الضحك حاضر والمنطق غائب

مارلين سلوم

لا يحدث كثيراً، أن تدخل صالة السينما لأسبوعين متتاليين، بهدف مشاهدة فيلمين لبنانيين، ليس لرغبة لديك في التنويع، وإنما لقلة الإنتاج السينمائي في لبنان، ونظراً لوصول تلك الأعمال في فترات متباعدة إلى الصالات. هذه المرة، لحق فيلم «بالغلط» سريعاً سابقه «حبة كراميل» إلى الصالات في الإمارات، وهو أيضاً يستحق المشاهدة لمن يبحث عن فسحة من الضحك والكوميديا غير المبتذلة، المجبولة بالرومانسية المحببة.
الفنان المتعدد المواهب زياد برجي، اختار لنفسه خط الكوميديا سواء في الدراما أو في السينما، لتكون الهالة التي تكلل القصص الرومانسية التي يطل من خلالها على الجمهور، وهذه «الخلطة» تليق به وبطريقة أدائه ولونه في الغناء والتأليف والتلحين. برجي جمع بين الغناء – الذي انطلق منه أساساً- والتمثيل، دون أن يبدو كمن يقحم نفسه في مكان لا يناسبه. ويبدو أنه لا يحب المجازفة والتعاون مع عدة مخرجين، فالتزم بالعمل مع السوري سيف الشيخ نجيب، ليقدما معاً مجموعة أعمال ناجحة، بدأت بمسلسل «حلوة وكذابة» الذي حولاه إلى فيلم «حلوة كتير وكذابة» عام 2013، ثم «أهلاً بكم في لبنان» 2016، وحديثاً فيلمي «بغمضة عين» و«بالغلط».
يبدأ «بالغلط» مع 4 أصدقاء رامي (زياد برجي) وابن خالته عباس (عباس جعفر) وأبو طلال (وسام سعد) ونوجا (دانا حلبي)، يتواصلون عبر موقع التواصل الاجتماعي «واتساب»، وقد شكلوا فريقاً يبتكر الأفكار الغريبة، خصوصاً في اختيار أماكن وكيفية احتفال أعضاء الفريق بعيد ميلاد كل منهم. وللاحتفال بعيد رامي، اختار أبو طلال المقابر، وقالب الحلوى على شكل «نعش». بخوف شديد – يبعث على الضحك من المشاهد الأولى- يدخلون المكان، لكن عباس ينسى قالب الحلوى في السيارة. يعود لجلبه فإذا بأحدهم يصل بسيارته ومعه إحدى الحسناوات، يصوّر عباس الحوار الفاضح للعلاقة السرية بينهما، وينسى علبة الحلوى هناك. الموقف العفوي يتحوّل إلى «ورطة»، إذ يتضح أن الرجل في الفيديو، هو النائب أبو العز (سلطان ديب) الذي يعتقد أن منافسه النائب سميح، أرسل تلك المجموعة تتعقبه وتصوّره، لفضحه وإسقاطه في الانتخابات. ولخروج المجموعة من هذه الورطة، يشترط عليهم أبو العز تعقّب سميح وتصوير علاقاته السرية.
هذه المقدمة توحي للجمهور بأن الفيلم سيأخذ منحى سياسياً ظريفاً ساخراً من الأوضاع، وفاضحاً للمؤامرات والفساد وإن عبر الإيحاء، خصوصاً مع سرد مجموعة مخالفات قام بها النائب، وملفات الفساد منها: النفايات، صفقة الكهرباء، المخصصات العامة والاستيلاء على الأملاك البحرية، الرشوة، وغيرها.. لكن الكاتب رافي وهبة اكتفى بهذا القدر، لينتقل مع أبطاله الأربعة إلى مرحلة أخرى، بعيدة تماماً عن السياسة وأجوائها، وكأنه يفتح صفحة جديدة وفصلاً آخر من فصول حياتهم، رغم أنه كان يستطيع السير على نفس الخط ليجمع بين العمق وملامسة الواقع من جهة، والكوميديا والرومانسية من جهة ثانية، دون أن يفقد العمل روح الدعابة والقدرة على جذب الجمهور من مختلف الأعمار.
تلك «الورطة» أوحت للفريق بمشروع تجاري جديد، مستغلين فكرة التجسس والتصوير. المشروع اسمه «ورطة جانج» أو «عصابة ورطة»، هدفها خدمة كل من يشك في سلوك شريكته، وكل امرأة تشك في زوجها أو خطيبها، يلجأ إليهم. لقي المشروع رواجاً، إلى أن وصلت أصعب مهمة، مع اتصال الشاب الثري خليل (ماهر حداد) بالعصابة، طالباً منهم تعقّب خطيبته يارا (ساندي حكيم)، ليتأكد من حبها وإخلاصها له. مع خليل المتوتر والدائم الإنصات لهواجسه، وأوامر أمه وخالته وجدته -أدت الأدوار الثلاثة ميرنا مكرزل- نصل إلى القسم الرومانسي، دون أن تسقط أوراق الكوميديا من يدي المؤلف، ولو للحظة. وكلما أثبتت يارا وفاءها لخطيبها، كلما زاد الأمر تعقيداً، إذ يطلب خليل من رامي تدبير 10 عرسان يتقدمون لطلب يد يارا، في اختبار أخير لها. ويكون العريس العاشر رامي الذي سبق أن وقع في حبها فعلاً، أثناء تعقبها والتنصت إلى حواراتها مع العرسان المزيفين. تتوالى الأحداث التي تغير مجريات حياة رامي وأصدقائه، والتي تقع كلها «بالغلط».
مجموعة نقاط أدت إلى نجاح هذه الكوميديا، أولها النص المكتوب بخفّة والمعتمد على البساطة في الفكرة والتعبير، إضافة إلى كوميديا الموقف، دون الوقوع في فخ المبالغة أو السذاجة أو الملل. ومما ساعد مهمة الكاتب في إيصال هذه الروح بدقة إلى الجمهور، هو فريق «ورطة» لا سيما الثنائي عباس جعفر ووسام سعد. عباس هذا الشاب البعلبكي، كوميديان بامتياز، بعفوية وسلاسة يؤدي دوره، فتصدقه وتنتظر إطلالته على الشاشة. يسرق الكاميرا من رفاقه في أي مشهد، ويُضحكك من الأعماق. مثله أبو طلال، وسام سعد الذي يجعلك تشعر بأنه لا يمثل، وإنما يقدّم شخصيته الحقيقية.
دانا حلبي تستحق أن تكمل مشوارها الفني كممثلة كوميدية. أما زياد برجي، فهو يواصل نجاحه في التمثيل ببساطته المعهودة وبسلاسة ساهمت بشكل كبير في كسبه ود الجمهور، ويقدّم نفسه في هذا الفيلم مهندساً، يدندن أغنية «بالغلط» ويعبّر عن مشاعره في «يا حلو» التي لاقت نجاحاً جماهيرياً.
ممن يستحقون أيضاً الإشادة بأدائهم، ماهر حداد الذي جسّد شخصية العريس المتوتر والمريض نفسياً، وميرنا مكرزل التي أدت أدوار أمه وجدته وخالته في آن، مانحة لكل منهن روحاً مختلفة عن الأخرى. هنا نشيد بالمخرج سيف الشيخ نجيب الذي استخدم التقنيات ببراعة، وعرف كيف يفصل بين الشخصيات الثلاث والتي جمعها دائماً في مشهد واحد.
ساندي حكيم وجه جميل، لكنها أفقدت الدور روحه سواء في لحظات الرومانسية المطلوبة، أو في الموقف الذي تطلب منها أن تكون في قمة غضبها وحزنها وتأثرها بالخيانة ووقوعها ضحية لعبة تجسس. المشهد افتقد إلى التجانس بين مشاعر رامي ويارا، حيث بدا زياد برجي شديد التأثر والحساسية، يعلن ندمه وحبه وأسفه، بينما ساندي باردة جامدة.
الفيلم «آمن» للمشاهدة العائلية، وهي ميزة نبحث عنها بشدة في هذا الزمن. المخرج اعتمد كثيراً على التصوير الخارجي، مستغلاً جمال الطبيعة والمناظر في لبنان، ما منح المشاهد إحساساً بالراحة والمتعة. كما أن بساطة العمل لا تشكل عبئاً مالياً على شركة الإنتاج اللبنانية «فالكون»، لا سيما أنه يعتمد على أبطاله الرئيسيين، دون الاحتياج إلى أعداد من الكومبارس.

سذاجة أفلام زمان

رغم أن المؤلف رافي وهبة نجح في كوميديا «بالغلط»، إلا أن توجهه إلى جمهور من الشباب متطور فكرياً، وفي هذا العصر المتقدم من حيث التكنولوجيا والتقنيات، كان يتطلب منه البحث عن فكرة منطقية لإقناعه بأسباب شك خليل بخطيبته يارا. إذ ليس من المنطق أن يطلب أي شاب من عصابة إيقاع خطيبته في الفخ، وتقديم عشرة عرسان أو أكثر لها، لاختبار صدق مشاعرها! سذاجة أفلام زمان الأبيض والأسود في حبك القصص الغرامية بهذا الشكل، لا يتقبلها عقل الجمهور الحالي، حتى وإن غفر لوهبة هذه الهفوة لقاء استمتاعه بالعمل ككل.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً