«مراكش السينمائي».. بداية جديدة

محمد رُضا

بعد غياب عام واحد، يعود مهرجان مراكش السينمائي إلى العمل. انطلق في الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني وينتهي في الثامن من الشهر الحالي معرباً عن رغبته في بداية جديدة.
أخذ المهرجان فرصة، خلال السنة الماضية، ليعيد ترتيب أوراقه وأولوياته. وحسب أحد المخرجين المغاربة الذين التقينا بهم قبل بدء المناسبة بأيام: «تبدّلت الإدارة. تلك القديمة غادرت المهرجان وسلمت مقاليده إلى إدارة جديدة. لذلك نأمل أن تأتي الدورة الجديدة أفضل من أي دورة سابقة».

إنها الدورة السابعة عشرة لمهرجان أقيم بأمر ملكي وشهد تولي شركة فرنسية إدارته وتخطيطه ليكون تابعاً لعلاقاتها العامّة كما أكد أكثر من سينمائي مغربي منذ دوراته الأولى. بالطبع سمحت الإدارة السابقة لوجود أفلام عربية وبعض السينمائيين من ممثلين ومخرجين، لكنها التزمت تحبيذ ما هو أجنبي طوال الوقت.
إلى ذلك، ارتفعت شكوى المخرجين المغاربة من أن الإدارة المذكورة تغاضت عن الاحتفاء بالسينما المغربية ذاتها. حين ذكرنا ذلك لأحد النقاد المغاربة مؤخراً ابتسم بأدب وقال: «انس الاحتفاء. لم يكن هناك حتى ذكر لأن المهرجان يقوم في بلد ينتج نحو 30 فيلماً في السنة. كان هذا تجاهلاً كبيراً».
والسائد قوله إن الشكاوى وصلت إلى مسامع المسؤولين الكبار فقامت بسحبه من أيدي تلك الإدارة وأودعته أيدي إدارة جديدة أخذت بعين الاعتبار النقد السائد وسعت، كبادرة أولى، على تأكيد الحضور المغربي ذاته.
هذا يتضح بوجود بانوراما للسينما المغربية الجديدة تشمل سبعة أفلام ووجود عرب آخرين في لجان التحكيم أو من خلال العروض المختلفة.
لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج الأمريكي جيمس جراي تضم المخرجة اللبنانية جوانا حاجي توما والممثلة الأمريكية داكوتا جونسون والممثلة الهندية إليانا دكروز والمخرجة المغربية تالا حديد والمخرجة البريطانية لين رامزي والممثل الألماني دانيال بروَل والمخرج الفرنسي لوران كانتيه والمخرج المكسيكي ميشيل فرانكو.
لا ننسى أن مهرجان مراكش كان دائماً قادراً على جلب العديد من كبار النجوم والسينمائيين من الولايات المتحدة وأوروبا مستنداً في ذلك إلى عراقة العلاقة السينمائية القائمة بين الصناعتين المغربية والدولية.
المغرب استمد شهرته في الأفلام الأمريكية من قبل فيلم مايكل كورتيز «كازابلانكا» (على الرغم من أن تصويره تم بالكامل في استوديوهات بيربانكس في هوليوود) وكان ذلك في الأربعينات. وجاء المهرجان قبل 17 سنة ليؤكد هذا الوضع إذ انبثقت فكرته بينما كانت الإنتاجات الأوروبية والأمريكية تختار المغرب بالعديد من الأفلام التي تصوّرها هناك.
لذا، وعندما أقيم المهرجان أول مرّة، سنة 2010، كان من الطبيعي نجاح عملية جذب الأسماء الكبيرة بدعوات من قِبل المكتب الملكي ذاته. وهذا العام لا يختلف بعدد روّاده وضيوفه من مصر يسرا وليلى علوي ومن المغرب المخرجة نرجس النجار والمخرج فوزي بن سعيدي ومن أمريكا الممثلان لورنس فيشبورن وفيجو مورتنسن ومن إيطاليا مونيكا بيلوشي.
وفي عداد التكريمات يتم الاحتفاء بالمخرج المغربي جيلالي فرحاتي الذي أمضى جل حياته يقدّم أفلاماً مغايرة للسائد أفضلها، لدى هذا الناقد والكثيرين سواه، «شاطئ الأطفال الضائعين». وهناك احتفاءان آخران واحد للمخرجة الفرنسية أجنيس فاردا والممثلة الأمريكية روبين رايت والممثل روبرت دي نيرو.
وهناك خمسة أقسام ترتع فيها أفلام المهرجان وتمرح: قسم المسابقة (14 فيلماً) وقسم «عروض خاصة» (12) وقسم «بانوراما مغربية» (7 أفلام) و«القارة الحادية عشرة» (14) و«سينما للجمهور الشاب» (5) وهذا عدا أقسام أخرى تتضمن ندوات ومحاضرات وورش عمل.
إنه «عند بوابة الأبدية» الذي يسرد بعض أحداث السنوات الأخيرة من حياة الرسام فان جوخ وهو من إخراج الأمريكي جوليان شنابل ومن إنتاج أمريكي- فرنسي مشترك.
العنوان مشتق من عبارة ترد في الفيلم إذ يقول فان جوخ (يؤديه جيداً ويلم دافو) وهو ينظر إلى حقل دوار الشمس: «حين أنظر إلى الطبيعة لا أرى إلا الأبدية». قبل ذلك، عند افتتاح الفيلم، نجد الفنان العالمي يعيش في فقر شديد ويحاول إقناع صاحب مطعم بإبقاء أحد رسوماته معروضاً على الجدار. أمر آخر، غير العوز، يقلق الرسّام هو الطبيعة غير الجذابة إليه التي ينظر إليها كلما أراد الرسم. عندما يلتقي بالرسام الفرنسي بول جوجوان (أوسكار آيزاك) يشكو له أنه يريد أن يجد ضوءاً جديد لرسوماته. ينصحه بول بالتوجه إلى الجنوب الفرنسي. بانتقاله يستبدل فان جوخ السماء الرمادية والطبيعة الداكنة بحقول متعددة الألوان وبضوء الطبيعة المشمس. لكن الأحداث التالية لن تكون بذات البهجة. ففي تلك السنوات الأخيرة تدهورت حالته الصحية والنفسية ودخل المصحات ثم آوى إلى شقيقه ثيو (روبرت فرند) الذي يحاول، كما جوجوان مصالحة الفنان مع نفسه.
حظي الرسام جوخ بالاهتمام كمصدر لدراسات وكتب روائية وغير روائية كما بعدد لا بأس به من الأفلام عبر سنوات التاريخ. من أوائل تلك الأفلام «شهوة للحياة» لفنسنت مينيللي (1956). ومن آخرها فيلم «حب فنسنت» لدوروتا كوبيله (2016). بين الفيلمين هناك «فنسنت وثيو» لروبرت ألتمن (1974) والفيلم التلفزيوني «البيت الأصفر» الذي تم إنجازه سنة 2007. الفيلم الجديد من الرسام النيويوركي والمخرج جوليان شنابل الذي من بين أفضل أعماله Basquiat الذي حققه قبل 22 سنة حول الحياة القصيرة للرسام النيويوركي جان ميشال باسكويات.
هنا يرسم شنابل بالكاميرا ما يواكب الرسم بالريشة. ويتوالى الانسياب في المشاهد الطبيعية التي يحاول جوخ نقل إيحاءاتها وجمالها على قماشته. هنا يذكر الفيلم بشيء من أسلوب ترنس مالك في العمل ولو بمساحة أقل. العدسة ذاتها في حركة دائمة. محمولة وتنتقل بطلاقة (مفتعلة أحياناً) لالتقاط ما يحلو لها تصويره. في انسيابها محاولة المخرج صياغة أسلوب فني قائم على حرية التقاط ما تقع عليه الكاميرا (ريشة، لوحة، أقدام، غصن شجرة، أعشاب) وغالباً في لقطة واحدة تنتقل أفقياً أو عمودياً. لكن لا شيء في كل ذلك مبهر كونه قائماً على حركة في نهاية أمرها مفتعلة تنتج توتراً لا أهمية له حتى وإن بدا انعكاساً مناسباً ليد الفنان أو لقلقه أو لحالته النفسية أو العاطفية.
يتابع سيناريو جان- كلود كارييه حالة جوخ القلقة وازديادها خلال تلك السنوات القليلة. علاقته المهنية مع بول جوجوان والحميمة مع شقيقه ثيو (روبرت فرَند). في مجملها لم تكن حياة سهلة بل بالغة التوتر وشنابل ينقلها على هذا النحو أيضاً. يتابع سيناريو كارييه حياة الرسام في سنواته الأخيرة على نحو جيد وفاعل في تأثير أحداثه وما يبثه من عواطف. حياة جوخ تكشف عن كآبتها وتضع الفنان في نهايات سلم الحياة معوزاً ومتشرداً ومُهاناً. يغلب شنابل الشكل على السرد دافعاً بالعمل إلى نطاق الأفلام التي تُشكّل حسب الموضوع الماثل. الجهد والابتكار موجودان بصرياً، لكن ما يدور يبقي بعيداً عن سد ثغراث درامية كان الفيلم يحتاج للعناية بها.
يتم عرض فيلم «نساء ومسافات»خارج المسابقة، ومن مصر فيلم للمخرج الجديد أحمد مجدي وعنوانه «لا أحد هناك»، وهو أحد أربعة أفلام عربية في المسابقة وهي «في عينيا» الآتي من تونس و«الضرورة الاعتيادية» من المغرب و«عكاشة» الذي يحمل هوية سودانية- جنوب إفريقية ويدور حول منطقة حرب ومحاولات بطلا الفيلم الفرار من الجيش وتجنب الحرب.
والمرأة موضوع فيلم «دايان» للأمريكي كنت جونز، وهناك أفلام من المكسيك «الفتيات الطيبات» والأرجنتين «روجو» وصربيا «الحمل» والصين «أيام مختفية» واليابان «ثلج أحمر» و«حبور» (النمسا) و«إرينا» (بلغاريا).

الفيلم التونسي «في عينيّا»

فيلم «في عينيّا» من أبرز الأفلام على نحو ملحوظ للتونسي نجيب بلقاضي الذي يدور حول ولد يعاني مرض التوحد. فيلم جيد التكوين بصرياً مع قدر من ثغرات التصرف في الكتابة كان يمكن لو عولجت أن تساعد على تنويع الحدث الماثل والمتكرر ومفاده سعي الأب لفهم ابنه وتأخره في ذلك الفهم إلى أن يجد السبيل في الصبر والملاحظة وإيجاد السبيل الصعب للتواصل معه.

«كله جيد»..حياة صاخبة

يدور فيلم «كله جيد» (All Good) من ألمانيا، لإيفا تروبيش حول حياة فتاة تحاول رسم خط وسط بين الحياة الصاخبة وطموحاتها وبين تلك الهادئة ومستحقاتها، لكن «الخادمة»، للمكسيكية ليلا أفيليس يحمل همّاً مختلفاً، إذ يدور حول خادمة في فندق سياحي يبتعد ساعات عدة عن بيتها المتواضع. متاعب المسافة وروتين الانتقال اليومي تلتحق بمتاعب العمل نفسه.

شاهد أيضاً