هل الشعبوية في الطريق إلى اليابان؟

ديسوكي مينامي*

مع أن المجتمع الياباني ما زال يتمتع بجدار حماية من الشعبوية، بسبب خلُوّه من الانقسامات العرقية، أو الاقتصادية، فإن بعض الأحزاب المغمورة الجديدة، تقترب من تخطّي هذا الجدار.
على الرّغم من أن الشّعبوية تتصاعد في جميع أنحاء العالم، ظلت اليابان حتى الآن محصنة منها. وليس هنالك معادل ياباني للسياسية الفرنسية مارين لوبان، أو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي.
ولكنْ، يبدو أن ذلك آخذ في التغير بعد انتخابات مجلس الشيوخ الياباني في 21 يوليو/ تموز الماضي، التي حقق فيها حزب يساري جديد مناهض للمؤسسة خطوات واسعة. فما الذي يحدث ل«جدار الحماية من الشعبوية» في اليابان؟
يعزو الخبراء جدار الحماية إلى عدم وجود انقسامات عِرقية، أو اقتصادية، يمكن لقادة شعبويين استغلالها لصياغة برامج حزبية مناوئة للهجرة، أو قائمة على أساس طبقي. وعلى الرغم من إجراءات زيادة عدد العمال الأجانب، تظل اليابان أمة متجانسة، لا يزيد المقيمون الأجانب فيها على 1.76% من سكانها.
والمجتمع الياباني أيضاً قائم على المساواة، ويخلو من التفاوت الكبير في الدخل، كما في الولايات المتحدة، أو غيرها من الأماكن. كما تشهد البلاد انتعاشاً اقتصادياً مطّرداً منذ أن تولى رئيس الوزراء، «شينزو آبي» زمام منصبه في عام 2012، وحقق معدلُ البطالة انخفاضاً تاريخياً، بلغ 2.3%.
على هذه الخلفية، أحرز الحزب الديمقراطي الليبرالي (الحاكم)، وحلفاؤه، أغلبية فائقة تقريباً في مجلس الشيوخ، من خلال التلويح بنجاح سياسات «آبي» الاقتصادية.
ولكن من السابق لأوانه أن يحتفل «آبي» بالنصر، لأن الانتخابات جلبت معها علامة مقلقة على تصاعد الشعبوية في اليابان. فقد حقق حزب «ريوا شِنْزِنْجومي»، المناوئُ للمؤسسة الذي تم تنظيمه قبل الانتخابات بثلاثة أشهر فقط، على يد الممثل الذي تحول إلى سياسي، «تارو ياماموتو»، ظهوراً كبيراً. وقد عبّأ الحزب الذي نظّمَ حملة انتخابية شعبية على الإنترنت 3500 متطوّع، وجمع تبرعات تجاوزت 400 مليون ين، وحصل على 4.6% من مجموع الأصوات، ومقعدين في مجلس الشيوخ.
ومن المؤكد أن العقبة الانتخابية لا تزال عالية أمام الحزب الشعبوي الجديد، إلاّ أن النجاح الانتخابي لحزب «ريوا شِنْزِنْجومي»، سيجعل الحزب الديمقراطي الليبرالي، وأحزاب المعارضة الرئيسية، تتوقف لتفكّر.
فهو أولاً، يعكس التراجع في السياسة الحزبية اليابانية. ويُظهر استطلاع للرأي أن نسبة كاسحة من اليابانيين، قدرها 58.3% ليس لدى أصحابها حزب سياسي مفضل. وقد صوّت ما يقرب من 10% من المستقلين لحزب «ريوا شِنْزِنْجومي»، بالمقارنة مع 25% للحزب الديمقراطي الليبرالي.
وبالنظر إلى خيبة الأمل هذه تجاه المؤسسة، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات 48.8% وهي ثاني أسوأ نسبة مشاركة في تاريخ ما بعد الحرب. وفي الواقع، فإن الحزب الديمقراطي الليبرالي لم يحصل إلاّ على 20 مليون صوت، أي نحو 19% من مجموع الناخبين. وهذه أرقام مقلقة بالنسبة إلى ما هو معروف عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، من أنه يحظى بتفويض شعبي.
ثانياً، تعكس ظاهرة «ريوا شِنْزِنْجومي» تفاوتاً اجتماعيّاً- اقتصادياً آخذاً في التوسع في اليابان. فمعدل الفقر في اليابان يقارب 16%، وهو ثاني أسوأ معدل بين دول مجموعة السبْع، كما أن 57.7% من اليابانيين يقولون إنهم يواجهون مصاعب اقتصادية. وكان برنامج حزب «ريوا شِنْزِنْجومي» جذّاباً لهؤلاء الناس.
ثالثاً، إن كون أحزاب المعارضة الرئيسية الأخرى، أضاعت فرصة اجتذاب هؤلاء الناخبين المحبَطين، يدلّ على أن اليابان ليس فيها معارضة قوية لتحدّي الحزب الديمقراطي الليبرالي. ولم يستطع العديد من أحزاب المعارضة، صياغة رسالة موحدة قادرة على تعبئة مؤيدي هذه الأحزاب والمستقلين. وقد ملأ حزب «ريوا» هذا الفراغ.
وبوجه عام، يبدو المجال مفتوحاً للأحزاب الشعبوية مثل «ريوا شِنْزِنْجومي» للانتعاش في السنوات المقبلة. وعلى الرغم، من أن الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة ما إذا كان مثل هذه الأحزاب قادراً على هدم جدار الحماية ضد الشعبوية في اليابان، فإنه يجب على الحزب الديمقراطي الليبرالي والمعارضة، التعلم من نجاح حزب «ريوا شِنْزِنْجومي»، والعمل على استعادة الثقة الشعبية بالسياسة الحزبية.

* خبير في السياسة اليابانية.
موقع: صحيفة جابان تايمز


Original Article

شاهد أيضاً