السينما المرآة

سوسن دهنيم

تشكل السينما اليوم مرآة عاكسة لأي مجتمع، فهي توصل المعلومات، والبيانات، والصور، بشكل سلس قد لا ينتبه إليه المتلقي، فيتشبع بما فيها من رسائل من غير وعي أحياناً. ولهذا باتت نوعاً من الدعاية لهذا المجتمع، أو تلك الرسالة، أو ذاك الشخص، ووسيلة للعلاقات العامة بطريقة ما، يمكن من خلالها تتبع تطور المجتمعات، وطبيعة المعيشة، وأسلوب الحياة خلال حقب زمنية مختلفة.
ولا يخفى على أحد التكرار الممل في كثير من مواضيع السينما، باختلاف صنّاعها، وأبطالها، بل وأحياناً القدرة على استشفاف أحداثها قبل وقوعها من خلال الحصيلة السينمائية الخاصة بكل مشاهد، لذا فالالتفات إلى الجوانب المنسية، أو المهملة في الأعمال السابقة أمر مهم، من خلال تسليط الضوء على الحقب التاريخية غير المتناولة، أو الشعوب المهمشة، أو الصراعات غير المذكورة، أو الشخصيات التي لم يتم ذكرها في عمل سينمائي، أو حتى روائي.
ما جعلني أذكر هذا الجانب هو الفيلم السينمائي «داونتون ابي»، الذي جاءت فكرته بعد نجاح المسلسل التلفزيوني الذي حمل الاسم نفسه، لكاتبه الروائي والسيناريست والممثل جوليان فيلوز، وهو فيلم ذو طابع تاريخي، ولكن أحداثه من نسج خيال كاتبه.
عرض الفيلم في صالات السينما سبتمبر/ أيلول الماضي، وسلط الضوء على حياة العمالة المنزلية البريطانية، والصراعات الداخلية في الأسر العريقة البريطانية بشكل درامي جميل، كما ناقش قضايا عدة، منها: حقوق المرأة، والخيانة الزوجية، والعنصرية، وغيرها من المواضيع اليومية التي كانت سائدة، أو موجودة بشكل قليل، ولكن مسكوت عنها في المجتمع البريطاني قبيل الحرب العالمية الأولى.
هذه المواضيع، ولو أنها أتت من خيال كاتبها، إلا أنها معيشة في المجتمع بالفعل، لكن لم يتم طرح كثير منها بالصيغة نفسها المطروحة في الفيلم، ولهذا جاء مختلفاً، خصوصاً لمن لم يشاهد المسلسل من قبل.
نحن اليوم بحاجة إلى الاستفادة من تاريخنا في صناعة الأفلام، بشكل لا يكون تكراراً مملاً، فتاريخنا مملوء بالمنعطفات، والتحديات، والأحداث التي يمكن من خلالها كتابة سيناريوهات متخيلة متنوعة تستند إلى أحداث، أو حقب تاريخية مررنا بها.
كما يمكننا اليوم إيصال أسلوب حياتنا الحقيقي من غير مبالغة، أو رتوش، أو دونية، أو فوقية، من خلال السينما، كما يمكننا تكوين حصيلة جيدة من التاريخ للأجيال القادمة يمكنها من خلالها معرفة جمالية هذا الزمن الذي لم نعد نرى منه في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي غير الدمار، والحروب.

sawsanon@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً