قالوا لنا: شيخوا

مارلين سلوم

عفواً أيها الأحبة، هل أنتم ممن يسيرون خلف قادة «السوشيال ميديا»، ويطيعونهم في كل أمر؟ هل أنتم من المنجرفين خلف أهواء المتلاعبين بال«ميديا»، وبال«سوشيال»، فيحركون المجتمعات كل يومين، أو ثلاثة باتجاهات جديدة، ظاهرها مسلّ، وباطنها جني أرباح من جهة، وتحريك الجموع وتوجيهها للدخول إلى مواقع وصفحات مجهولة من جهة ثانية، فتصير كمن يشرع أبواب بيته للغرباء؟
قالوا لنا شيخوا، فصرنا «شيّاباً» في لحظات. الأمر سهل، وبسيط، ما هي إلا بضع خطوات إلكترونية، وتطبيق، وصفحة مجهولة تدخلها فتصير عجوزاً، من دون أن تفكر في أبعاد الخطوة.
كم مرة تلاعبوا بأعمارنا، ووجوهنا، وأشكالنا، واستجاب لهم الملايين حول العالم؟ هم يصيرون أثرياء بين ليلة وضحاها، والناس يتحولون إلى «سلعة» بين أيدي هؤلاء التجار، يبيعون ويشترون بها، كيفما يشاؤون.
تعالوا نلعب لعبة العمر، عودوا إلى الخلف قليلاً لتصيروا أصغر سناً، فتستعيدوا الشباب، ثم شيخوا لتروا أنفسكم في عمر السبعين، والثمانين.
ما أسهل اختراق الخصوصيات والصفحات إلكترونياً، وما أسرع استجابة الناس للنداء. يخيل إليك أن العالم تحوّل إلى غرفة، الناس فيها يمسكون بهواتفهم بانتظار تنفيذ الأوامر، وانطلاق السباق.
بماذا يختلف هذا المشهد عن الألعاب الإلكترونية الخيالية التي تحصد ملايين المتابعين واللاعبين المتأثرين بها إلى حدود الهوس والموت؟
بماذا يختلف مشهد انجراف الناس خلف أوامر صناع الصرعات، ومروّجي «التحديات»، عن مشهد لعبة الجوع «هانجر جايمز» التي شاهدناها في السينما، وهي تجسد حقيقة تحوّل الإنسان إلى آلة تطيع أوامر صانع اللعبة الإلكترونية، وتنفذها حرفياً، ومهما كان الثمن؟
الأمر لا يتوقف عند التحديات، فهؤلاء يروّجون لأفكار كثيرة، ويغسلون أدمغة الناس كل يوم. فمرة أقنعوك بضرورة محو كل علامات الكبر البادية على الوجه، وبأن خطوط الحياة على جبهتك أو محياك تشوّه ملامحك، وجمالك؛ وبسرعة صار السعي إلى الفيلر، والبوتوكس، وعائلتهما، أكثر من السعي خلف العلم، أو العمل.
ثم قالوا، لم تعد الوجوه المستديرة موضة، ولا الفتاة المكتنزة هي عز الطلب لأنها «عروس بكامل عافيتها وقوتها»، بل الشفاه «المكتنزة» هي الأفضل، والأجمل؛ فانتشر «الدايت» مصحوباً ب«الجيم» والرياضة، وخرجت الذقون الحادة البارزة بفضل الحقن، وتغيرت الملامح.
قالوا فلتكن الأسنان مرصّعة كاللؤلؤ، والشعر منسدلاً بفضل ال«إكستانشون»، أي الخصل المستعارة. وفلتكن الثياب ممزقة كي نتشبه بمعدومي الأحوال، لكن «للتمزيق فنون»، لذا أهلاً بأغلى الماركات العالمية، وبالممزق «الثمين».
ننجرف خلف أوامر، أو صرعات التواصل الاجتماعي، وخلف المستفيدين من الترويج للبضائع عبر الصفحات، والتطبيقات، والمواقع، الباحثين عن الشهرة والثراء السهل والسريع، ولا ننتبه إلى أننا بكبسة الزر هذه نكون مجرد أدوات في أيديهم، وأننا نشتري بضاعتهم بأثمان غالية تكلفنا فقدان خصوصيتنا، وأسرارنا، وأحياناً ملامحنا؛ والأخطر، أنها تعوّد الأجيال الفتيّة على الانسياق كالقطعان خلف أي شخص يقودها، من دون أن تعرف من يكون، وما هي أهدافه.

marlynsalloum@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً