصابة أخرى، يستوفي شروط نجاح أي عمل، فيصير ما نشاهده في السينما فيلماً يستحق التصفيق؟ «حملة فرعون» خير نموذج للإجابة عن هذه الأسئلة، وتنافسه مع فيلمي «كازابلانكا» و«الممر» في الصالات، جعل الفرق واضحاً ولم يأتِ لصالحه أبداً.
لا شك في أن «أفلام السبكي» انتقلت من مرحلة الابتذال والتواجد في الصالات كشركة إنتاج بأي ثمن، إلى مرحلة الاختيار والارتقاء بالأعمال، وتقديم التنوع المطلوب سينمائياً. لذا لا يمكن اعتبار فيلم «حملة فرعون» من الأفلام الهابطة؛ بل من الأعمال التي أسيء توظيفها لجذب الجمهور. فيبدو واضحاً أن صنّاعه اعتمدوا على وجود مجموعة أبطال ونجوم أجانب وعرب بجانب الفريق المصري الأساسي، والثقة الزائدة بأن الجمهور يحب «الأكشن»، لتحقيق نسبة إقبال ونجاح مبهر، وخلت القصة التي قدمها كريم حسن بشير، من أي منطق أو ترابط حقيقي، فبدت «فارغة»، تمشي على هامش الأحداث الواقعية ولا تغوص في العمق أبداً.
لم نفهم إن كان ما يرمي إليه الكاتب، هو تسليط الضوء على مآسي الحرب في سوريا، واستغلال الأطفال، وسيطرة المخابرات الأمريكية، أم هي مجموعة عصابات لا علاقة لها بأنظمة ودول؟ هل هي أزمة مناطق يسكنها العرب البدو على الحدود بين سوريا ولبنان، أم لقاء «بلطجية» قادمين من أحياء شعبية في مصر إلى لبنان؟! تبدأ القصة من مجموعة من الأبرياء تحاول الهروب، بقيادة «ريك» (يؤديه مايك تايسون الأمريكي المعروف بالرجل الحديدي). يقعون أسرى «فرانك» (هافبور جورنسون أو «ذا ماونتن» بطل القوى العالمي ونجم مسلسل «صراع العروش») وعصابته، والمفروض أنه من المخابرات الأمريكية، لكننا نراه زعيم عصابة يجمع فيها عناصر من جنسيات مختلفة، يخطفون الأطفال ويسيطرون على بعض المناطق، فيسرقون ويقتلون بلا أي رادع أو قانون.
من بين المخطوفين، الطفل عبدالله (رابي سعد، ابن عمرو سعد في الواقع وفي الفيلم)، الذي يتم الإفراج عن والدته، والإبقاء عليه. تعود إلى مصر لتخبر طليقها يحيى فرعون (عمرو سعد)، فيجمع أصدقاءه الحاليين والقدامى، ليتمكن من شن حملة للعودة بابنه سالماً. «حملة فرعون» تضم صديقه وسنده في المعارك الأرجنتيني (محمد لطفي)، دهب (روبي)، راضي العفريت (محمود عبد المغني)، حتاته (حمدي الميرغني) ويونس (رامز أمير). كل منهم يتميز بقدرات في القتال سواء بالقفز أو القنص أو التفجير.
المخرج رؤوف عبد العزيز حاول تقديم «الأكشن» بحرفية، لكن بعض اللقطات المركبة بين الحركات الصعبة التي يؤديها أي دوبلير والانتقال للبطل نفسه، بدت واضحة جداً، وأمكننا التمييز بين روبي ومن تنوب عنها في مشاهد القتال مثلاً. كذلك فشل في تقديم معركة واضحة المعالم في الجزء الأخير من الفيلم، فأصبح الجمهور حائراً بين كل هؤلاء المتقاتلين، لا يرى غير ضرب وقتل وإطلاق نار، وأشخاص يسقطون وآخرون يُطلقون النار.. مَن مع مَن، ومن ضد من؟ اختلط الحابل بالنابل، لنصل إلى نتيجة نهائية للأكشن الفوضوي، ندرك معها أن بعض الأبطال ماتوا، وقلة منهم بقوا أحياء، من أجل إنقاذ ابن يحيى فرعون فقط.
ما فائدة وجود كل هؤلاء النجوم وأبطال الملاكمة وكمال الأجسام؟، وأضف إلى الأسماء السابقة كرم جابر من أبطال مصر في المصارعة، وأحمد التهامي. وما فائدة الاستعانة بنجوم مثل بيومي فؤاد، وأحمد فهمي، وحورية فرغلي، ويوسف شرف الدين كضيوف شرف؟، علماً بأن حضورهم كغيابهم، لم يقدم أي إضافة للعمل، كذلك سوزان نجم الدين دورها صغير وغير مؤثر؟
إنْ لم يتم بناء أفلام الحركة والتشويق، على قصة واضحة خيوطها محبوكة ومترابطة، بحيث يمكن للجمهور السير خلف شخصياتها وفكّ ألغازها، فلا بد من فشل الفيلم واقتصاره على عدد من «البوكسات» والقفزات وطلقات الرشاش التي لا تحصى. يرهقك الفيلم بكثرة الركض خلف القتال والمتقاتلين، ناسياً التركيز على الجوانب الإنسانية التي تدفع الجمهور للتعاطف مع الشخصيات من جهة، وتدعم الحركة و«الأكشن» فتعطيها قيمة أكبر.
الممثلون قدموا أدوارهم وفق المساحة المتاحة لهم، تميز حمدي الميرغني ورامز أمير وسط هذه المجموعة، كما تألقت روبي بإطلالة فتيات الغرب الغامضات في مثل هذه النوعية من الأفلام، وهي تليق بها إن أرادت خوض تجارب مشابهة، إنما أكثر عمقاً. أما عمرو سعد، فهو موهوب ويملك القدرة على سرقة الكاميرا وقلوب المشاهدين، إنْ أحسن اختيار أدواره، وما يليق بموهبته الحادة كملامحه. توقعنا أن يصير الرقم الصعب على الشاشة، والذي سيسعى أبناء جيله والأكبر منه إلى منافسته بقوة، إلا أنه يفاجئنا أحياناً بسوء اختياره للأدوار التي تليق به، والأعمال التي تتحدى قدراته.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً