الفقرات الرقبية..آلام مزعجة وعلاج طويل

تحقيق: راندا جرجس

تعد الفقرات الرقبية السبع التي تفصلها عن بعضها البعض الأقراص، جزءاً من الجهاز الحركي في جسم الإنسان، وأكثر المناطق التي تتحرك باستمرار، في الجلوس والوقوف وحتى عند النوم، ولذلك فإنها منطقة مستهدفة دائماً بالتعرض للإصابات وخاصة بالانزلاق الغضروفي، الديسك العنقي، والالتهاب، وكلما تقدم العمر تنقص قدرة احتكاك الفقرات مع بعضها، ما يتسبب بالشعور بآلام مزعجة غير محتملة، ومع انتشار الأجهزة الإلكترونية الحديثة زادت الإصابات، وأصبحت شائعة بين الأشخاص في هذا العصر، وتحديداً مع الجلوس لفترات طويلة بينما الرأس منحني للأمام، ولذلك يجب الحذر من هذه الوضعية وفي بعض الحالات لا يكفى العلاج بالاسترخاء أو الأدوية، لكن يستدعى الأمر التدخل الجراحي مع الخضوع للعلاج الطبيعي.
يقول الدكتور حسن قدري، مختص جراحة الأعصاب: إن العمود الفقري، يتألف من أربع مجموعات فقرية هي الرقبية، الظهرية، القطنية، العجزية، وعدد الفقرات الرقبية سبع؛ حيث تقوم الفقرتين الأولى والثانية بتزويد الرأس بحركات الدوران، ومن الثالثة حتى السابعة يكون دورها حركات العطف والبسط والمعتمدة على الفقرات الرقبية، كما تضم الرقبة الحبل الشوكي ذي الأهمية الخاصة للوصل العصبي ما بين الدماغ والجسم بشكل عام.
ويتأثر العمود الرقبي بالوضعيات الخاطئة؛ حيث يتغــــير الانحناء الرقبي الطبيعي إلى انحناء مرضي في حالة الجلوس لمدة طويلة بوضعية الانعطاف، أثناء العــــــمل الطــــويل على الكمبيوتر أو عمليات القراءة والكتابة المديدة أواستخدام الأجهزة الإلكترونيـــة لساعات طوال، ما يؤدي إلى تأذي في الأقراص الغضروفية والمفاصل الخلفية للفقرات، وتنجم عن ذلك الإصابة بالديسك الرقــــبي أو الانزلاق الفقــري، إضافة إلى تشنج في العضــلات العنقية، والرقبية الرأسية مسبباً للآلام في الرقبة، وأيضاً صداعاً مستمراً.
وتعد أكثر الفقرات الرقبية إصابة المتوسطة والسفلية ما بين الرابعة والسابعة، ولذلك ننصح بالجلوس في وضعيات السليمة أثناء العمل، مثل: رفع شاشات الكمبيوتر، والتقليل من فترة الجلوس المستمر إلى أقل من خمس وأربعين دقيقة، وتمارين الرقبة بعد العمل الطويل على الأجهزة الإلكترونية؛ حيث إنها تعتبر البدايات الأساسية لكل علاج.

الرقبة النصية

يذكر الدكتور فراس حسبان، مختص جراحة العظام، أن الآم الرقبة باتت من أمراض العصر الأكثر شيوعاً؛ حيث تشير الأرقام إلى أن هناك نحو 80% من الأشخاص يصابون بألم بالرقبة في فترة ما من حياتهم، وتجبرهم إلى الذهاب للطبيب في معظم الأحيان، وتعرف الرقبة أو الفقـــرات العنقية، بأنها الجزء العلوي من العمود الفقري، وهــــي حلقة وصل ما بين الرأس وباقي الجسم، كما تمتاز بأكــــثر الأجزاء من ناحية الحركة، وتقوم بتوزيع 15% من وزن الجسم أثناء حركاته المستمرة، ومع الأبحاث والدراسات المســـتمرة التي يهتم بها العلماء، وجد الباحثون أن ثني الرقبة أكثر من 15 درجة يومياً لفترة طويلة ربمـــا يؤدي إلى ضرر في الفقرات العنقية والعضلات، ما ينجم عنه أهم الأمراض المنتشرة وهـو: «الرقـــــبة النصية»؛ حيث يصاب المريض بآلام الرقبة نتيــــجة الجلوس لفترات طويلة ويكون الرأس منحـــني للأمام، وخاصة عند استعمال الهواتف الذكية واللوحات الرقمية.
يضيف أن هناك علامات وأعراضأ ترافق الإصابة بآلام الرقـــبة؛ حـــــيث يســــمع صوت احتكاك في حركة فقرات الرقبة، ويشـــعر المريض بآلام، تيبـــــــس، وتصلب العضــــــلات، وفـــي بعض الحــــالات يكون هناك تنـــــميل وآلام تــــمتد إلى الأطراف العليا، وربما يصاب ضــــعــــف في عضـلات الأطراف العلــــيا كامـــلة، ما يؤدي إلى عـــــدم القـــدرة علـــى القـــيام بالأعمال اليومــــية.
ولذلك فإن التشخيص الدقيق بداية لنجاح العلاج، والذي يبدأ بالفحص السريري، والأشعة العادية، وكذلك نحتاج إلى الرنين المغناطيسي في بعض الحالات، حتى نحصل على تشخيص كامل بنسبة 95%.

أسباب الإصابة

يؤكد د. فراس، أن معظم آلام الرقبة تنتج عن إجهاد العضلات، والأربطة والأوتار أو تمزق العضلات بسبب قوة مفاجئة تعرضت إليها نتيجة حركة عنيفة أو إجهاد، وتتنوع أسباب الإصابة بإجهاد الفقرات العنقية أو أمراض الرقبة إلى أكثر من سبب هي كالآتي:
– وضعيات الجلوس غير الصحيحة أثناء العمل، وخاصة لفترات طويلة أمام أجهزة الحاسب الألى، والهواتف الذكية.
– وضع الرقبة أثناء النوم، والذي يعد من أكثر العوامل التي تؤدي إلى الانزلاقات الغضروفية بأنواعها الحادة والمزمنة والتنكسية.
– عدم ثبات واتزان الفقرات العنقية والضغط على النخاع الشوكي، والأعصاب في تضيق القناة الشوكية، وكذلك نتيجة الزوائد العظمية، والتي تحدث في التنكسات المفصلية المتقدمة.

عادات وقائية

يوضح د.فــــراس، أن علاج آلام الرقـــــبة يبدأ مـــــن الوقاية، وخاصــــة أن الرقــــبة من أكثر الأعضاء المستهدفة في نشاطاتنا اليومية؛ وذلك بتغير نمط الحياة، والعادات اليومية على النحو الآتي:
– الجلوس بالطــــريـــقــــة الســــلــــيمــــة أثناء العـــــمل.
– الراحة والتمارين لفترات قصيرة أثناء استعمال الحاسوب الآلي، أو اللوائح الرقمية أثناء الجلوس على المكتب.
– اســـــتخـــــدام الوســــادة المناســـبة عـــــــند النــــوم للمحافظـــة على القوام الصحي للفقرات العنقية.
– الابتعاد عن الإجهاد النفسي والعصبي وتجنبه قدر الإمكان.

خطة علاجية

يشير د.فراس إلى أن الخطة العلاجية لأمراض الرقبة تبدأ بإعطاء المريض الأدوية المضادة للالتهابات والأدوية المسكنة، والعقاقير المرخية للعضلات لفترات قصيرة، وكذلك نلجأ إلى عمل جلسات العلاج الطبيعي للتأهيل والتثقيف عن الوضعيات الصحيحة للحفاظ على سلامة الرقبة، وكذلك عمل التمرينات لتقوية هذه العضلات، ما يؤدي على المدى الطويل إلى تأهيلها وتقويتها وتجعلها قادرة على تحمل الضغوط اليومية، وفي حالة استمرار الآلام في منطقة محددة، فإنه من الممكن إعطاء حقن موضعية تحتوي على مادة مضادة للالتهاب، والتي عادة تقضي على إنهاء الالتهابات في العضلات.
أما في الحالات التي تحدث نتيجة الانزلاق الغضروفي أو ضيق بالقناة الشوكية، مع وجود ضغط على النخاع الشوكي والأعصاب ولا تستجيب الحالة للخطة العلاجية السابقة، فإن التدخل الجراحي يكون ضرورياً، والجدير بالذكر أن نسبة نجاح العمليات الجراحية للفقرات العنقية يتجاوز الـ 95%، ويكون عن طريق جرح صغير لا يتجاوز السنتيمترات وبواسطة الميكروسكوب حتى يتم استئصال الانزلاق الغضروفي، وتحرير العصب ورفع الضغط عن النخاع الشوكي، وبعد عملية استئصال يمكن وضع قفص صناعي مع رقع عظمية، وذلك لدمج الفقرتين معاً، أو استخدام ما يعرف بالغضروف الصناعي، ويتم تحديد ذلك بحسب حالة المريض.

علاج طبيعي

تشير أخصائية العلاج الطبيعي آية الغوطى، إلى أن العلاج الطبيعي، يُعد أهم طرق معالجة حالات العمود الفقري العنقي؛ حيث إن المريض يحتاج إلى تمارين تقوي العضلات والأربطة لضمان عودة حركة المفصل الطبيعية، ويمثل العمود الفقري العنقي أهمية كبرى، خاصة أن الأعصاب المتحكمة بكافة الجسم وأي ضرر أو تغيير في هيكل مفاصل العمود الفقري العنقي، تؤثر بشكل كبير في باقي عضلات الجسم من خلال الأعصاب.
وتشمل الحالات التي يتم علاجها الديسك، الانــــــزلاق الغـــــضــــروفـــــي، حــــــــوادث وهــــــشاشة العمود الفقري الرقبي، داء الفقــار الرقبية، وهناك بعض المعايير التي يقيّم بها المعــــالج الفيزيائي حالة المريض بعد قـــراءة التقـــارير الطــبية ومراجعة الأشعة، ويبدأ الـــتقييم مـــن لحظة دخول المريض وفحص طريقة مشيته، ثم يأخذ منه معلومات عن العمر، الوظيفة التي يعمل بها.
حيث إن بعض الوظائف كالإدارية مثلاً ترفــــع نســـــبة الإصــــابة بأمراض العمـــــود الفقري الرقبي، الروتين اليومي، عادات الأكل، ممارسة الرياضة من عدمها، عــــدد ساعات الجلوس أمام التلفاز أو الحاسوب أو الهاتف المحمول، درجة الألم وتحــــديدها من 0 إلى 10، مكان الألم، الوضعيات التي تزيد أو تخفف الألم، وجود صداع في الرأس من عدمه، وأيضاً هل يتناول المريض مسكنات الألم أم لا، ثم يقوم المعالج بفحص لمكان الإصابة تقييم مرونة العضلات وقوتها، فحص حركة المفاصل إذا كانت طبيعية أم لا: عند الجلوس بطريقة غير صحيحة بعض المفاصل لا تتحرك وتيبس، ويؤدي هذا إلى حدوث شد في العضلات والأربطة المرافقة للمفصل.

ممارسات طبيعية

تذكر الغوطى، أن الهدف من العلاج الطبيعي المحافظة على مرونة وقوة عضلات الرقبة، وحركة العضلات بشكل سليم، وتصحيح وضعية الرقبة، وتفادي أي انحرافات في العمود الفقري، وأيضاً الوقاية من الإصابة بحالات العمود الفقري العنقي.
حيث أثبتت الأبحاث أن الجمع بين تمارين التقوية والاستطالة له فائدة أكبر لعلاج ألم الرقبة ويجب أن يكون المعالج الطبيعي خبير ليقوم بتنظيم البرنامج؛ بحيث يتناسب مع الحالة، وهناك طرق وأنواع متعــــددة لعلاج الحــــالات التي تعانى مشكلات الفقرات العنقية فيزيائياً، ومنها:
– ممارسة بعض التمارين كالاستطالة والتقوية.
– العلاج الطبيعي اليدوي باستخدام تقنيات خاصة لتحريك المفاصل والتدليك.
– استخدام أجهزة العلاج الطبيعي مثل جهاز الموجات فوق الصوتية لتخفيف شد العضلات وتحفيز عملية إرخاء الغشاء الليفي العضلي، وجهاز الذبذبات الكهربائية لتخفيف الألم، وجهاز جر الرقبة الذي يعمل على تخفيف الضغط على فقرات العنق.
– تمارين للغشاء الليفي العضلي.

الحقيبة المدرسية

تتسبب الحقيبة المدرسية المملوءة بالكتب والدفاتر الكثيرة والثقيلة في العديد من المشكلات التي يتعرض لها الأطفال والمراهقون دون الرابعة عشرة، حيث إن وزنها يتراوح بين سبعة وثلاثة عشر كيلوجراماً، ويتجاوز في بعض الأوقات أكثر من 20% من أوزانهم، وهي لا تستهدف فقط الظهر وتؤثر في سلامته وقوته كما هو شائع، ولكنها تمتد أيضاً للفقرات العنقية في الرقبة الممتدة من أسفل الظهر، ما تنجم عنه آلام شديدة ومزمنة وإصابات مزعجة طويلة الأمد، خاصة أن وضعها على الظهر يدفع الرأس دائماً إلى الانحناء إلى الإمام ومن ثم انحناء فقرات الرقبة، ولذلك يجب اختيارها بعناية ومواصفات مثل الحقائب المزودة بحزام أمامي وعريض، أو ذات العجلات لتحريها على الأرض دون اللجوء لحملها.

شاهد أيضاً