مملكة من خيال

يحيى زكي

عندما فرغ الرحالة الفينيسي ماركو بولو من حكاياته عن «مدن الخيال» التي كان يستمع إليها الإمبراطور الصيني قبلاي خان، في القرن الثالث عشر لم يلبث هذا الأخير أن سمح لبولو بأن يشاهد الأطلس الإمبراطوري الخاص، والذي كان يتضمن عدة خرائط لأمكنة وبلدان يطمع فيها الإمبراطور، لم يكن هناك في هذا الأطلس أي مدينة عجائبية يسودها الحب والسلام، شبيهة بمدن حكايات بولو، وإنما تعددت فيها تلك المدن التي تهددها اللعنات والأرواح الشريرة.
هذه الحكاية الفاتنة التي صاغها روائياً الإيطالي إيتالو كالفينو في كتاب «مدن لامرئية»، تحضر بقوة في ذهن أي متابع للضجيج الذي هيمن على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإخبارية العالمية، منذ أيام قليلة حول «مملكة الجبل الأصفر»، حيث يبدو أننا جميعاً أصبحنا أشبه بماركو بولو نقرأ ونستمع ثم نحكي ونناقش ما تود هذه المواقع أن نعرفه.
يبدأ «تاريخ» مملكة الجبل الأصفر من لحظة إعلان سيدة عربية عن تأسيسها بعد اجتماع عقده وزراء وملك المملكة في أوكرانيا، والدولة الجديدة تقع في منطقة «بئر الطويل» على الحدود بين مصر والسودان في مساحة تقدر ب 2060 كيلومتراً مربعاً، وللمملكة علم وصفحة على «فيسبوك» وأخرى على «تويتر»، أما أهداف تأسيس هذه المملكة فيتمثل في وضع حد لأزمات المهاجرين العرب وتوفير العيش الكريم لهم.
وعلى الرغم مما يثيره الإعلان من استفهامات تتعلق بمكونات الدولة السياسية والقانونية، وموقف الهيئات والمؤسسات الدولية منها، فإن الأكثر إثارة في الحكاية هو ذلك الغموض الذي يعم تفاصيلها، فكثير من المواقع تعددت فيها التخمينات عن اسم الملك، وبعضها تحدث عن كيفية الحصول على جنسية تلك الدولة، وسأل آخرون عن ميزانية المملكة، ولم يتورع البعض عن تقديم إجابات حاسمة، فالمملكة ممولة من الأثرياء العرب، وهناك بعض المواقع التي توجهت إلى خبراء في القانون الدولي، حيث رحب بعضهم بالدولة الوليدة.
إن أسئلة كثيرة حول هذه الحكاية «العجائبية» لابد أن تُطرح، لماذا هذا الموقع الحدودي المتنازع عليه بين مصر والسودان تحديداً؟، ولماذا هذا التوقيت بالذات؟، وهل «بئر الطويل» أرض لا صاحب لها، أو «أرض بلا شعب»؟، وهل يمثل المهاجرون العرب شعباً جديداً بلا مأوى؟، وهل مساحتها الأكبر من بعض الدول لا قيمة لها من جانب مصر والسودان؟، ولماذا هذا الخلاف الطويل إذن حول حلايب وشلاتين؟، وماذا عن الصمت الرسمي من جانب الدولتين؟، ومن هو ذلك الخبير الذي يتحدث بجدية عن دولة خيالية؟، وماذا عن الواقع الافتراضي الذي أصبح يمتلئ بسخافات لا نهاية لها امتدت الآن إلى مثل تلك المسائل الحيوية والحساسة؟.
ربما تكون المملكة في النهاية مجرد حكاية أو مزحة، إذا استمعنا إليها بقلب ماركو بولو، ولكن المرعب أن تكون مملكة كامنة في أطلس قبلاي خان؛ مملكة ستطاردها اللعنات والأرواح الشريرة في المستقبل.

mohamedismaael@yahoo.com

Original Article

شاهد أيضاً